الماء في سورية للأذكياء فقط

26 سبتمبر 2021
توفير مياه الشرب أحد أبرز مشكلات السوريين (Getty)
+ الخط -

فعلتها حكومة بشار الأسد، وأدرجت بيع المياه يوم السبت، عبر البطاقة الذكية، ولكن من دون طلب مسبّق، كما الأرز والسكر والمحروقات، إذ يحق لكل حامل بطاقة ذكية، أن يذهب إلى صالات المؤسسة السورية للتجارة، وشراء مياه الشرب المعدنية، حتى ولو كانت مياه الصنابير تصل إلى بيته، ولكن شريطة ألا تزيد الكمية عن جعبتي مياه كبيرة وواحدة صغيرة "الجعبة 6 قارورات كبيرة و12 صغيرة" كل أسبوعين. 
ولمن يسأل عن الخيارات بدولة الأسد الديمقراطية، فسيجدها بشروط المؤسسة الحكومية" الشراء دفعة واحدة أو على مراحل وكما يرغب المستهلك السوري".

وسنريح القارئ من حساب حصة الفرد السوري من المياه، وفق ما ترتأي حكومة الأسد وتحرص على عدم زيادة السوائل في أجسام السوريين.

لتعبئة مياه الينابيع في سورية تكاليف عالية، ولا تستغربوا إن قلنا لكم إن رئيس النظام، بشار الأسد دشّن بنفسه عام 2017 معمل تعبئة مياه عين الفيجة

فمعدل الأسرة السورية خمسة أشخاص، وكل أسرة لديها بطاقة ذكية واحدة ويحق لها كل أسبوعين، شراء 12 قارورة كبيرة سعة الواحدة 1.5 ليتر و12 قارورة صغيرة سعة الواحدة نصف ليتر.
أي 24 ليتر مياه للأسرة الواحدة خلال أسبوعين، أي بنحو ليترين لليوم الواحد، لتكون حصة الفرد "قسّم عزيزي القارئ 2 على 5".
ولكن، كل ما غرقنا فيه من نسب استهلاك وتوزيع المياه الحكومية المباركة، هو جزء من المشهد، وربما من الإجحاف، إغفال النقاط الإيجابية المضيئة في قرار حكومة الأسد الرشيد اليوم.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

هذا القرار، وبعد دخول شركة "تكامل" على تنفيذه، سيمنع احتكار مياه الشرب من الموزعين والتجار الجشعين، ويوقف بالمطلق بيع كوب المياه المعدنية في الشوارع بسعر 190 ليرة سورية، كما انتشر أخيرا في دمشق، والأهم بيع المياه للمواطن بسعر التكلفة. 
أجل لتعبئة مياه الينابيع في سورية تكاليف عالية، ولا تستغربوا إن قلنا لكم إن رئيس النظام، بشار الأسد دشّن بنفسه عام 2017 معمل تعبئة مياه عين الفيجة، وشهد تدفق المياه من الصنابير إلى العبوات...بل وشرب سيادته من المياه المدشنة أمام عدسات التلفزة وقتذاك، احتفاء وافتخاراً بذاك الصرح العظيم.
قصارى القول: دخل السوريون مراحل الإذلال والطوابير إضافة إلى التجويع، مذ دخلت شركة "تكامل" المملوكة لفراس الأخرس، شقيق أسماء الأسد زوجة الرئيس السوري، ومهند الدباغ ابن خالتها، عام 2020 على خط توزيع السكر والأرز والزيت ومن ثم الخبز والشاي والمحروقات واليوم المياه.

عدا ما تعلل به حكومة الأسد عبر شعارات ترشيد الاستهلاك وتقليل الازدحام هو: كم تجني "تكامل" من صفقة بيع السوريين أساسيات غذائهم؟

بيد أن السؤال، عدا ما تعلل به حكومة الأسد عبر شعارات ترشيد الاستهلاك وتقليل الازدحام هو: كم تجني "تكامل" من صفقة بيع السوريين أساسيات غذائهم؟ وهل من المستبعد، بعد الخبز والمياه، أن تدخل "تكامل" على خط عد خطى السوريين وتحميلهم ضرائب على مسيرهم وهم يسعون لإكسير البقاء على قيد الحياة؟
تحصل الشركة التي ترعاها أسماء الأسد على مبلغ 400 ليرة سورية مقابل البطاقة الواحدة، فيما بلغ عدد البطاقات التي منحتها الشركة حتى منتصف العام الجاري، نحو 3 ملايين بطاقة. وتأخذ الشركة مبلغ 3 ليرات سورية عن كل ليتر بنزين للسيارات العامة و5 ليرات للسيارات الخاصة. وتحصّل مبلغ 100 ليرة سورية في كل مرة يتم استخدام البطاقة الذكية في تعبئة مخصصات الأسرة من مادة المازوت والغاز المنزلي.
ولأن فكر "تكامل" استراتيجي، اشترطت في العقد أن كل مادة يقوم النظام بإضافتها إلى البطاقة الذكية، تحصل الشركة على نسبة معينة، لا تقل عن 100 ليرة عن كل استخدام، في ما يتعلق بالمواد التموينية، كالأرز والشاي والسكر والزيت، أما في ما يتعلق بالخبز، فتحصل الشركة على 5 ليرات عن كل ربطة خبز "نحو كيلوغرامين".

عود على المياه: على الأرجح، يتساءل القارئ عن سعر عبوة المياه في سورية الأسد، ولئلا يبقى السؤال متوثباً على الشفاه نفيده، سعر عبوة المياه سعة 1.5 ليتر، ارتفع بالتوازي مع قرار التوزيع عبر البطاقة الذكية، من 460 إلى 525 ليرة وسعر العبوة سعة نصف ليتر ارتفع من 50 إلى 350 ليرة.
ونضيف معلومات أخرى، علّ القارئ يربطها ليصل إلى مستوى رفاهية السوريين، يبلغ متوسط دخل السوري 71 ألف ليرة، ولكن لا يزيد سعر كيلو الخبز في الأسواق عن 700 ليرة، ولا يتعدى سعر كيلو الموز 15 ألف ليرة، وأما أسعار المحرمات، من لحوم وأسماك، فقلما توردها نشرات وزارة التجارة الداخلية السورية، فهي بين 40 و50 ألف ليرة للكيلو الواحد.
لنرمي في النهاية السؤال إلى ملعب القارئ، إن كانت تكلفة معيشة الأسرة السورية، وفق مركز "قاسيون" من دمشق الشهر الجاري نحو 1.8 مليون ليرة، ولا يزيد دخله عن 71 ألف ليرة، فكيف يعيش السوريين برأيك ومن أين يسدون فجوة الإنفاق والدخل.

المساهمون