بعد تراجع أرباحه خلال الربع الثاني من العام بما يقرب من خمسين بالمائة مقارنةً بالعام الماضي، وتراجع إيرادات وحدة بنوك الاستثمار لدية بأكثر من أربعين بالمائة، يستعد بنك الاستثمار غولدمان ساكس لتسريح عدد من العاملين لديه قبل نهاية الشهر الحالي.
وهذا الأسبوع، قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن اثنين من مصادرها أكدا اقتراب عملاق بنوك الاستثمار الأميركية من تسريح مجموعة من العاملين لديه، وأن ذلك ربما يبدأ خلال الأسبوع المقبل.
وخلال السنوات الأخيرة، اعتاد البنك، كما هو الحال في أغلب البنوك الأميركية الكبيرة، إعادة تقييم العاملين لديه وتقدير احتياجات البنك للفترات القادمة، ومن ثم اتخاذ قرار بشأن تسريح نسبة من العاملين تتراوح عادة بين 1% و5%. لكن البنك توقف خلال فترة الوباء، اعتباراً من بداية 2020 عن هذا الإجراء، مراعاة للظروف القاسية وقتها، قبل أن يقرر العودة إليه أخيراً، بعد تراجع حجم عمليات بنوك الاستثمار، ومع تزايد توقعات دخول الاقتصاد الأميركي في ركود.
وبدأ خلال الربع الثاني من العام الحالي يظهر الحديث عن تجميد التوظيف وتسريح العاملين في العديد من المؤسسات العاملة في وول ستريت، للمرة الأولى منذ ظهور الوباء وانتشاره في الأراضي الأميركية في الربع الأول من عام 2020، حيث تسبب ارتفاع معدلات الفائدة ومخاوف الدخول في الركود في تراجع حجم عمليات الاندماج والاكتتابات العامة وصفقات الاستحواذ الأخرى.وقبل انتصاف العام الحالي، شرع بنك جي بي مورغان، أكبر البنوك الأميركية من حيث حجم الأصول، في تسريح مئات العاملين في قسم الرهن العقاري، مبرراً ذلك بـ"التغيرات الدورية"، التي اعتبرها البعض إشارة إلى تسرب الهدوء إلى سوق العقارات التي اشتعلت العام الماضي، مع ارتفاع معدلات الفائدة هذا العام.
وقال جيمي ديمون، رئيس البنك، إنه لن يترك الناس "يحصلون على رواتبهم بدون عمل لفترة طويلة".
وكانت هناك إشارات أيضاً إلى أن المصرفيين المتخصصين في عمليات "شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة"، المعروفة باسم SPACs، يمكن أن يأتي دورهم بعد ذلك، بسبب تراجع حجم الصفقات من هذا النوع.
وعلى نحو متصل، وفي تقرير حديث لشركة الاستشارات المعنية بالاستثمار العالمي انتجريتي ريسيرش، أكد أن أحدث الدراسات الخاصة بتسريح الموظفين أوضحت ازدياد تسريح العمالة المخطط في المؤسسات المالية بنسبة 64% خلال الشهور الثمانية الأولى من العام الحالي، مقارنة بنفس الفترة من عام 2021، لتتجاوز 13 ألف موظف.
وأظهر التقرير أيضاً أن حجم التعيينات الجديدة خلال نفس الفترة تراجع بنسبة 4% مقارنة بالعام الماضي، الأمر الذي جعل الشركة تتساءل إذا ما كان هناك توجه لخفض عدد العاملين خلال فترة 6 - 12 شهرا القادمة في وول ستريت، مع استمرار ارتفاع معدلات الفائدة، وتزايد احتمالية دخول الاقتصاد في ركود.
نفس التوجه أكده هيثم طرابيك، المدير بإحدى شركات التكنولوجيا المالية في أميركا، حيث أشار إلى أن الشركات الكبرى "تلجأ عادةً لتسريح العمالة كأداة لخفض تكاليف التشغيل"، مشيراً إلى أنه "في أوقات الصعوبات الاقتصادية أو الكساد يصبح خفض التكاليف بالطرق المختلفة، ومنها تسريح العمالة، أكثر إلحاحاً".
وأشار طرابيك، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن اللجوء لتسريح أصحاب المهارات، التي كان يصعب الوصول إليها والحصول على خدماتها، يكون عادةً الخيار الأخير والأصعب، ويؤشر بما لا يحتمل الشك على أن "هناك بالفعل كسادا، أو أن الكساد أصبح وشيكاً".
والأسبوع الماضي، أكدت وكالة "بلومبيرغ" أن سيتي بنك، أحد أكبر البنوك الأميركية، بدأ بالفعل في تسريح عدد من العاملين في قطاع قروض الرهن العقاري لديه، وأن عدد من تم تسريحهم اقترب من مائة موظف هذا العام، بسبب تراجع النشاط في سوق العقارات نتيجة لارتفاع معدلات الفائدة بصورة متكررة.
والشهر الماضي، قالت "بلومبيرغ" أيضاً، نقلاً عن استطلاع أجرته شركة الاستشارات برايس ووتر هاوس كوبرز، شمل أكثر من 700 مدير تنفيذي وعضو مجلس إدارة في مجموعة من الصناعات في الولايات المتحدة، إن أكثر من نصف الشركات الأميركية تخطط للاستغناء عن عدد من العاملين لديها.
وأكدت الوكالة أن نصف من شملهم الاستطلاع بدأوا بالفعل في الاستغناء عن العمالة، وأن 52% منهم أوقفوا التعيينات.
وتتجه شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى نحو تخفيض نفقاتها وتسريح عدد من العاملين فيها.
ونقلت وكالة "رويترز" الأسبوع الماضي عن شركة سناب (Snap)، صاحبة منصة التواصل الاجتماعي التي تحمل نفس الاسم، توجهها نحو تسريح ما يقرب من عشرين بالمائة من العاملين لديها، بالإضافة إلى إلغاء العديد من المشروعات التي كانت تخطط لها، وتشمل ألعاب الهواتف الذكية وتطبيقات أخرى لا مثيل لها، في محاولة للتعامل مع معدل التضخم الذي يسود البلاد، وما قد يليه من ركود، اللذين يؤثران بالتأكيد على صناعة الإعلان.
وفي مواجهة تراجع حاد في الاشتراكات، أعلنت منصة عرض الأفلام والمسلسلات الشهيرة نتفليكس "Netflix" نيتها تخفيض إنفاقها من خلال التخلي عن البصمة العقارية التي كانت تنوي تنميتها خلال الفترة القادمة، بالإضافة إلى الحد من إنفاقها غير الضروري على الموظفين وتجمعاتهم الترفيهية، كما التحكم في تكاليف مشاريع الحوسبة السحابية التي كانت تنوي التوسع فيها.
وخلال الربع الثاني من العام الحالي، خفضت أمازون عدد موظفيها 99 ألف شخص، وصولاً إلى 1.52 مليون موظف، واتخذت خطوات لتقليص قوتها العاملة أكثر من ذلك.