بات المشهد داخل الولايات المتحدة على النحو التالي: دولة تخشى الدخول في نفق الإفلاس المظلم بداية من شهر يونيو/ حزيران المقبل، أي بعد أيام، أكبر اقتصاد عالمي مهدد بالدخول في دائرة التعثر المالي الجهنمية، أقطاب الحكم يفشلون في التوصل لاتفاق يسمح لحكومة بايدن برفع سقف الدين والذي يتيح لها الحصول على مزيد من القروض الخارجية والداخلية لتغطية الالتزامات المستحقة عليها، ومنها الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية والقوات الأميركية في الخارج، بايدن يفشل في إقناع قادة الكونغرس بتمرير زيادة سقف الدين تجنبا لحدوث أزمة مالية مرتقبة، الاتفاق على احتواء الأزمة الحالية بات بعيدا في ظل تجاذبات سياسية حادة، وحرص كل فريق حاكم على توجيه لكمة قاضية للفريق الآخر تتم الاستفادة منها في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
البيت الأبيض الذي لا يريد تقديم أي تنازلات أو التفاوض بشأن رفع سقف الديون، يبحث عن حيل وإجراءات استثنائية لتفادي دخول الولايات المتحدة في أزمة تعثر وتوقف عن سداد الديون، اجتماع آخر يعقد اليوم، الجمعة، ويضم بايدن وقادة الكونغرس لبحث حل مأزق سقف الديون. الأسواق المالية العالمية والأميركية تراقب المعركة الساخنة بين بايدن والكونغرس وتترقب أي إشارات إيجابية من الطرفين.
وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين تخرج علينا مجددا محذرة، أمس الخميس، من أن تعثر الولايات المتحدة عن سداد التزاماتها سيؤدي لكارثة اقتصادية ومالية، وسيثير تساؤلات حول قدرة أميركا على الدفاع عن مصالح أمننا القومي. وقد يفقد ملايين الأميركيين وظائفهم وسيتم تخفيض دخل الأسرة، وستشهد الشركات الأميركية تدهورا في أسواق الائتمان ومن المرجح أن تترك ملايين العائلات التي تتلقى مدفوعات حكومية بدون الموارد التي وُعدت بها.
يوم الأربعاء دخل الرئيس السابق دونالد ترامب على الخط، حيث أدلى بتصريح مهم دعا فيه الكونغرس إلى عدم السماح برفع سقف الدين، والسماح بتخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها، وبالتالي دخول البلاد نفق الإفلاس والتعثر المظلم والتوقف عن سداد الديون المستحقة للدائنين وفي مقدمتهم الصين واليابان ودول الخليج.
تصريحات ترامب تسكب المزيد من الزيت على نار الأزمة المشتعلة الحالية بين إدارة بايدن والكونغرس، وتعمق الخلافات بين الحزبين الحاكمين، ولذا فإن كل الاحتمالات والسيناريوهات قائمة، فإما التوصل لصفقة بين طرفي الحكم، وإما انزلاق الولايات المتحدة نحو خطر الإفلاس، وهو ما ستكون له انعكاسات خطيرة ليس فقط على الاقتصاد الأميركي ولكن على الاقتصادي العالمي.
الملفت هنا أن ترامب خرج ليحرض مباشرة على الدولة ويطالب حزبه بالسماح بتعثرها، ولم يخرج علينا أحد ليقول إن ترامب خائن وغير وطني، فالرجل استخدم حقه الدستوري في التعبير عن رأيه ومهاجمة خصمه السياسي، بايدن وحزبه الديمقراطي.