يقول المستشار الاقتصادي السوري أسامة قاضي إن أكثر من 90% من السوريين لا يتذوقون اللحوم أكثر من مرة كل شهر، وحتى حينما يتذوّقونه يكون بكميات صغيرة جداً أو لحوماً مجهولة المصدر ومشكوكاً في صلاحيتها، مشيراً لـ"العربي الجديد"، تبدل النمط الغذائي بسورية، بعد حالة الإفقار الشديدة وغلاء الأسعار، حيث بات "شراء الخضر بالحبة واللحوم بنصف أوقية "100 غرام".
ووصلت أسعار اللحوم، الحمراء والبيضاء في سورية، إلى أعلى مستوى سعري منذ عام 2011، بحسب مصادر من العاصمة السورية دمشق، بعد أن قفز سعر كيلو لحم الخروف إلى 175 ألف ليرة "خال من الدهن" وسعر كيلو لحم العجل لنحو 110 آلاف ليرة سورية، لتلحق أسعار الدجاج ويسجل سعر كيلو الفروج نحو 30 ألف ليرة، ومعها أسعار البيض التي سجلت أعلى سعر على الإطلاق بعد وصول سعر البيضة الواحدة إلى 1500 ليرة.
وتضيف المصادر من دمشق أن الألبان ومشتقاتها سجلت اليوم، هي الأخرى، أعلى الأسعار، بعد أن تعدى سعر كيلو اللبن "زبادي" 6500 ليرة ووصل سعر كيلو الحليب نحو 5 آلاف ليرة، ليرتفع في المقابل سعر الأجبان، فيصل سعر الجبنة البلدية نحو 30 ألف ويزيد سعر كيلو جبنة الحلوم عن 50 ألف ليرة سورية.
ويرى المستشار قاضي أن أسباب ارتفاع أسعار اللحوم ومشتقات الألبان يعود أولاً لتهاوي سعر الليرة السورية لنحو 14 ألف ليرة مقابل الدولار، "نحن نقيّم بالعملة المحلية"، لافتاً إلى أن تكاليف الإنتاج الحيواني، خاصة الأعلاف، تحتسب بالدولار لأنها تستورد من الخارج بعد تراجع مؤسسة الأعلاف عن منح المزارعين مخصصاتهم.
كذلك تشكّل تكاليف الإنتاج الأخرى، من حوامل طاقة وعمالة ونقل، أسباباً إضافية لزيادة أسعار المنتجات الحيوانية.
ويضيف أن تراجع الثروة الحيوانية في سورية إلى أقل من النصف، عمّا كانت عليه عام 2011، سبب مهم يتعلق بمستوى العرض السلعي بالسوق، ليأتي تصدير الأغنام العواس لمنطقة الخليج العربي سبباً إضافياً يؤثر على المعروض، سواء من اللحوم أو مشتقات الألبان.
وبحسب مصادر رسمية متطابقة، فقد تراجعت الثروة الحيوانية في سورية بنحو 50% خلال العقد الماضي، ليصل عدد قطعان الأغنام إلى نحو 15 مليون رأس غنم والأبقار إلى نحو 850 ألف رأس ويتراجع عدد مزارع الدواجن المرخصة إلى نحو 7 آلاف مزرعة بعموم المحافظات السورية.
ويكرر تاجر الأغنام بريف دمشق رضوان محمد أن قياس الأسعار بالليرة السورية "غير دقيق" حتى وإن كانت هي العملة الرسمية ويتقاضى الناس أجورهم بها، "لكن الدولرة منتشرة بتقييم وبيع الأغنام والأبقار، خاصة بمناطق شمالي سورية".
ويشير تاجر الأغنام السوري إلى الارتفاع الكبير بأسعار الأعلاف، فكيلو الشعير يزيد اليوم عن 2300 ليرة، وتعدى سعر الذرة الصفراء مليوني ليرة، ووصل سعر طن كسبة الفول إلى 3.5 ملايين ليرة. ويستدرك محمد أن حالة الفقر قلّصت أعداد الخراف المذبوحة بدمشق لنحو 2000 رغم ما يقال عن قدوم سياح وارتفاع الاستهلاك، مبيناً أن تكاليف المحروقات لتشغيل الكهرباء بمحال اللحامين باتت تضاف على التكاليف، لأن انقطاع الكهرباء بهذا الصيف يفسد اللحوم.
وحول التصدير يشير تاجر الأغنام إلى أنه "تصدر قرارات السماح وإيقاف التصدير، ولكن التهريب إلى لبنان والعراق والأردن لا يتوقف، لأن فارق الأسعار كبير"، معتبراً أن قرار رئيس حكومة بشار الأسد إلزام المصدرين بإعادة جزء من الصادرات الدولارية واستلام ما يقابلها بالعملة المحلية، بعد إلغاء ربط تصدير الأغنام بالاستيراد، لم يحد من التصدير.
الاقتصادي الدكتور محمد حاج بكري نظر إلى قضية غلاء أسعار المنتجات الحيوانية من جانب آخر، في حديث مع "العربي الجديد"، إذ شدّد على ضرورة النظر للأمر من جانبين اثنين؛ الأول تبدل النمط الغذائي وغياب البروتين عن وجبات السوريين، ما أوصل نسبة الأطفال المصابين بسوء التغذية إلى أكثر من 48% من السكان "وفق تقرير لليونسيف".
والثاني، برأي الأكاديمي السوري، هو زيادة أعداد المهاجرين "الهاربين من جحيم سورية" وتفشي الفساد بمجتمع لا يصل دخله إلى 120 ألف ليرة وإنفاق بالحد الأدنى يزيد عن 4 ملايين ليرة، وكلا الحالتين، الهجرة والفساد، تزيدان من تهديم سورية وعدم التعويل على المستقبل.
ويختم حاج بكري لـ"العربي الجديد" بالقول إن مشكلة الأسعار والفقر تكمن بانهيار سعر صرف الليرة، خاصة بعد تراجع الإنتاج السوري والاعتماد على الاستيراد.