يواصل سعر صرف الدولار في لبنان ارتفاعه الكبير متخطياً اليوم الأربعاء عتبة الـ76 ألف ليرة لبنانية، ما دفع بعض المواطنين للنزول إلى الشارع احتجاجاً على ما آلت إليه الأوضاع، خصوصاً في ظلّ التهديدات التي تحاصرهم، سواء من أصحاب محطات الوقود الذين يعودون في كل مرة إلى نغمة الإقفال لرفع التسعيرة ودولرة القطاع أو المصارف التي تقفل أبوابها بوجههم منذ أكثر من أسبوع اعتراضاً على الاستدعاءات القضائية بحقها.
وشهد عددٌ من المناطق اللبنانية، ولا سيما طرابلس شمال لبنان، التي تعدّ الأكثر تهميشاً وفقراً، احتجاجات على ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، وانعكاسه بزيادة أسعار المحروقات ومختلف السلع التجارية الاستهلاكية والمواد الغذائية، وقد تم قطع بعض الطرق بحاويات النفايات والإطارات المشتعلة.
وفي وقتٍ انخفض سعر صرف الدولار أمس الثلاثاء لأكثر من 3 آلاف ليرة بالتزامن مع تسريب شائعات عودة البنوك اللبنانية عن إضرابها المفتوح، عاود في ساعات المساء واليوم الارتفاع، مسجلاً أرقاماً قياسية جديدة، مع إعلان جمعية المصارف استمرارها بالإقفال الجزئي، وتريّثها في قرار الإغلاق الشامل، الذي سيشمل في حال السير به كافة العمليات المصرفية، بما فيها خدمات الزبائن والصراف الآلي.
وانعكس ارتفاع سعر صرف الدولار على أسعار المحروقات التي سجلت صباح اليوم زيادة كبيرة لتقترب أسعار البنزين والمازوت من عتبة المليون ونصف ليرة لبنانية، ما يفاقم معاناة المواطنين ويضرب قدرتهم الشرائية في ظل حصار الغلاء الفاحش.
وارتفع سعر صفيحة البنزين 95 أوكتان 38 ألف ليرة، و98 أوكتان 39 ألف ليرة، والمازوت 38 ألف ليرة، والغاز 33 ألف ليرة، لتصبح الأسعار على الشكل الآتي: بنزين 95 أوكتان 1359000 ليرة، 98 أوكتان 1391000 ليرة، مازوت أو ديزل أويل 1333000 ليرة، وقارورة الغاز 880000 ليرة.
وعلى الرغم من إصدار وزارة الطاقة والمياه اللبنانية جدولي أسعار صباحاً وبعد الظهر، بحيث باتت الزيادة تصل إلى 100 ألف تقريباً يومياً في ظل مسار الدولار التصاعدي، عادت المحطات لتلوّح بالإقفال اعتراضاً على التسعيرة، مطالبة بتحديد الأسعار بالدولار، على أن يكون الدفع نقداً بالعملة الصعبة أو بالليرة اللبنانية تبعاً لسعر صرف الدولار، الذي مع العلم يعتمد من قبل التجار بأرقام أعلى من تلك المتعامل بها أو المحددة على التطبيقات الإلكترونية، ما يزيد من خسائر المواطنين نظراً للفارق الملحوظ بين سعر الصرافين وسعر التجار.
وقالت نقابة أصحاب المحطات في لبنان في رسالة مفتوحة إلى وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض إن الجميع يعلم ما وصلت إليه الأمور في سوق المحروقات في لبنان، في ظل الصعود المستمرّ لسعر صرف الدولار في السوق السوداء.
وأشارت إلى أنه "بعد استنفاد كل الحلول التي قامت بها الوزارة على مدى السنوات الماضية بتوجيهات من معاليك من محاولات لتحسين وضع المحطات، آخرها وليس آخراً الوصول إلى جدولين في اليوم وحتى صدور جدول أيام العطل، كل ذلك لم ينفع لاستقرار سوق المحروقات بسبب الصعود المستمر للدولار".
وطلبت النقابة من الوزير فياض "أخذ المبادرة ومن باب الضرورات تبيح المحظورات لإصدار جدول تركيب أسعار بالدولار الأميركي على فترة محدودة لحين استقرار الوضع، لما فيه مصلحة المواطن وصاحب المحطة على حد سواء".
وتأتي مطالبة نقابة أصحاب المحطات في لبنان، في وقتٍ يشهد فيه لبنان دولرة شبه شاملة، بعدما أصبح الدولار اللاعب الأساسي في البلاد، واخترق أخيراً المواد الغذائية بقرار من وزارة الاقتصاد، علماً أنها ما تزال تتريّث في إدخاله حيز التنفيذ في ظل اعتراضات تطاوله، ولا سيما إذا لم تكن الرقابة جدية وشاملة للجم جشع التجار واستغلالهم الأزمة على ظهر المواطن ومعاناته.
وفي سياق إضراب البنوك، أثار ادعاء النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون على بنك عودة ورئيس مجلس إدارته سمير حنا ورئيس مجموعة بنك عودة تامر غزالة وكل من يظهره التحقيق بجرم تبييض الأموال امتعاض جمعية المصارف، التي لا تزال متمسكة بقرارها الإقفال جزئياً مع الإبقاء على خدمات الزبائن والصراف الآلي، اعتراضاً منها على القرارات القضائية الصادرة بحق البنوك.
وتضغط المصارف اليوم باتجاه إقرار مجلس النواب قانون "الكابيتال الكونترول" الذي يؤمن لها بالدرجة الأولى الحماية القضائية، بيد أن رئيس البرلمان نبيه بري لم يتمكن بعد من الدعوة إلى عقد جلسة تشريعية في ظل اعتراض قوى سياسية ومجموعة من النواب على هذه الخطوة، باعتبار أنه عند خلو سدة رئاسة الجمهورية يضحى المجلس النيابي هيئة انتخابية فقط، ومهمته حصراً انتخاب رئيس، كما اعتراضهم على صيغة مشروع قانون الكابيتال كونترول الذي يصفونه بالمسخ، ويعتبرون أنه يصبّ في صالح المصارف على حساب المودعين.
ويرى النائب عن "قوى التغيير" ميشال دويهي في بيان أن "تهويل المصارف بالإضراب المفتوح والإقفال التام يعتبر جريمة مصرفية جديدة بحق الشعب اللبناني واقتصاده، وما كان لجمعية المصارف أن تصل إلى هذا الحدّ من العدائية لولا معرفتها جيداً بتواطؤ سياسيين وقضاة وإعلاميين معها، في ما يشبه العصابة المنظمة غير المهتمة بالمؤسسات ودولة القانون".
ويشير دويهي إلى أن على المجلس النيابي وضع يده على كامل ملف الأزمة بعدما عجزت الحكومة أو تقاعست أو تواطأت أو تركت المعضلة بكل تعقيداتها لمصرف لبنان يتخبط فيها بأخطاء رهيبة وخطايا مريبة طيلة أكثر من 3 سنوات، معتبراً ألا خروج من الأزمة المستفحلة إلا بتوزيع عادل للخسائر وتحميل المسؤولية لمن تسبّب بها.