الكويت: جنون الأجور يعيد فتح الباب لاستقدام العمالة الوافدة

08 مايو 2023
يعمل في القطاع الخاص نحو 1.6 مليون وافد (ياسر الزيات/ فرانس برس)
+ الخط -

رغم إعلانها الاتجاه نحو "توطين" الوظائف خلال العامين الماضيين، لمعالجة "خلل التركيبة السكانية" في الكويت، أكدت حكومة البلد الخليجي مجدداً فتح أطر تعاون جديدة لاستقدام العمال الوافدين من دول جديدة، "لسد حاجة السوق من الأيدي العاملة".
وطرح الإعلان، الصادر في 3 مايو/ أيار الجاري، تساؤلات بشأن مدى انسجامه مع مستهدفات الحكومة السابقة، خاصة أن العمالة الوافدة تمثل أكثر من 70% من سكان البلاد، حسب إحصائية صادرة عن الهيئة العامة للمعلومات المدنية، وهو ما تعتبره الدولة خللاً لا بد من معالجته عبر تدخلات، بينها تسريع "تكويت" الوظائف، أي استبدال العمالة الوطنية بالأجنبية.
ووفق تقارير رسمية، بلغ عدد سكان الكويت 4.464 ملايين نسمة بحلول يونيو/ حزيران الماضي، بينهم 1.5 مليون نسمة من الكويتيين مقابل 2.962 مليون من الوافدين.
ويتصدر الهنود العمالة الوافدة من ناحية العدد، يليهم العاملون من الجنسية المصرية، ثم المواطنون الكويتيون في المرتبة الثالثة. فيما يحتل العمال من بنجلاديش المرتبة الرابعة ويليهم الباكستانيون ثم الفلبينيون سادساً، ويأتي سابعاً العمالة من سورية.

وذكرت هيئة القوى العاملة في الكويت، في بيان حديث، أن "التوجهات الجديدة تتناغم مع اتجاه السياسة العامة نحو تعديل التركيبة السكانية، وضمان تنوع مصادر العمالة الوافدة في الكويت لسد النقص في سوق العمل" دون توضيح كيفية تحقيق تلك الموازنة.

جنون الأجور والتضخم
ووفق المحلل الاقتصادي الكويتي علي العنزي فإن حكومة بلاده عادت مرة أخرى إلى فتح باب الاستقدام "بسبب النقص الشديد في العمالة الوافدة خلال الفترة الماضية"، ما أدى إلى ارتفاع الأجور بشكل كبير جداً خلال فترة ما بعد جائحة كورونا، حسبما صرح لـ"العربي الجديد".
فتضاعف أجور الأيدي العاملة تسبب في تكاليف أعلى على المواطنين الكويتيين، خاصة أصحاب الأعمال منهم، الذين اضطروا إلى تحميل التكلفة على أسعار المنتجات، ما رفع من نسبة التضخم، بحسب العنزي، مشيراً إلى أن المردود الاقتصادي لفتح الباب مجدداً للعمالة الوافدة سيكون جيداً من زاوية التخفيف من التضخم.
ويقر العنزي بوجود جانب سلبي يتعلق بخلل التركيبة السكانية في الكويت، لكن "يجب الأخذ بعين الاعتبار مستويات الحاجة لإطلاق مشروعات جديدة في الكويت، وبالتالي الحاجة تتزايد إلى العمالة".
ولفت إلى أن الأيدي العاملة المحلية في الكويت تعمل في أنشطة محددة، ولذا فكثير من الأنشطة الاقتصادية لا تتوفر فيها الأيدي العاملة المحلية، ما أجبر الحكومة على فتح باب العمالة الوافدة مرة أخرى.

ضرورة للتنمية الاقتصادية
غير أن الخبير الاقتصادي الكويتي، محمد رمضان، يرى أن النظرة للعمالة الوافدة بالكويت باعتبارها خطراً "غير صحيحة" أصلاً، لأن وجود الوافدين "أمر تتطلبه التنمية الاقتصادية، وكلما زاد عددهم كانت الفرصة أكبر لتحقيق التنمية، حسبما صرح للعربي الجديد.
ويضيف رمضان بأن هذه النظرة تدفع إلى محاولة المعالجة عبر وقف استقدام العمالة الوافدة، و"هذه مشكلة كبيرة، فلا يمكن أصلاً تقليل عدد الوافدين"، واصفاً هكذا توجه بأنه تعبير عن "مطالبات شعبية خاطئة".
وحسب الخبير الاقتصادي الكويتي، فإن الحكومة تداركت الوضع وتتجه إلى الطريق الصحيح بفتح الباب مجدداً لعمالة الوافدين، مشيراً إلى أن المشكلة تكمن في استمرار الضغوط من بعض القطاعات الشعبية على الحكومة.
ويلفت رمضان إلى أن هذه الضغوط لا تراع حتى مصالح أصحابها، إذ إن جزءاً كبيراً من التركيبة السكانية في الكويت عبارة عن "عمالة منزلية" يستخدمها المواطنون أنفسهم، مشيراً إلى أن معدل العمالة المنزلية في الكويت هو عامل لكل كويتيين اثنين.

وإزاء ذلك، فالحكومة أمام مطالبات شعبية بتقليل نسبة الوافدين في التركيبة السكانية، بحسب رمضان، الذي يشير إلى أن من يمارسون الضغوط على الحكومة في هذا الإطار "غير مدركين لأهمية العمالة الوافدة في تنمية الاقتصاد".
وعن المردود الاقتصادي المتوقع لفتح باب استقدام العمالة الوافدة مجدداً، يتوقع رمضان تنشيطاً ملحوظاً للاقتصاد الكويتي، إذ إن "الوافدين يعملون بأجور أقل كثيراً من أجور المواطنين، ويساهمون في الإنتاج"، سواء كانوا يعملون في مطاعم أو متاجر أو شركات أو مصانع، ما يعني تنشيط الاقتصادي والمساهمة في تحقيق التنمية.

الأجر القليل
في المقابل، فإن الأجر القليل، بميزان قيمة الدينار الكويتي، هو كبير بالنسبة للعامل الوافد، قياساً إلى قيمة عملة بلده الأم، ما يعني أن "الكل رابح" من هذه العملية، حسبما يرى رمضان، مشيراً إلى أن هذا النموذج متكرر في دول الخليج العربية، خاصة الإمارات وقطر.
وحتى المملكة العربية السعودية تبنت مؤخراً التوجه ذاته، عبر زيادة نسبة العمالة الوافدة، حسب رمضان، لافتاً إلى أن القاعدة في دول الخليج كلها هي الاعتماد على العمالة الوافدة قليلة الأجور بما يساهم في التنشيط الاقتصادي وتحقيق تنمية اقتصادية.
يشار إلى أن الإحصاءات الرسمية لهيئة القوى العاملة بالكويت سجلت عمل نحو 8 آلاف وافد في القطاع الحكومي، 44% منهم في وزارة الصحة، و40% في وزارة التربية، و16% في بقية الجهات الحكومية.
بينما يعمل في القطاع الخاص نحو 1.6 مليون وافد، 30% منهم في قطاع التجارة والمطاعم، و20% في قطاع التشييد والبناء، و15% في قطاع النقل والتخزين، و10% في قطاع الفنادق والسياحة، أما الصحف، والخدمات الاجتماعية، والكهرباء والغاز والإنارة، وشركات الطيران والشحن، والمناجم والمحاجر، فحصل كل قطاع على 5%.