الكفالة المصرفية تُرعب السوريين: تصاعد أزمة التخلف عن السداد

03 مارس 2024
ارتفاع حجم التأخر عن السداد (Getty)
+ الخط -

هدد أحد الموظفين في إحدى المؤسسات التابعة لحكومة النظام السوري في السويداء زميلاً له في نفس دائرة العمل بالقتل العمد، بعدما قدم له الكفالة المصرفية، إذا لم يبادر الأخير إلى تسديد الأقساط المترتبة عليه لأحد البنوك الخاصة، والتي سبب تأخر تسديدها في قطع مرتبه الشهري لمدة ثلاثة أشهر متتالية، بعد عدد من الإنذارات التي تلقاها من البنك.

وكان الموظف الكفيل قد حاول مراراً الضغط على المقترض لتسديد الأقساط الشهرية، علماً أنه يُدرك أن سبب تأخره عن الدفع يعود لسوء وضعه المعيشي، إلا أن الحال المادي والنفسي أوصل الكفيل المتضرر إلى حمل السلاح والتهديد به علناً وأمام عدد من الناس. 

لم تكن هذه المرة الأولى التي يلجأ فيها كفيل مصرفي للتهديد بالقتل أو استخدام القوة مع مُقترض، كان في وقت سابق زميل عمل مُقربا ومحط الثقة أو قريبا، وبعد التخلف عن التسديد أصبح في حكم العدو، بسبب أزمة الكفالة المصرفية.

العديد من الموظفين في الدوائر الحكومية استغنوا عن إجابة السائل من زملائهم عن الكفالة المصرفية بأوراق وضعت تحت زجاج طاولات العمل المكتبية الخاصة بهم، وكتب عليها عبارات مثل "لا أكفل أحداً، الرجاء عدم السؤال"، أو "كفيلك عدوك"، أو "الحمار يقع في الجورة مرة واحدة، لن أكفل أحدا".

تعقيدات الكفالة المصرفية

تطلب جميع البنوك والمصارف السورية كفالة مصرفية للموظفين أو المتقاعدين مع بيانات برواتبهم من معتمدي التسليم في دوائرهم، بالإضافة للتوقيع على تعهد بنكي في حال تخلّف المقترض، والبعض من البنوك يسمح بكفالة تجارية من أكثر من تاجر، بعد إبراز سجله التجاري وبيانات تؤكد مستوى الدخل والأرباح، بالإضافة إلى عقد إيجار أو ملكية للمكان قبل التوقيع على التعهد. وهذا كله في إقراض المبالغ التي تُعتبر صغيرة ويُمكن لراتب المُقترض وحده تسديد أقساطها. 

أما في اقتراض المبالغ الكبيرة فتشترط المصارف والبنوك كفالة عقارية إلى جانب الكفلاء الموظفين، وإلى رهن الفعالية الاقتصادية أو العقارية موضوع الاقتراض البنكي. وهذا بمجمله أدى إلى أن يكون معظم موظفي القطاع العام السوري والكثير من أصحاب الفعاليات الاقتصادية والمنشآت العقارية إما مقترضا أو كفيلا، وغالباً يكون الاثنين معاً. 

موظفة في قصر العدل بمدينة السويداء تقول لـ"العربي الجديد"؛ إن السنوات القليلة الماضية كثرت الدعاوى المقدمة من المصارف والبنوك الخاصة والعامة على المقترضين، وتشمل هذه بمعظمها الكفلاء، بحجز احتياطي على أملاك الكفيل ومنع سفره خارج القطر. أما الراتب الشهري للكفيل الموظف فيمكن للمصارف حجزه من دون الرجوع للمحكمة. 

وكانت قد تعددت أنواع الاقتراض المصرفي، ما بين قروض شخصية وتجارية وصناعية وعقارية وغيرها، واجتمعت جميعاً على مبدأ الكفالات الشخصية إلى جانب العقارية، والعقوبات الجماعية في حالات التخلف عن التسديد، أيّاً تكن الأسباب، بما فيها وفاة المقترض أو الكفيل. 

أما الأوراق المطلوبة للحصول على القرض، يرى فيها الكثيرون أنها مكلفة ومذلة في آن، لما تحتاج من استخراج لأوراق ثبوتية وطوابع وأختام وتواقيع من الدوائر الحكومية، كدائرة السجل المدني والمخاتير والمالية والبلدية، وكذلك دوائر غرفة التجارة والصناعة والتموين والعقار وكاتب العدل، بحسب نوع القرض. ولهذا يلجأ جزء كبير من المقترضين لمعقبي المعاملات والمحامين من أجل الحصول على قرض. 

الأقساط تزيد الخوف

تقول الموظفة هيام العلي لـ"العربي الجديد"، "أصبح همّنا اليومي منذ سنوات كيف نجمع أقساط القرض، وكيف نسدده بداية كل شهر، وبات سؤالنا الشاغل واليومي يدور حول فرص وإمكانية الاقتراض والبحث عن الكفلاء. حتى بات جميعنا مقترضا وكفيلا في نفس الوقت ومن أكثر من مصرف خاص وعام للدولة. 
أما الخوف الذي ينتابنا بداية كل شهر يتجاوز فكرة التسديد إلى احتمال الإنذار والحجز على الراتب نتيجة التخلف عن التسديد. 

وبالمحصلة تضيف "العلي" هناك شعور ملازم لحياتنا إلى جانب العوز والحرمان يتمثل في الخوف من الآخر، سواء كان مقترضا أو كفيلا، والإذلال إلى منظومة المصارف والبنوك المتسلحة بالقانون والدولة. 

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وهذا ما أكده المرشد الاجتماعي مزيد أمين في حديثه لـ"العربي الجديد" بالقول؛ إن معظم السوريين العاملين في القطاعات العامة وحتى الخاصة يشعرون بمديونية دائمة للدولة، وهذه تتجاوز الاقتراض من مصارف الدولة أو الخاصة إلى علاقة غير صحية مع كافة مؤسسات الدولة، فالمواطن مدين للدولة حتى بحقوقه الشخصية التي سنها الدستور والقوانين، وهذه لا يحصل عليها إلا بالإذلال وتحت شعارات المكارم والهبات. 

يُذكر أن عددا كبيرا من العقارات، منازل ومحال تجارية، قد بيعت بالمزاد العلني نتيجة تخلف المقترض عن تسديد المستحقات، وفي بعضها أملاك خاصة للكفلاء.

المساهمون