لن تكون القمة الـ 37 لمجلس التعاون الخليجي التي تستضيفها البحرين اليوم وغداً، كسابقاتها من القمم الخليجية، فقمة هذا العام تأتي وسط تحديات اقتصادية كبيرة تفرض نفسها وبقوة على أجندة صانع القرار بدول مجلس التعاون الست.
تحديات شائكة ومعقدة، منها ما يتعلق بملفات أسواق النفط، وقانون "جاستا" الأميركي المثير للجدل، والعملة الخليجية الموحدة، واضطرابات أسواق المال العالمية، وأزمات الديون السيادية، والركود الذي يشل بعض الاقتصاديات الدولية الكبرى، ومنها ما يتعلق باضطرابات منطقة الشرق الأوسط وتأثيراتها الخطيرة على مناخ الاستثمار والاستقرار المالي، والضغوط التي تتعرض لها بعض العملات الخليجية بسبب تراجع الموارد الدولاية.
فأسعار النفط المتهاوية لها تأثيرات خطيرة على دول الخليج خصوصاً على مستوى العجز الكبير في الموازنات العامة، وتزداد الخطورة مع توجه الحكومات نحو تطبيق إجراءات تقشفية تطاول رجل الشارع العادي من زيادة في الأسعار وفرض ضرائب ورسوم وبيع شركات عامة وغيرها.
ولذا فإن القادة الخليجيين مطالبون باتخاذ خطوات سريعة نحو إعداد الاقتصاديات المحلية لمرحلة ما بعد نفاد النفط، مرحلة لابد أن تشهد تنشيطاً للقطاع الخاص، وإحياء قطاعات اقتصادية مدرة للموارد الدولارية كالصناعة والتصدير والخدمات، والتعامل كذلك مع عقبات خطة التنوع الاقتصادي، ومنها عدم مرونة الاقتصاد الخليجي، وضعف كفاءة العمالة، وهشاشة القطاع الخاص، والاستمرار في الاعتماد الكبير على النفط كمصدر شبه وحيد للطاقة.
ورغم انجاز اتفاق أوبك الأخير بمشاركة كبار المنتجين للنفط، إلا أن أسعار النفط التي تمثل الحصة الأكبر من إيرادات الدخل القومي الخليجي والموازنات العامة لا تزال متهاوية وتقل بنسبة تصل لنحو 60% عن أسعار منتصف عام 2014، كما أن هذا الاتفاق لن يعيد أسعار النفط إلى ما كانت عليه قبل أكثر من عامين.
وبالتالي فإن دول الخليج مطالبة باتخاذ خطوات جديدة لمعالجة العجز الضخم في الموازنات العامة دون تجميل المواطن العادي العبء الأكبر منها، ودون التوسع في الاقتراض الخارجي، أو تجميد الاستثمارات الجديدة خاصة الخدمية المرتبطة برجل الشارع، ودون أن يؤثر ترشيد الانفاق العام على مخصصات الصحة والتعليم.
ومن بين التحديات المطروحة على القمة الخليجية ما يتعلق بالمشاكل التي تواجه الاقتصاد العالمي والتي تؤثر سلباً وبقوة على الاقتصاد الخليجي خصوصاً فيما يتعلق بتراجع استهلاك النفط والاعتماد المتزايد على الطاقة البديلة.
فالاقتصاد الصيني، ثاني أكبر الاقتصادات الكبرى، يعاني من ركود منذ فترة، وهو ما يعني ضعف استهلاكه للنفط الذي يأتي نصفه من منطقة الخليج، علما بأن هذا الاقتصاد أكبر مستهلك للنفط وبواقع 6 ملايين برميل يوميا، وواحد من أربعة دول استهلاكا للغاز.
ومن التحديات التي تفرض نفسها على القمة الخليجية أيضاً ما يتعلق بقانون العدالة الأميركي ضد رعاة الإرهاب "جاستا"، الذي يسمح لعائلات ضحايا الهجمات الإرهابية بمقاضاة دول أمام المحاكم الأميركية.
فالقانون الذي أقره الكونغرس وبات نافذاً يهدد الاستثمارات الخليجية بأميركا والتي تقارب 1.5 تريليون دولار منها 750 مليار دولار مملوكة للسعودية وحدها، حيث يسمح بمصادرتها بغطاء قانوني، وبالتالي فإنه مطلوب موقف خليجي موحد وقوي ضد هذا القانون والتهديد بسحب الاستثمارات الخليجية من أميركا وبشكل جماعي في حال تطبيقه وعدم الاكتفاء بالتلويح بسحبها، مع البحث عن أدوات استثمار وأسواق مال مستقرة تستوعب الفوائض المالية الخليجية دون تعريضها لمخاطر.
أمام دول الخليج فرصة لتصبح سادس اقتصاد في العالم إذا عملت بالشكل الصحيح خلال الأعوام المقبلة كما سبق للملك السعودي سلمان بن عبد العزيز أن أعلن، فهل تسابق هذه الدول الزمن للتعامل مع التحديات الاقتصادية الجديدة التي يفرضها عالم اليوم، وهل يمكن أن تحوّل قمة البحرين، مشروع العملة الخليجية الموحدة المعطل من حلم إلى حقيقة؟