القطاع الخاص غير النفطي في مصر يعود للنمو لأول مرة منذ 4 سنوات وسط شكوك المستثمرين المحليين

03 سبتمبر 2024
تعافي السوق دفع الشركات إلى زيادة نشاطها، القاهرة 23 مارس 2018 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تحسن النشاط التجاري غير النفطي**: مؤشر مديري المشتريات أظهر تحسنًا في النشاط التجاري غير النفطي في مصر خلال أغسطس 2024، متجاوزًا 50 نقطة لأول مرة منذ 4 سنوات، مما يشير إلى تعافي الإنتاج والطلب رغم ارتفاع تكاليف التشغيل.

- **تحديات القطاع الصناعي**: يواجه القطاع الصناعي غير النفطي تحديات مثل ارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل، وزيادة الأجور، وتباطؤ الإجراءات الجمركية، والسياسات الحكومية المتضاربة، مما يعيق التعافي الكامل.

- **الإصلاحات المالية وتأثيرها**: الإصلاحات المالية للبنك المركزي، مثل خفض قيمة الجنيه ومرونة سعر الصرف، ساعدت الشركات في الحصول على العملة الأجنبية، لكن جاءت متأخرة وزادت الضغوط، مما يتطلب إصلاحات هيكلية لتحسين مناخ الاستثمار.

أظهر مؤشر مديري المشتريات التابع لمؤسسة ستاندرد آند بورز اليوم الثلاثاء، تخطي النشاط التجاري بالقطاع الصناعي غير النفطي مرحلة الركود، في شهر أغسطس/آب الماضي، للمرة الأولى منذ نحو 4 سنوات، وسط شكوك في نتيجة التوقعات، من كبار المصنعين وماليين ومسؤولين بمؤسسات رجال الأعمال، في صحة تلك البيانات، في ظل استمرار حالة الانكماش الشديدة وتراجع الطلب المحلي بشدة، المتأثرَين بتدهور سعر العملة، وزيادة التضخم وأسعار المحروقات والكهرباء والغاز والسلع الأساسية. 

رصد المؤشر زيادة بالنشاط التجاري، بالقطاع الاقتصادي غير النفطي، متجاوزاً 50 نقطة في أغسطس 2024، متأثراً بارتفاع مستويات الإنتاج بالشركات لأول مرة منذ 36 شهراً، ووجود مؤشرات تفيد بتعافي الطلب، على الرغم من تراجع الأعمال الجديدة قليلاً للشهر التالي على التوالي. وارتفع مؤشر ستاندرد أند بورز غلوبال لمديري المشتريات في مصر إلى 50.4 نقطة في أغسطس/آب من 49.7 نقطة في يوليو/تموز، متجاوزاً مستوى 50 نقطة الفاصل بين النمو والانكماش، ما أثر في 4 مكونات من بين 5 مكونات فرعية يرصدها المؤشر، عند دراسته لأنشطة القطاع الصناعي غير النفطي، تشمل الارتفاع المتجدد في الإنتاج ومخزون المشتريات. 

وسجّل القطاع الخاص غير النفطي في مصر انكماشاً منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020. ويستند المؤشر في بيانه إلى قدرة الشركات على زيادة المخزون، وتعيين موظفين إضافيين مع تحسن التفاؤل تجاه نشاط الأعمال المستقبلي، إلى أقوى مستوى منذ منتصف عام 2022، في ظل تحسن العوامل الاقتصادية الكلية وزيادة أعمال التصدير، مستدركاً بأن عمليات التوسع بالتصدير كانت هامشية، وأن الطلبات الجديدة، تظل العامل السلبي الوحيد، التي انخفضت بمعدلات طفيفة. 
بين المؤشر استمرار الضغوط التضخمية بشكل حاد في الشركات غير المنتجة للنفط، مشيراً إلى أن الشركات واجهت تكاليف أكبر بسبب تراجع سعر الجنيه مقابل الدولار، مع ارتفاع أسعار المشتريات بشكل ملحوظ، ما أدى إلى ارتفاع حاد بأسعار البيع، حيث سعت الشركات لحماية هوامش أرباحها المتآكلة نتيجة زيادة التكلفة. 

ويظهر المؤشر مواجهة الشركات تحديات متزايدة بتكاليف التشغيل والإنتاج، مدفوعة بتسارع معدل التضخم في أسعار مستلزمات الإنتاج، للشهر الثالث على التوالي، الذي يرجع بحد كبير إلى تدهور قيمة الجنيه من 31 إلى نحو 50 جنيهاً مقابل الدولار، وزيادة تكاليف النقل، بما ساهم في إطالة فترات التسليم مجدداً، بالإضافة إلى ارتفاع أجور الموظفين التي تلزم بها الشركات لتمكين العاملين من مواجهة ضغوط ارتفاع تكاليف المعيشة. 

ويبدي ديفيد أوين الخبير الاقتصادي ومحرر تقرير مؤشر ستاندرد آند بورز شكوكه في قدرة القطاع الصناعي على تجاوز عتبه الركود التي ظل بها 3 سنوات، بتعلقيه، قائلاً: "يبدو الوضع مختلطاً، حيث لا تزال العديد من الشركات تشير إلى ضعف الطلب من العملاء، ما يؤدي إلى انخفاض طفيف آخر في إجمالي الطلبات الجديدة، وتشكل ضغوط الأسعار المتزايدة خطراً آخر، حيث أشارت بيانات أغسطس إلى أسرع زيادة في التكاليف والرسوم في 5 أشهر، وهو ما قد يحد من الإنفاق ويضعف تعافي السوق". 

من جانبه، قال رئيس لجنة الصناعة ونائب رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين محمد هلال لـ"العربي الجديد" إن كل المؤشرات تدل على أن القطاع الصناعي غير النفطي ما زال في مرحلة الانكماش الشديد، وأن الخروج منها لن يكون عبر "كبسة زر"، مبيّناً أن الطريق إلى الخروج من النفق ما زال طويلاً، لأننا ما زلنا في نقطة البداية للصعود من منحى الانكماش". ويوضح هلال أن القطاع الخاص تعرّض لضغوط وانتكاسات كثيرة خلال السنوات الأخيرة، أدت إلى انخفاض مساهمته من 65٪ إلى نحو 25٪ من الناتج الإجمالي خلال 6 سنوات فقط.

وأشار إلى أنه رغم وجود رغبة من الحكومة في ارتفاع هذه النسبة، وإعلان إجراءات تمكنه من النهوض للقيام بدوره في زيادة الإنتاج والتشغيل والتصدير، لم تتحول تلك السياسات إلى أرض الواقع. ويكشف هلال عن استمرار عمل الوزارات في جزر منعزلة، في مواجهة الأزمة الاقتصادية وحلّ مشكلة القطاع الصناعي، مبيناً أن وزارة الصناعة اتخذت إجراءات جيدة، تعمل على حل مشاكل المستثمرين والمصانع، بهدف الإسراع في زيادة معدلات الإنتاج، بينما تواصل وزارة المالية حرباً شعواء على المستوردين والمصنعين، حيث تلاحق الشركات عبر أذرعها القوية (مصلحة الضرائب والجمارك) للضغط عليها مقابل تحصيل ضرائب ورسوم هائلة، وتهدد المعترضين على الضرائب الجزافية، بينما تنهي الجمارك الإجراءات ببطء شديد، بما ينسف أية جهود يقوم بها وزير الصناعة تستهدف عودة تشغيل المصانع بكل قدراتها الإنتاجية. 

ويذكر نائب رئيس جمعية رجال الأعمال أن تباطؤ الجمارك يفقد المصانع قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه العملاء، حيث يتأخر وصول مستلزمات الإنتاج، ويمنع دخول أخرى من المنافذ الجمركية، لفترة زمنية غير معلومة، بالإضافة إلى الرسوم التي تطبق جزافياً، وإجراءات يختفي بها نظام الشباك الواحد الذي تستهدف الدولة تعميمه بالمنافذ كافة. ويبدي هلال مخاوفه من أن تشهد الفترة المقبلة هبوط القطاع الصناعي غير النفطي إلى منحى أكثر عمقاً بالركود، خلال الفترة المقبلة، متأثراً بزيادة أسعار الكهرباء والمحروقات والغاز والنقل وارتفاع الفائدة بالبنوك، ونقص السيولة اللازمة لشراء مستلزمات التشغيل وزيادة التأمينات والضرائب والأجور التي تضطر المصانع إلى رفعها لتمكين العمال من مواجهة تكاليف المعيشة، وعدم هروبهم إلى أعمال أخرى، تهدر الاستثمارات التي تتحملها الشركات في تأهيلهم للعمل بكفاءة.

ويؤكد هلال أن التحديات الكبيرة التي تواجه القطاع الصناعي غير النفطي، في حاجة إلى فترة زمنية طويلة لمواجهة الانحدار الذي دفعها إلى مرحلة الركود العميق. بينما أخبر محللون ماليون "العربي الجديد" أن التحسن النسبي الذي رصده مؤشر ستاندر آند بوزر، يرجع إلى الإصلاحات المالية التي نفذها البنك المركزي منذ مارس/آذار الماضي، واعتمدت أساساً على خفض قيمة الجنيه مقابل العملات الصعبة، ومرونة سعر الصرف، وهي التي مكنت الشركات من سهولة الحصول على العملة الأجنبية والاستفادة من عوائد التصدير بالدولار.

وقالت محللة مالية للقطاعات الصناعية، إن الإصلاحات المالية جاءت متأخرة، فأدت إلى زيادة الضغوط على الشركات، ظهرت في ارتفاع تكاليف الإنتاج والتشغيل وشراء مستلزمات الإنتاج، ومواكبة لموجة جديدة من التضخم، بما يتطلب التريث بالحكم في مدى قدرة اجتياز القطاع الصناعي مرحلة الركود التي دخلها منذ سنوات. وأضافت أن تعويم الجنيه أفاد القطاعات الصناعية المتجهة إلى التصدير، وسينتقل أثره على المدى الطويل إلى باقي المصانع، عندما تختفي الآثار السيئة للتعويم، مبيناً أن الصناعات غير التصديرية سيظل نموها رهينة بإمكانية تحرك الطلب الداخلي المتراجع إلى اتجاه صعودي، خلال الأشهر المقبلة. 

وتشترط الخبيرة التي طلبت عدم الإفصاح عن اسمها، أن تجري الحكومة إصلاحات هيكلة واسعة بالاقتصاد، تساعد على تحسين مناخ الاستثمار بنحو شامل، بما يشجع المصنعين المحليين على استمرار تحملهم المخاطرة بالعمل تحت ضغوط عديدة، وتوفر الطمأنينة للمستثمر الأجنبي بما يساهم في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر في الأنشطة الصناعية والإنتاجية. 

(الدولار= 48.6 جنيهاً تقريباً)

المساهمون