أكدت النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون لـ"العربي الجديد"، اليوم الأربعاء، أنّ مذكرة منع السفر التي أصدرتها بحق حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، انقضت مدّتها، التي تقتصر على ستّة أشهر فقط، وستصدر غداً الخميس القرار برفع الحظر.
ويأتي رفع منع السفر عن سلامة بالتزامن مع قرب عقد جلسة استجوابه في العاصمة الفرنسية باريس، بتاريخ 16 مايو/ أيار المقبل، التي حدّدتها القاضية الفرنسية أود بوروسي، علماً أنه كان يحاول التذرع بالحظر عليه، لعدم الحضور.
وأوضحت القاضية عون في حديثها لـ"العربي الجديد"، أنه "يفترض بسلامة أن يمثل أمام القضاء الفرنسي ويتعاون معه خصوصاً أنهم عملوا كثيراً على الملف، وحركة تتبع الأموال، والقضاء الفرنسي جدي بتحقيقاته، ولا يمكن التعاطي معه كما يحصل لبنانياً".
وأصدرت القاضية عون، في يناير/ كانون الثاني 2022، مذكرة منع سفر بحراً وجواً وبراً بحق سلامة، وذلك بناءً على الشكوى المقدمة من الدائرة القانونية لمجموعة "الشعب يريد إصلاح النظام"، ممثلة بالمحاميين هيثم عزو وبيار الجميل.
ولم تقتصر إجراءات القاضية عون تبعاً لتحقيقات أجرتها بشبهات حول فساد مالي وارتكاب جرائم مالية، على سلامة، بل شملت رؤساء مجالس إدارة عدد من المصارف اللبنانية، في خطوات دفعت البنوك إلى التحرك اعتراضاً على القرارات القضائية الصادرة، بينها سلوك طريق الإضراب والاقفال، كما تدخل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، في محاولة كف يد عون عن ملف المصارف.
وقال مصدرٌ قانوني مطلع على التحقيقات بملف سلامة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "القاضية عون ستزيل حتماً أي عرقلة للتحقيقات، وحاكم مصرف لبنان الذي لم يعترف يوماً بالقرارات الصادرة عن القضاء اللبناني، وخصوصاً من جانب النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان، ويضعها في خانة المؤامرة والحرب السياسية عليه، ها هو اليوم يريد التلطي خلف منع السفر للتهرّب من الاستجواب الفرنسي".
وأشار المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه، إلى أنّ "هناك تخوّفاً جدياً من جانب سلامة، وفريقه القانوني من سفره إلى باريس وخضوعه للاستجواب وما يمكن أن يسفر عنه من تداعيات، على غرار ما حصل مع مروان خير الدين، مدير بنك الموارد، والسياسي اللبناني، الذي خسر في الانتخابات النيابية عام 2022، والتي ترشح فيها على لائحة حزب الله وحركة أمل"، لافتاً إلى أنّ "الاحتمالات مفتوحة للجلسة الفرنسية، التي قد تسفر عن توجيه الاتهام إلى سلامة بالجرائم المالية المشتبه بارتكابها".
ووجّه القضاء الفرنسي، أواخر مارس/ آذار الماضي، لائحة اتهامات لمدير بنك الموارد مروان خير الدين الذي كان ضمن المشمولين أيضاً بالتحقيقات الأوروبية في لبنان، وشملت اللائحة بحسب ما ذكرت وكالة فرانس برس، "تأليف عصابة إجرامية للمساعدة في اختلاس الأموال العامة من قبل موظف عمومي"، في إشارة على الأرجح إلى رياض سلامة، على حساب الدولة اللبنانية.
كما شملت لائحة الاتهامات "إساءة الأمانة، وتقديم الرشاوى للمسؤولين الفرنسيين الرسميين"، وقد جاءت الاتهامات على خلفية التحقيقات التي تجريها السلطة القضائية في فرنسا في مصادر ثروة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والشبهات التي تدور حول قيامه بعمليات اختلاس كبيرة من المصرف المركزي.
وتتجه الأنظار إلى باريس بتاريخ 16 مايو المقبل، حيث طلبت القاضية الفرنسية حضور سلامة أمامها، بعدما كانت استمعت إليه في بيروت ضمن التحقيقات الأوروبية، في مارس الماضي، والتي شكلت حدثاً غير مسبوق في لبنان، بمثول الحاكم ومن دون رفقة محاميه، أمام القضاء وحضوره شخصياً إلى قصر العدل، بعدما تمرّد على القرارات القضائية المحلية الصادرة بحقه.
ويقول منسّق اللجنة القانونية في "المرصد الشعبي" المحامي جاد طعمة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "سلامة حاول التلطي خلف منع سفره، لعدم المثول أمام القضاء الفرنسي الذي أصبح بمراحل متقدمة في التحقيقات، وفي أكثر من ملف متصل بالجرائم المالية، وهناك توجه واضح من قبل القاضية عون والأطراف المدعية في الملف إلى إباحة سفر سلامة، بعد تبليغه موعد الاستجواب الفرنسي".
ويشير طعمة إلى أنه "لا تساهل مع سلامة في حال تبليغه وعدم حضوره جلسة الاستجواب في باريس، خصوصاً أنّ لديه أموالاً وعقارات في فرنسا، عدا عن أنه يعدّ بمثابة مواطن فرنسي لحمله الجنسية الفرنسية".
وتابع: "بالتالي، فإنّ القضاء الفرنسي صارم، وجاهز لاتخاذ تدابير بحق حاكم البنك المركزي منها الحجز على أمواله وقطع مذكرة إنتربول بحقه، من هنا، يكون السؤال، هل سلامة قادر على تحمّل تبعات عدم ذهابه؟ لذلك التوقعات تميل أكثر إلى حضوره جلسة الاستجواب".
ويلفت طعمة إلى أنه "في حال مَثُل سلامة أمام القضاء الفرنسي، وصدرت بحقه قرارات منها إطلاق سراحه بموجب منع سفر من فرنسا أو مغادرته الأراضي الفرنسية، كما جرى مع خير الدين، فإنّ على الطرف اللبناني، سواء المجلس المركزي بمصرف لبنان أو الحكومة التحرّك".
وأضاف أنه "من البديهيات بأي دولة تحترم نفسها، ألا يستمرّ الشخص المشتبه بارتكابه جرائم تبييض أموال وفساد وغيرها، بعمله على رأس الحاكمية، وهنا لا نطالب بإقالته، بل عدم استمراره في عمله، حتى انتهاء التحقيقات وصدور الحكم بحقه، حتى أنه في دول العالم توضع الاستقالات بتصرف الحكومات بهكذا حالات".
وكان وكيل الدفاع عن سلامة المحامي بيار أوليفييه سور، قد أكد، لـ"فرانس برس"، أنّ موكله استدعي للمثول أمام القضاء الفرنسي، وأنه يدرس جدوى تلبية هذا الطلب.
ويطعن وكيل الدفاع بقانونية الإجراءات المتخذة في حق سلامة، معتبراً أنّ "المحققين الفرنسيين الذين استمعوا إليه في بيروت، خالفوا القانون لأنهم استجوبوه بصفة مجرّد شاهد فيما هم بصدد توجيه اتهام إليه".