الفيدرالي الأميركي يرفض الخضوع لضغوط وول ستريت

08 اغسطس 2024
اضطرابات تجتاح الأسهم في بورصة نيويورك، 5 أغسطس 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- البنك الفيدرالي الأميركي رفض خفض طارئ لأسعار الفائدة رغم تقلبات أسواق الأسهم، مؤكدًا تركيزه على الاستقرار الاقتصادي.
- جيروم باول أشاد بنهج بول فولكر في مكافحة التضخم، مشيرًا إلى أن الفيدرالي لن يخضع لضغوط السوق، على عكس بنك اليابان الذي تراجع عن رفع أسعار الفائدة.
- تصريحات باول أدت إلى انتعاش مؤقت في الأسواق، ومن المتوقع أن يتحدث في قمة جاكسون هول في 22 أغسطس.

في نفس الأسبوع الذي شهد واحداً من أقرب الأيام للاثنين الأسود الشهير، الذي شهده شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 1987، يعيد مستثمرو الأسهم تموضعهم في الأسواق وفقاً للواقع الجديد، بينما يبدو البنك الفيدرالي الأميركي واضحاً في رفضه الخضوع لابتزاز وول ستريت، المتلهفة لخفض طارئ لأسعار الفائدة، سيكون الأول منذ عام الجائحة.

وبالتزامن مع انهيار أسواق الأسهم حول العالم يوم الاثنين الماضي، كان المستثمرون يصرخون لدفع الفيدرالي الأميركي للتدخل، من خلال دعوة رفاقه في اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، المعنية بتحديد السياسة النقدية في الاقتصاد الأكبر في العالم، للقيام بخفض طارئ لسعر الفائدة الأساسي ووقف النزيف في وول ستريت. ولم يقم الفيدرالي الأميركي بهذا التصرف منذ الربع الأول من عام 2020، الذي شهد بدء انتشار وباء كوفيد في كافة أنحاء المعمورة.

وكان رد جيروم باول رئيس البنك الفيدرالي بمثابة خطوة كلاسيكية للأب، حيث تجاهل الطفل الصغير الصارخ وترك نوبة الغضب تأخذ مجراها. وأبرز المشهد برمّته الخلاف الأساسي بين بنك الاحتياط الفيدرالي، الذي يركز على الاستقرار الاقتصادي، وول ستريت، التي تركز على تحقيق الأرباح. وفي أكثر من مناسبة، أوضح مسؤولو الفيدرالي الأميركي عدم اهتمامهم "بارتفاع أسعار الأسهم وتحقيق المستثمرين للأرباح"، حيث إن ما يعنيهم هو "ضمان استمرار عمل الأسواق بكفاءة".

ويقول شي شاو، مسؤول الاستثمار بشركة بويز لاستشارات الاستثمار، إن المؤسستين "تحتاجان إلى بعضهما البعض. إنهما جزء من عائلة كبيرة تحافظ على تدفق التجارة في أكبر اقتصاد في العالم. ومثل معظم العائلات، نادراً ما يتفقان على ما يجب القيام به، وأحياناً يكرهان بعضهما البعض". ولا يخجل تجار الأسهم والمحللون من العويل عندما لا يتحرك بنك الاحتياط الفيدرالي وفقاً للجدول الزمني الذي يوافق أهواءهم. ومن جانبه، يظل الفيدرالي الأميركي بعيداً إلى حد كبير عن لعنات الشتائم، حيث يدرك الجميع أن ارتفاع أسعار الأسهم ليس من المهام التي يسعى البنك لتحقيقها. لكن رئيسه باول، على وجه الخصوص، لديه موهبة الرد الساخر.

والأسبوع الماضي، أخبر باول الصحافيين، عقب إعلان البنك عن تثبيت أسعار الفائدة، للاجتماع الثامن على التوالي، بأن "الخبراء يمكنهم الصراخ بقدر ما يريدون، ولن يهم ذلك الكبار الذين يصنعون السياسة في البنك الفيدرالي الأميركي". وقال: "نحن نتبع العديد من المعلقين الذين يباركوننا بتعليقاتهم، لكننا لا نغير أي شيء في نهجنا". 

وكانت الرسالة من باول وصناع السياسات الآخرين واضحة: لن نستسلم لضغوط وول ستريت. وليس من المستغرب أن تأتي هذه الرسالة من باول، وهو من أشد المعجبين ببول فولكر، الرئيس الأسبق لبنك الاحتياط الفيدرالي خلال واحدة من أكبر فترات التعرض للتضخم ثم الركود في الاقتصاد الأميركي في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي. وفي أكثر من مناسبة، أشاد باول بنهج رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي السابق الثابت في مكافحة التضخم، حتى عندما كان ذلك يعني إشعال فتيل ركودين.

ويتناقض موقف باول بشكل صارخ مع المشهد الذي تشهده اليابان، التي رفع بنكها المركزي أسعار الفائدة على الين الأسبوع الماضي للمرة الثانية فقط في 17 عامًا، وأثار مسؤول السياسة الأعلى قلق المستثمرين بالتلميح إلى المزيد من الإجراءات. ولكن بعد أسبوع، وتصحيح سوق الأسهم العملاق، فوّض بنك اليابان مسؤولًا آخر للتراجع عن هذه التعليقات في محاولة لتهدئة المستثمرين. وقال نائب محافظ بنك اليابان، شينيتشي أوشيدا، مستشهدًا بالتقلبات في الأسواق المالية، إن البنك لن يرفع سعر الفائدة طالما ظلت الأسواق غير مستقرة. وعوّضت الأسهم اليابانية تقريباً خسارتها التي كانت الأعلى في عدد النقاط التي خسرها المؤشر الياباني في تاريخه.

ويدرك الآباء من جميع الأطياف المخاطر المترتبة على مكافأة السلوك السيئ. وفي حالة بنك اليابان، توضح تعليقات أوشيدا مشكلة وجدت البنوك المركزية نفسها فيها على مدى العقدين الماضيين، وفقًا للخبير الاقتصادي محمد العريان. وفي مقال كتبه على موقع بلومبيرغ يوم الأربعاء، قال العريان إن البنوك المركزية حاولت مرارًا وتكرارًا "اتخاذ الخطوات الصعبة ولكن الضرورية للتعامل مع الاختلالات الاقتصادية والمالية، لكنها كانت في كثير من الأحيان تنهار تحت ضغط السوق". وأضاف: "التوقف عن رفع الفائدة الذي شعر بنك اليابان بأنه مجبر على تبنّيه من المرجح أن يتعارض في النهاية مع الرفاهية الاقتصادية للبلاد".

ويبدو باول، الذي كان يعمل سابقًا في مجال التمويل، وكأنه ينوي السير على نهج الرئيس الأسبق للبنك فولكر، خلال الأسابيع المقبلة، حيث انتعشت الأسواق بصورة واضحة يومي الثلاثاء والخميس، بالإضافة لفترة مؤقتة يوم الأربعاء، وهو ما أدى إلى تهدئة الدعوات إلى خفض أسعار الفائدة بصورة طارئة. ومن غير المتوقع أن يتحدث باول في الأمر حتى خطابه، الذي يتم مراقبته عن كثب دائمًا، في قمة جاكسون هول لرؤساء البنوك المركزية، والتي تبدأ في 22 أغسطس/آب، وهو ما يمنح وول ستريت متسعًا من الوقت للجلوس في ركن بعيد هادئ، والتعامل مع مشاعرها.

المساهمون