لم تفلح محاولات رئيس البنك الفيدرالي الأميركي جيروم باول، في طمأنة أسواق المال بشأن تأثيرات رفع أسعار بأعلى معدل منذ نحو 12 عاماً، يوم الأربعاء الماضي، إذ سرعان ما تحولت مؤشرات وول ستريت إلى الهبوط في آخر يومي تداول.
ولم يدم تأثير هذه التطمينات سوى ساعتين في ختام تعاملات الأربعاء، سجلت فيهما الأسهم أكبر ارتفاع يومي منذ عام 2020، قبل أن تتراجع بعدها في اليومين التاليين لتمحو كل ما تحقق من مكاسب، إذ أكمل مؤشر "داو جونز" الصناعي أسبوعه السادس على التوالي من الخسائر الأسبوعية، كما تواصلت خسائر مؤشري "ناسداك" و"إس آند بي 500" للأسبوع الخامس.
ورفع البنك الفيدرالي أسعار الفائدة 50 نقطة مئوية، مستبعداً رفعها بـ75 نقطة في يونيو/حزيران المقبل، في محاولة لكبح التضخم المثير للقلق في أكبر اقتصاد بالعالم، ما أثار تفاؤلا في الأسواق في ذات اليوم، بينما استيقظ المستثمرون في اليوم التالي على حقيقة صعوبة ترويض أعلى تضخم في أكثر من 40 عاماً دون التسبب في ركود الأسواق، فتسابقوا على تقليص محافظهم، لتتراجع المؤشرات بشدة.
ولم تتوقف التأثيرات السلبية لسياسات البنك الفيدرالي، على أسواق الأسهم والسندات، وإنما امتدت ليرتفع ما يعرف بـ "معامل المخاطر" الذي أصبح المستثمرون يطلبون الحصول عليه عند اتخاذ القرار الاستثماري، مع خوفهم من حدوث انهيارات على نطاق أوسع خلال الفترة القادمة.
ووصل "معامل مخاطر التضخم"، الذي يرتفع عند تراجع القدرة على توقع الأسعار المستقبلية، إلى أعلى مستوياته منذ عام 1994.
وفي عددها الأخير، أشارت مجلة إيكونوميست إلى وجود علامات في الأسواق حالياً تؤكد ارتفاع معامل المخاطر لدى المستثمرين، مثل تراجع السيولة في سوق سندات الخزانة الأميركية.
أيضاً ارتفع الفارق أو (الهامش) بين سندات الشركات الأميركية وسندات الخزانة، ليعكس توقعات تزايد صعوبة اقتراض تلك الشركات، أو خدمة ديونها، مع رفع البنك الفيدرالي لمعدلات الفائدة.
كما بدأت مؤخراً تكلفة اقتراض الحكومات الأوروبية ترتفع، كإيطاليا وإسبانيا، مقارنة بتكلفة اقتراض الحكومة الألمانية، في إشارة إلى الصعوبات التي تواجهها تلك الدول مع ارتفاع معدلات الفائدة الأميركية.
وقبل نهاية الأسبوع الماضي، رفع بنك إنكلترا (المركزي) معدل الفائدة على الجنيه الإسترليني إلى أعلى مستوى له منذ عام 2009، وأعلن كذلك البنك المركزي الأوروبي نيته رفع معدلات الفائدة علي اليورو (من صفر في المائة) إلى 0.75% قبل نهاية العام الحالي.
كما رفع بنك الاحتياط الأسترالي معدل الفائدة على الدولار الأسترالي ربع نقطة مئوية، رغم تأكيده قبل فترة ليست بعيدة نيته الإبقاء على المعدلات السائدة حتى عام 2024.
وتوقع المستثمرون ارتفاعات جديدة في معدل الفائدة الأميركية، وتسارع وتيرة إنهاء حقبة "الأموال الرخيصة" خلال الأسابيع القادمة، ما يتسبب في "بعض الآلام في الأسواق".
وانتقد الاقتصادي الأميركي محمد العريان تأخر البنك الفيدرالي الأميركي في التعامل مع الأزمة الحالية، مشيراً إلى تسبب ذلك في تآكل القوى الشرائية بسبب استمرار معدل التضخم المرتفع لفترات ممتدة.
وحذر العريان على حسابه على موقع "تويتر" من تعرض الاقتصاد لمخاطر الركود وعدم استقرار النظام المالي، مؤكداً أن كل ذلك كان بالإمكان تجنبه لو بدأ البنك الفيدرالي في التعامل مع التضخم في الصيف الماضي.
كما يمثل انتهاء عصر الأموال الرخيصة خبراً سيئاً لأغلب أنواع الاستثمار حول العالم.
وفي أميركا، خسرت المحفظة الاستثمارية التقليدية المكونة من 60% استثمارات في الأسهم و40% استثمارات في السندات، عُشر قيمتها منذ بداية العام الحالي، رغم أن نفس المحفظة حققت متوسط عائد سنوي إيجابي 11% خلال الفترة من عام 2008 وحتى عام 2021.
وقال بول دونوفان، كبير الاقتصاديين في بنك الاستثمار السويسري "يو بي إس"، في رسالة إلى عملائه اطلعت عليها "العربي الجديد" إن "البنوك المركزية تصارع حالياً تضخم الأسعار وانكماش النمو، وتتأرجح الأسواق بين وجهات النظر المتطرفة لهذه النتائج السياسية المتعارضة".