الغلاء يلاحق أسواق التمور في تونس والمغرب: الجفاف يقلّص الإنتاج

27 مارس 2023
ارتفاع معدل استهلاك التمور في شهر الصيام (فتحي بلعيد / فرانس برس)
+ الخط -

أدى شح الأمطار في كل من المغرب وتونس إلى تراجع الإنتاج من التمور، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار مختلف الأصناف، ما أرهق المواطنين الذين يعتبرون التمور مادة أساسية على موائد إفطارهم، ويأتي ذلك رغم المساعي الحكومية لتوفير مخزون يستهدف تلبية الطلب المتزايد خلال رمضان.

ينتظر أن يفضي الاستيراد إلى تعظيم العرض من التمور التي يرتفع الطلب عليها خلال رمضان في أسواق المغرب، بعدما شهد الموسم الأخير تراجع الإنتاج، بما له من تأثير على الأسعار.
وعانت الواحات في جنوب المملكة من جفاف شديد في الثلاثة أعوام الأخيرة، حيث انعكس ذلك على الإنتاج الذي انخفض في العام الماضي بنسبة 20 في المائة، بعدما كان في حدود 150 ألف طن في عام 2021. وأفضت ندرة المياه في العام الماضي في مناطق الواحات، بفعل الجفاف الحاد الذي شهده المغرب، إلى تراجع حجم التمور التي يرتهن لها معاش تلك المناطق، بل إن ذلك انعكس على جودتها.

وتظهر وضعية السوق أن تراجع الإنتاج المحلي انعكس على الأسعار المعتمدة، حيث انتقل سعر صنف الفقوس في سوق الجملة من 3.5 دولارات للكيلوغرام إلى 5 دولارات، ليباع في سوق التجزئة بين 55 و65 درهماً، بينما يتراوح سعر المجهول حسب النوعية بين 10 و15 دولاراً للكيلو غرام.

ويذهب محمد العناوي، نائب رئيس جمعية الجملة للفواكه الجافة بسوق درب ميلان بالدار البيضاء، الذي يشهد إقبالاً كبير للمشترين في الفترة الأخيرة، إلى أن العرض من المنتج المحلي شهد تراجعاً طفيفاً، خاصة من الأصناف الأخرى غير المجهول الذي أتيح منه عرض كاف في تلك السوق.

وكان الإنتاج قبل تبني المخطط الأخضر الذي يشير إلى السياسة الفلاحية للمغرب في حدود 90 ألف طن، غير أنه انتقل في المتوسط إلى 140 ألف طن منذ 2016، غير أن المملكة التي تعتبر المنتج الثاني عشر للتمور في العالم تستهدف بلوغ 300 ألف طن في أفق 2030.

وسجل العناوي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن العرض سيكون كافياً، خاصة في ظل توفر التمور المستوردة من مصر والسعودية وتونس والجزائر، مشيراً إلى أن بعض الأصناف من التمور المستوردة تتراوح أسعارها بين دولارين ونصف وثلاثة دولارات للكيلو غرام.

وسعى المغرب إلى تأمين مخزون من التمور لتلبية الطلب الذي يرتفع في شهر رمضان، حيث يساهم الاستيراد في ذلك، على اعتبار أن المشتريات من دول عربية تصل في المتوسط إلى 50 ألف طن في العام الواحد.

وتفيد بيانات مكتب الصرف الحكومي الصادرة في تقريره الشهري، بأن واردات التمور قفزت إلى حوالي 15 ألف طن في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، بعدما كانت في حدود 8 آلاف طن في الفترة نفسها من العام الماضي، لتنتقل قيمتها من 15 مليون دولار إلى حوالي 26 مليون دولار.

وسجلت فاتورة مشتريات التمور من الخارج على مدى العام الماضي 214 مليون دولار، بعدما كانت في حدود 181 مليون دولار، رغم انخفاض الكميات المستوردة من 113 ألف طن إلى 109 آلاف طن.

ويخشى منتجون محليون من إغراق السوق بواردات التمور، خاصة من تونس والجزائر، ما ينعكس سلباً على إيراداتهم بعد موسم اتسم بندرة المياه وارتفاع تكاليف الإنتاج، بل إن دعوات عبر وسائط التواصل الاجتماعي طالبت بتشديد المراقبة على الحدود، خوفاً من احتواء التمور على مواد حافظة كيماوية غير خاضعة للمراقبة الصحية.

وكان الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، قد أكد أن عمليات المراقبة التي جرت منذ بداية العام الحالي وإلى غاية منتصف فبراير/ شباط الماضي، في الأسواق أفضت إلى إتلاف حوالي 6.7 أطنان من التمور والفواكه الجافة.

وعمد المغرب في الأعوام الأخيرة إلى توفير وحدات للتبريد بهدف حفظ التمور التي كانت تنهار أسعارها في السابق، بسبب وفرة العرض في فترة محدودة من العام، حيث يفضي التبريد إلى إتاحة إيرادات مجزية نسبياً للمنتجين المحليين، رغم ترقب انخفاضها في العام الحالي بسبب تراجع الإنتاج.

وفي تونس، تتحوّل التمور خلال شهر رمضان إلى مادة أساسية على موائد الإفطار، حيث يرتفع معدل استهلاكها في شهر الصيام بنحو 111 بالمائة مقارنة بالأيام العادية، حسب تقارير غير رسمية، غير أن ارتفاع ثمنها يقف حائلاً دون استمتاع شرائح واسعة بمذاقها الحلو في بلد يصنّف على لائحة البلدان الأكثر تصديراً لأنواع التمر.

وفي عادات التونسيين يفتتح الإفطار بالتمور، كما تدخل أصنافها المختلفة ضمن سلة الفواكه وصناعة الحلويات التقليدية، غير أن دقلة النور تظل الأحب إليهم، لكن لمن استطاع إليها سبيلاً، حسب مواطنين لـ"العربي الجديد".

ورغم أن بيع التمور في الأسواق التونسية يبلغ ذروته في شهر رمضان، فإن زيادة الطلب لا تخفض الأسعار، حيث بلغ سعر الكيلو الواحد من دقلة النور هذه السنة 14 ديناراً.
تعد دقلة النور أجود أنواع التمور التونسية، غير أن أسعارها لم تعد في متناول شريحة واسعة من المواطنين، ممن يلبون حاجياتهم من الأصناف الأقل جودة، والتي تتراوح أسعارها ما بين 6 و7 دنانير.

وتنتج تونس نحو 200 نوع من التمور، من أهمها "دقلة نور" و"الفطيمي" و"لخوات" و"الكنتة" و"العليق" وتمتد غابات النخيل في جنوب تونس على أكثر من 40 ألف هكتار، وتضمن 5.4 ملايين نخلة، من بينها 3.5 ملايين نخلة منتجة للأصناف الجيدة.

في تونس، تتحوّل التمور خلال شهر رمضان إلى مادة أساسية على موائد الإفطار، حيث يرتفع معدل استهلاكها في شهر الصيام بنحو 111 بالمائة مقارنة بالأيام العادية


ويفسرّ منتج التمور التونسي نجاح الهادفي، غلاء أسعار التمور في السوق المحلية بأسباب ذاتية تتعلّق بالمستهلك، وأخرى موضوعية، من أهمها تغيّر المناخ ونقص الأمطار.

وقال الهادفي في تصريح لـ"العربي الجديد" إن المستهلك التونسي عموماً يقبل على الأصناف الجيدة من التمور التي تباع في "عراجينها" (فروعها)، وهي أغلى الأصناف، في المقابل لا تجد التمور المصنعة الأقل ثمناً أي رواج في السوق المحلية.

ويضيف المتحدث أن نقص الأمطار، وتواصل الجفاف لمواسم متتالية، أثر في إنتاج غابات النخيل، ما تسبب في تراجع المعروض بالسوق المحلية، لافتاً إلى أن التمور المصنعة تجد رواجاً كبيراً في الأسواق الخارجية، وهو ما يفسر ارتفاع الصادرات في السنوات الأخيرة.

ويعتبر الهادفي أن التمور المصنعة يمكن أن تكون بديلاً في السوق المحلية، مع تواصل تصاعد أسعار تمور العرجون، كما يصطلح عليها محلياً، غير أن تقبّلها يظل رهين توجهات المستهلكين، بحسب قوله.

ويضيف أن سعر كيلو غرام التمور المصنعة لا يتجاوز 5 دنانير، مشدداً على جودتها، وهو ما يفسر الإقبال عليها في الأسواق الأجنبية. كذلك تحدث المنتج عن تأثير شح الموارد المائية في مناطق الإنتاج، على المحاصيل والأسعار، مؤكداً أن التراجع الحاد في مستوى المياه، جراء الإفراط في الاستغلال غير الرشيد لسقي الواحات، وعدم تدخل السلطات لإيجاد الحلول الناجعة، قد يؤدي إلى إعاقة إنتاج التمور في تونس خلال السنوات المقبلة.