الغلاء يفتك بأسواق غزة الناجية من حرب الإبادة
- الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 17 عاماً وإغلاق المعابر تسبب في نقص حاد في السلع الأساسية وارتفاع أسعار الوقود والمياه المعدنية والخضروات.
- تدهور الوضع الاقتصادي بشكل كبير، مع انكماش الاقتصاد بأكثر من 80% في الربع الأخير من 2023، مما زاد من اعتماد السكان على المساعدات الدولية والإغاثية.
يعاني الفلسطينيون في قطاع غزة وتحديداً في المناطق الجنوبية من ارتفاع كبير في أسعار السلع الغذائية خلال شهر رمضان في ظل استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية للشهر السادس على التوالي، وهو ما فاقم حالة التجويع التي يعاني منها السكان.
ودخل العدوان على القطاع يومه الـ160 والأسواق، التي ما زالت متبقية ولم يطاولها القصف الإسرائيلي، تخلو من الكثير من الأصناف والسلع الغذائية في ظل تحكم إسرائيلي كبير بقطاع غزة المحاصر منذ 17 عاماً، والذي يواجه إجراءات غير مسبوقة على صعيد الحصار منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
تضاعف الأسعار 10 مرات
لم تتمكن الكثير من العائلات هذه الأيام من توفير أبرز احتياجاتها الأساسية جراء النقص الكبير في السلع الغذائية وعدم إدخال كميات كافية من الغذاء للقطاع عبر بوابة صلاح الدين التي تربط رفح بالأراضي المصرية عدا عن إغلاق الاحتلال حركة التجارة من خلال معبر كرم أبو سالم.
وفي السابق، كان القطاع يستورد احتياجاته من السلع والمواد الغذائية عبر معبري رفح - بوابة صلاح الدين، وكرم أبو سالم التجاري، وارتفعت خلال الأعوام الأخيرة حركة التجارة مع الجانب المصري بشكلٍ كبير.
ومنذ شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2023 ارتفعت أسعار السلع والمواد الغذائية بشكلٍ متصاعد، حيث وصلت أسعار بعض السلع مثل الدقيق والسكر حالياً لنحو 10 أضعاف ما كانت عليه في السابق، وهو أمر يفاقم معاناة السكان في ظل عدم وجود فرص عمل وتعطل مئات آلاف العمال واعتماد شريحة واسعة من المواطنين على المساعدات.
علاوة على ذلك، فإن القطاع، وتحديداً مدينة غزة وشمالها، يواجهان أزمة غذائية أودت بحياة 25 فلسطينياً حتى الآن جراء التجويع، في حين أن هناك عشرات الفلسطينيين مهددون بالموت جوعاً جراء القيود المفروضة على إدخال المواد الغذائية وغياب عدالة التوزيع.
وبحسب بيانات جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني، فإنه وخلال شهر أكتوبر الماضي ارتفعت أسعار السلع الاستهلاكية بشكلٍ حاد بما نسبته 12% مقارنة بشهر سبتمبر/ أيلول 2023، قبل أن تقفز النسبة بشكلٍ أكبر خلال الشهور اللاحقة.
وكان لفرض الحصار الكامل وإغلاق المعابر وقطع إمدادات المياه والوقود والغاز الأثر الأكبر على ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، بخاصة الغذائية منها، فضلاً عن زيادة أسعار الوقود بسبب شح الكميات وعدم السماح بدخوله بكميات كبيرة كما في السابق.
مقارنة رقمية
شهدت أسعار المياه المعدنية ارتفاعًا نسبته 74%، إذ زاد سعر عبوة المياه المعدنية 1.5 لتر من شيكلين إلى 4 شواكل خلال الحرب مع شح توفرها في الأسواق واللجوء إلى استخدام المياه غير الصالحة للشرب، كما ارتفعت أسعار الخضروات المجففة بنسبة 47%، إذ يباع البصل الجاف ﺑ5 شواكل للكيلوغرام الواحد، وارتفعت أسعار الخضروات الطازجة بنسبة 32%.
وتباع البندورة ﺑ7 شواكل للكيلوغرام والخيار ﺑ4 شواكل للكيلوغرام، فيما ارتفعت أسعار البطاطا بنسبة 30%، إذ تباع ﺑ4 شواكل للكيلوغرام، فيما شحت غالبية أصناف الفواكه الطازجة من الأسواق بعدما ارتفعت أسعارها في البداية بنسبة 27%. (الدولار = 3.65 شواكل إسرائيلية).
أما أسعار الدقيق فاستقرت أخيراً على مبلغ مالي يراوح ما بين 45 و50 شيكلاً لكل 25 كيلوغراماً في مدينة رفح ووسط القطاع، في حين تصل الأسعار إلى 1000 و1500 شيكل في مناطق مدينة غزة وشمالي القطاع جراء النقص الشديد في الكميات المتوفرة.
بمحاذاة هذا الأمر، فإن القطاع يواجه أزمة نقص شديدة على صعيد السكر، حيث وصل سعر الكيلوغرام الواحد إلى 85 شيكلاً إسرائيلياً، في الوقت الذي وفرت فيه وزارة الاقتصاد التي تديرها حركة حماس منافذ تبيعه بمبلغ 9 شواكل، إلا أن الكميات شحيحة للغاية ولا تلبي احتياجات السوق.
أما زيت الطهي فسجل هذه الفترة استقراراً نوعاً ما بعدما وفرت الجهات الحكومية منافذ بيع خاصة تشرف عليها، فقد وصل سعر اللتر إلى 13 شيكلاً، في حين يتوفر في المنافذ الأخرى بـ20 شيكلاً، في الوقت الذي كان فيه ثمنه قبل الحرب 7 شواكل إسرائيلية.
ويأتي تصاعد موجة الغلاء التي يكتوي بها سكان غزة في الوقت الذي يتعمد فيه الاحتلال مواصلة حرب التجويع ضد الفلسطينيين في القطاع. وأفادت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، الأحد الماضي، بأن "الجوع في كل مكان بقطاع غزة". وشددت الوكالة الأممية، في منشور على حسابها عبر منصة إكس، على أن "الوضع في شمال غزة مأساوي، حيث تُمنع المساعدات البرية رغم النداءات المتكررة".
وحل شهر رمضان هذا العام، بينما تواصل إسرائيل حربها المدمرة على قطاع غزة منذ 160 يوماً.
صعوبة توفير ثمن الإفطار في غزة
في الأثناء، يقول الفلسطيني النازح أحمد المقيد إنّ الارتفاعات الكبيرة في أسعار السلع والمواد الغذائية حالياً لا تتوافق مع الوضع العام الذي يعيشه قرابة 2.3 مليون نسمة في القطاع جراء عدم وجود مصادر دخل لمئات الآلاف من الأسر.
ويضيف المقيد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الأسعار وصلت إلى مستوى لا يستطيع معه المواطن أن يوفر ثمن وجبة طعام واحدة في الوقت الذي تغيب فيه الجهات الحكومية عن المشهد ولا تستطيع أن تضبط أسعار السلع الأساسية.
ويشير إلى أن وجبة الطعام التي كان ثمنها في السابق يصل إلى 50 شيكلاً إسرائيلياً بات ثمنها لا يقل حالياً عن 150 شيكلاً، وهو أمر يفاقم معاناة الفلسطينيين بالذات مع استمرار الحرب للشهر السادس على التوالي وعدم وجود مصادر مالية.
ويؤكد أنه بات يلجأ لتوفير أبسط الاحتياجات وبكميات شحيحة نوعاً ما في ظل النقص الكبير في المواد الغذائية وارتفاع أسعارها، وعدم وجود فرص عمل من شأنها أن توفر مصادر دخل تساهم في تحسين الأوضاع المعيشية.
الاعتماد على المساعدات في غزة
قبل الحرب الإسرائيلية على غزة كان قرابة 80% من السكان يعتمدون على المساعدات التي تقدمها الجهات الدولية والإغاثية العاملة في القطاع، في الوقت الذي ارتفعت فيه هذه النسبة لتشمل غالبية السكان بعد الحرب على غزة.
وأدت الظروف الأخيرة إلى تدهور الحالة المعيشية للفلسطيني أنس سلمان الذي يعيش في مدينة غزة، إذ يعاني هو الآخر من أجل توفير أبسط الاحتياجات الأساسية التي تساعده هو وعائلته لتناول طعام السحور أو الإفطار جراء الارتفاع الكبير في الأسعار.
يقول سلمان لـ"العربي الجديد"، إن الأسعار وصلت إلى مستويات قياسية غير معهودة أو مسبوقة، وهو ما يفاقم المعاناة إلى جانب الحرب، إذ من غير المعقول أن تصل كلفة الوجبة الواحدة لأسرة متوسطة لقرابة 300 شيكل، ويشير إلى أن استمرار النقص الشديد في السلع والمواد الغذائية وعدم توفر الخضروات واللحوم سيزيد الجوع في ظل تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية جراء استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة.
وانكمش اقتصاد غزة بأكثر من 80% في الربع الأخير من العام 2023، حسبما أعلن البنك الدولي أخيراً، مشيراً إلى أن الحرب كانت لها عواقب "كارثية" على البنية التحتية في القطاع.
وأوضح البنك أنه فضلاً عن الخسائر البشرية الفادحة، فإنّ "جميع الأنشطة الاقتصادية تقريباً في غزة توقفت تماماً". كما أشار البنك الدولي الى التقديرات الأولية الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء الفلسطيني، الذي ذكر أن إجمالي الناتج المحلي في غزة "انخفض من نحو 670 مليون دولار في الربع الثالث إلى 90 مليوناً فقط في الربع الأخير من العام الماضي.