العنصرية مع العمالة الأفريقية تهدّد الاقتصاد التونسي

28 فبراير 2023
أفارقة يمشون في سوق أريانة بالضواحي الشمالية لتونس (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

يبدي المتعاملون الاقتصاديون في تونس قلقاً كبيراً من تداعيات موجات العنصرية للمهاجرين الأفارقة من دول جنوب الصحراء على مستقبل العلاقات الاقتصادية بين بلادهم والدول الجنوبية للقارة السمراء، بينما راهن مجتمع الأعمال طويلاً على هذه السوق لفتح متنفس جديد للاقتصاد المحلي المتأزم.
ومنذ انضمام تونس رسمياً إلى السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا في "كوميسا" في يوليو/تموز 2018 تضاعفت جهود مجالس الأعمال المشتركة، من أجل تثبيت حضور تونس في السوق التي تشهد مزاحمة كبيرة.

غير أن التطورات الأخيرة بشأن الموقف الرسمي من وجود المهاجرين من دول جنوب الصحراء في تونس، أربكت المسار وسط مخاوف من ارتدادات ذلك الموقف على مستقبل العلاقات التونسية الأفريقية.

والثلاثاء الماضي، قال الرئيس التونسي قيس سعيد، في اجتماع مجلس الأمن القومي إن ترتيباً إجرامياً جرى إعداده منذ مطلع هذا القرن لتغيير التركيبة الديمغرافية لتونس، من أجل توطين المهاجرين غير النظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء في تونس.
وأكد سعيد، وفق البيان الذي نشر على الصفحة الرسمية للرئاسة، أن "الموجات المتعاقبة من الهجرة غير النظامية الهدف غير المعلن منها هو اعتبار تونس دولة أفريقية فقط، ولا انتماء لها للأمتين العربية والإسلامية".

وأكد "ضرورة وضع حد بسرعة لهذه الظاهرة، خاصة أن جحافل المهاجرين غير النظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء ما زالت مستمرة، مع ما تؤدي إليه من عنف وجرائم وممارسات غير مقبولة، فضلاً عن أنها مجرّمة قانوناً".
بالتوازي، شنّت قوات الأمن حملات لإيقاف المهاجرين المقيمين في تونس في وضعية غير نظامية، إلى جانب حملات موازية على المحلات والمؤسسات المشغلة لهؤلاء المهاجرين دون تصاريح عمل. غير أن حملات العنصرية طاولت أيضاً مهاجرين في وضعية إقامة قانونية وطلاب الجامعات.
وقال رئيس الغرفة الوطنية للجامعات الخاصة محمد دمق، إن الطلاب من أصول أفريقية يشكلون نحو 15 بالمائة من منتسبي الجامعات الخاصة، بمعدل إنفاق سنوي يصل إلى 8 آلاف يورو للطالب، وهم يمثلون أحسن سفراء لتونس في بلدانهم.
وأكد دمق وجود مخاوف حقيقية من أن يؤثر الخطاب العنصري على سوق مهم لقطاع الجامعات الخاصة، في ظل منافسة شرسة مع المغرب، على استقطاب هؤلاء الطلاب.
وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد": "كل عناصر جذب الاستثمارات والطلبة الأفارقة غائبة تقريباً، ومنها وجود البنوك التونسية في أفريقيا والخطوط الجوية المباشرة، ومع ذلك تستقطب الجامعات الخاصة سنوياً ما بين 8 و10 آلاف طالب من دول أفريقيا جنوب الصحراء". وحذّر دمق من ارتدادات تنامي العنصرية على مستقبل العلاقات التونسية الأفريقية.
وبهدف تدارك الوضع، استقبل وزير الخارجية التونسية نبيل عمّار، مجموعة السفراء الأفارقة. وأكد "التزام السلطات التونسيّة بحماية المقيمين الأجانب بمختلف جنسياتهم، والتصدي لظاهرة الهجرة غير النظامية، في إطار ما تنص عليه التشريعات التونسية والمعاهدات الدولية والأفريقية"، وفق بيان نشرته الوزارة على موقعها الرسمي على "فيسبوك".
والخميس الماضي، أعرب مجلس الأعمال التونسي الأفريقي، عن "انشغاله العميق" إزاء الحملة الأخيرة، التي يتعّرض لها الأفارقة من جنوب الصحراء في تونس. داعياً إلى الحفاظ على الروابط الإنسانية والاقتصادية والمالية مع الشركاء الأفارقة.
وحث المجلس، في بيان له "السلطات على بعث رسالة قويّة لطمأنة الطلبة، وإعطاء تعليمات واضحة لقوات الشرطة بشأن دورها في حماية أمن وسلامة الناس، بما في ذلك حقوق الأجانب".

وتواجه المبادلات التجارية بين تونس وأفريقيا مشاكل وعوائق عديدة، من أبرزها غياب الجهاز المالي، وشبكة مصارف تونسية في دول أفريقيا، إلى جانب ضعف التمثيل الدبلوماسي التونسي في هذه الدول، وغياب الخطوط الجوية المباشرة نحو أغلب الوجهات الأفريقية.
ويقول عضو اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية نافع النيفر، إن تأجيج الخطاب العنصري ضد المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء سيكون له ارتدادات متوسطة وبعيدة المدى على الحضور التونسي في هذه الأسواق.
وأكد النيفر في تصريح لـ"العربي الجديد" أهمية اشتغال الدول على صورتها الرسمية في اكتساح أسواق جديدة، معتبراً أن الخطاب العنصري يسيئ لصورة تونس كدولة تسعى إلى وضع موطئ قدم في دول القارة الجنوبية.
وانتظرت تونس مرور 24 سنة على تأسيس السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا حتّى تنضمّ سنة 2018 إلى هذا التكتّل الاقتصادي الذّي يمثّل ثاني أهمّ تجمّع تجاري قاري، بعد تجمع دول الساحل والصحراء.
وكان انضمامها لـ"الكوميسا" خلال اجتماع قمة رؤساء دول وحكومات البلدان الأعضاء، والذي احتضنته العاصمة الزامبية "لوزاكا"، بعد مسار طويل قادته الدبلوماسيّة التونسيّة لإيجاد موطئ قدم في هذه التجمّعات الاقتصاديّة التي يزيد عدد مستهلكيها عن 400 مليون نسمة.
وبالإضافة إلى أهمية السوق الأفريقية في فتح أفاق تصديرية جديدة للسلع التونسية، تستفيد القطاعات الاقتصادية المحلية من العمالة الأفريقية التي أكدت حضورها في السنوات الأخيرة في قطاعات البناء والزراعة والعمالة المنزلية.
وفي وقت تتزايد فيه أعداد طالبي الشغل في تونس، أكد تقرير المعهد العربي لرؤساء المؤسسات لعام 2019، وجود أكثر من 40 ألف وظيفة شاغرة في قطاعات عدة، كالبناء والصناعة والمهن الصغرى، وهي قطاعات يعزف عنها الشباب التونسي، بينما يقبل عليها العمال المهاجرون الأفارقة.
وسبق لمدير عام الهجرة واليد العاملة الأجنبية بوزارة التكوين المهني والتشغيل، أحمد المسعودي، أن أعلن أن تونس تمنح سنوياً بين 5 و6 آلاف ترخيص عمل للأجانب، مع تعزيز دورهم في تقديم إضافة اقتصادية لتونس، ومساهمتهم في ترويج المنتج التونسي، وجلب الاستثمارات الخارجية.