تتجه العملة اليمنية نحو انهيار تاريخي بعد فقدان السيطرة على القطاع المصرفي وكسر الدولار الأميركي حاجز الـ 900 ريال، وسط توقعات مزيد من التدهور خلال الأيام القادمة جراء غياب السلطات الشرعية عن الأرض.
وقال مصرفيون لـ"العربي الجديد"، إن تعاملات الإغلاق المسائية والتداول الصباحي، اليوم الثلاثاء، في جمعية الصرافين بعدن التي تتخذ منها الحكومة عاصمة مؤقة، سجّلت 910 ريالات أمام الدولار الواحد، فيما تفاوتت الأسعار بباقي المحافظات الخاضعة للحكومة الشرعية بين 900 و905 ريالات.
وجاء الانهيار رغم المعالجات التي حاولت جمعية الصرافين تنفيذها بإعلان الإغلاق الشامل، أواخر الأسبوع الماضي، قبل أن تتراجع وتعلن استئناف نشاط شركات الصرافة بشكل جزئي، مطلع الأسبوع الجاري، وذلك في ما يخص تسليم الحوالات النقدية فقط.
وخلال العشرة أيام الماضية فقط، انهارت العملة اليمنية بأكثر من 50 ريالا أمام الدولار، حيث كانت أسعار الصرف المسجلة يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، متوقفة عند 860 ريالا أمام الدولار، لتبدأ بعدها مسألة الانهيار غير المسبوق للمرة الأولى منذ بدء الحرب قبل أكثر من 5 سنوات.
وقال متعاملون في مدينتي تعز وعدن لـ"العربي الجديد"، إن شركات ووكالات الصرافة لم تلتزم حرفيا بالتعميم الصادر عن جمعية الصرافين بوقف شراء العملات، حيث أغلقت أبوابها، لكنها واصلت العمل بشكل سري، عبر سماسرة تابعين لها كانوا يقفون أمام أبوابها المغلقة.
ومن المتوقع أن يؤدي هذا التساهل إلى مزيد من التدهور للعملة وارتفاع أسعار السلع الغذائية، وسط مخاوف من أعمال شغب وتظاهرات شعبية كانت قد بدأت بالظهور بشكل متواضع خلال الأيام الماضية في بعض المدن اليمنية، للتنديد بالصمت الحكومي حيال ما يجري للاقتصاد.
وقال أحد ملاك شبكات الصرافة في مدينة تعز لـ"العربي الجديد" : " لا يوجد أي حل حتى الآن، المجال مفتوح لمزيد من التدهور، والسياسات الحكومية العقيمة وعدم إيجاد حل جذري تجعلنا نتشاءم بشكل أكبر.
واعتبر خبراء يمنيون، أن الانهيار الحاصل للعملة المحلية وخصوصا في المناطق الخاضعة للحكومة المعترف بها دوليا، متوقع، وذلك جراء غياب السلطات الشرعية وممارسة مهامها من خارج البلاد. وقال محمد علي قحطان، وهو أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز اليمنية، إن ما يحدث سببه النهب المستمر للعرض النقدي الأجنبي الذي يدخل البلاد، حيث تتم مطاردته وسحبه للخارج من قبل عدة أطراف، وفي مقدمتهم الحكومة الشرعية.
واضاف الباحث اليمني في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "السلطة الشرعية لا تمارس أي إجراءات لوقف الانهيار، وإذا استمر الوضع كما هو عليه دون انفراج سياسي ولم تشكل حكومة وفقا لاتفاق الرياض وتمارس مهامها من الداخل، فمن المتوقع أن يتجاوز سعر الصرف 1000 ريال أمام الدولار".
وأشار إلى أن الحكومة الشرعية هي من تستنزف العملات الأجنبية لتوفير رواتب ونفقات لأعضائها بالخارج، لافتا إلى أن جودها داخل البلاد، سيجعلها تسيطر بشكل فعال على كافة الأوعية الإيرادية للدولة، ومن المتوقع أيضا أن تتلقى مساعدات من دول الخليج ودول الاتحاد الأوروبي.
وبدأت الدعوات الشعبية ترتفع للتحذير من كارثة اقتصادية وشيكة، وعلى الرغم من خروج تظاهرات شعبية محدودة في محافظتي لحج وحضرموت، في الأيام الماضية، إلا أن مراقبين يستبعدون أن يدفع الانهيار الاقتصادي الشارع إلى موجة غضب واسعة، نظرا لحالة اليأس التي سيطرت عليه من السلطات الحاكمة، فضلا عن تكيّف المجتمع مع كافة الأزمات منذ بداية الحرب.
وبالتزامن مع حملات إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو الحكومة لتدخل عاجل، دعا مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، مساء الإثنين، المجتمع الدولي، لإيلاء الاقتصاد أهمية أكبر في سياساته تجاه اليمن.
وطالب المركز البحثي الخاص، في نشرة اقتصادية حديثة بـ"ممارسة الضغط السياسي المتزايد على الحوثيين والحكومة الشرعية لوقف التصعيد الحالي، وإنهاء معركة السيطرة على البنوك اليمنية وشركات الصرافة، لافتا إلى أن "الجانبين لم يظهرا استعدادًا في الماضي ولا يمكن توقع إبداء أي منهما استعداداً في المستقبل للتصرف بمسؤولية وبما يخدم المصلحة الفضلى للاقتصاد الكلي والسكان بشكل عام".
وأشار المركز، إلى أنه في حال تُركت الأطراف المتحاربة تتصرف كما يحلو لها، فإن الحرب الاقتصادية ستستمر في التصاعد، والاقتصاد سيستمر في الانقسام، وكلما طالت مدة ذلك كلما زادت صعوبة إصلاح الضرر.
وفيما أشار إلى أن الصراع العسكري قد أودى بحياة الكثير من الأشخاص وتسبب في دمار كبير للبلاد، لفت المركز إلى أن الحرب الاقتصادية "لها تأثير أوسع ويمكن القول إنها أكثر تدميرًا على السكان والبلد ككل".
ووفقا للمركز، فقد أصبح نقص النقد الأجنبي في اليمن خلال هذا العام أكثر حِدّة بشكل متسارع؛ نظرًا للانكماش الاقتصادي الإقليمي الذي أدى إلى انخفاض كبير في التحويلات المالية من اليمنيين في الخارج، وتقليص المانحين الدوليين تمويلهم لجهود الإغاثة، ونفاد الدعم السعودي الذي قُدم عام 2018 والبالغة قيمته ملياري دولار، فضلا عن معاناة الحكومة من انخفاض الإيرادات وتدفقات النقد الأجنبي من صادرات النفط الخام بسبب انخفاض أسعار النفط العالمية في مارس/آذار وإبريل/نيسان 2020.