يتوقع خبراء أن يدخل اليورانيوم الذي يلقب بـ "الكعكة الصفراء" نسبة إلى لونه، عصره الذهبي خلال الأعوام المقبلة وسط الطلب الكبير الجاري على بناء المفاعلات النووية في العالم لتلبية متطلبات خفض "التسخين الحراري" الذي يهدد كوكب الأرض وسياسات التخلص التدريجي من نسبة النفط والفحم الحجري في الوقود وكذلك بسبب تداعيات العقوبات الغربية على الطاقة الروسية التي تتجه لتشمل الوقود النووي الروسي إلى جانب حظر النفط والغاز الطبيعي.
ويجري منذ العام الماضي سباق عالمي شرس على مصادر الطاقة البديلة للنفط والفحم الحجري، بينما لا يوجد غاز طبيعي كاف لإحلال النفط والفحم الحجري حتى الآن. وتعد روسيا من الدول الرئيسية التي تمد العالم بالوقود النووي ولدى شركة "روساتوم" حصة رئيسية في تزويد العالم بالوقود النووي وبناء وإدارة المفاعلات النووية السلمية في العالم. و
ترى الدول الغربية أن هيمنة روسيا على الوقود النووي تهدد مستقبل توليدها للطاقة. وحسب محلل السلع الأولية بشركة "غلوبال أكس" روبرتس كاسيلي، فإن روسيا تنتج نحو 43 في المائة من إجمالي الوقود النووي في العالم، كما أن شركة "روساتوم" تدير العديد من المفاعلات النووية التي تولد الطاقة في دول أوروبا الشرقية ودول الشرق الأوسط وآسيا. ويقول كاسيلي إن روسيا تمد الولايات المتحدة بنحو 15 في المائة من إجمالي وقودها النووي كما تمد أوروبا بنحو 20 في المائة.
مسابقة الزمن
من جانبه يقول خبير الطاقة بنشرة "أس آند بي كوميدتي إنسايت" الأميركية، وليام فريبيرن، في تقرير بهذا الصدد، إن الولايات المتحدة ودول الكتلة الأوروبية "تسابق الزمن لخفض اعتمادها على الوقود النووي الروسي ولكنها لا تملك الطاقة الإنتاجية الكافية لمعالجة اليورانيوم حتى الآن". ويرى أن هذا العامل هو الذي جعل الدول الغربية تستبعد حتى الآن الوقود النووي من العقوبات الغربية على الطاقة الروسية.
ويرى محللون أن نقاشاً في الكتلة الأوروبية لإصدار قرار بحظر واردات الوقود النووي الروسي ولكن ذلك يجد معارضة كبيرة من دول أوروبا الشرقية التي تعتمد على شركة "روساتوم" في إدارة معظم مفاعلاتها النووية، وكذلك سيجد معارضة من فرنسا التي تستخدم بكثافة المفاعلات النووية لتوليد الكهرباء وتعتمد في ذلك على الوقود النووي الروسي.
ويرى خبراء أن الطلب العالمي الضخم على بناء المفاعلات النووية سيقود إلى ارتفاع قياسي في سعر اليورانيوم خلال السنوات المقبلة وكذلك في أسهم شركات اليورانيوم. في هذا الشأن، يقدر محللو شركة "بنك أوف أميركا"، ارتفاع أسعار اليورانيوم إلى نحو 58 دولارًا للرطل هذا العام و 66.25 دولارًا في عام 2024، مقارنة بمستويات الأسعار في العام 2021، البالغة في المتوسط 30 دولاراً للرطل. كما يوجد تسارع في أسواق المال لشراء أسهم شركات اليورانيوم التي باتت تحقق عوائد ضخمة مقارنة بشركات الطاقة الأخرى.
وترى شركة "كيبلن ميتالز" الكندية أن الطلب على اليورانيوم يعيش ازدهاراً غير مسبوق مع بناء المزيد من المفاعلات النووية في العالم. وتتوقع الشركة أن يرتفع سعر سهمها ثمانية أضعاف في العام المقبل، أي بنسبة 800 في المائة.
كما يتوقع خبراء استثمار، أن يتفوق أداء اليورانيوم على الذهب في العقد المقبل مع تحول الحكومات إلى مصادر طاقة أنظف والتسابق نحو إنشاء المزيد من المفاعلات النووية لتلبية خفض التسخين الحراري وخفض التلوث البيئي.
ويتوقع تحليل لشركة "بي أم أو غلوبال ميتالز" الأميركية، زيادة المفاعلات النووية في العالم بنسبة 13 في المائة خلال العام الجاري. وحسب الشركة فإن 57 محطة نووية يجري بناؤها حالياً في العالم. وترى لجنة التغير المناخي "IPCC" من جانبها، أن العالم بحاجة إلى استثمار مبالغ تراوح بين 100 مليار دولار إلى 150 مليار دولار سنوياً في التوليد النووي للطاقة، مقارنة بمعدل الاستثمار الحالي البالغ 50 مليار دولار. ويتوقع مصرفيون في مجموعة "سيتي المصرفية"، أن معظم الاستثمارات الجديدة في الطاقة النووية ستأتي من الصين وأوروبا، خاصة الصين التي تعاني بشدة من التلوث البيئي. وحسب لجنة التغير المناخي، فإن الصين تعكف حالياً على بناء 23 محطة للطاقة النووية وتخطط لبناء 150 محطة طاقة نووية خلال الـ 15 عاماً المقبلة.
زيادة الطلب
في ذات الصدد، تتوقع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن يؤدي إنشاء محطات طاقة نووية جديدة إلى زيادة الطلب العالمي على اليورانيوم إلى ما يقرب من 300 مليون رطل في السنة بحلول العام 2030. ويتوقع تقرير الوقود النووي الأخير الصادر عن الرابطة النووية العالمية ارتفاعًا سنويًا بنسبة 3.1 في المائة في الطلب على اليورانيوم حتى العام 2040.
وعلى الرغم من الأزمة التي مرت بها الأسواق العالمية والتراجع الكبير في معظم القطاعات المسجلة بالبورصات، فإن أسهم شركات اليورانيوم لم تفقد جاذبيتها وحققت عوائد كبيرة مقارنة بالعائد المتحقق في فئات الأصول الأخرى. وخلال العقد المقبل، تتوقع وكالة الطاقة الذرية أن يتجاوز العجز في الطلب العالمي على اليورانيوم مليار رطل. ونفذت شركات اليورانيوم في سوق الصفقات الآجلة بما في ذلك شركات اليورانيوم للطاقة، ومناجم دينيسون، وبوس إنيرجي، صفقات كبيرة على اليورانيوم المادي للوفاء بالتزاماتها المستقبلية. وأظهرت محفظة التعدين المتنوعة لشركة "كيبلن ميتلز التي تشمل مناجم اليورانيوم والنحاس والذهب في كندا نموًا ثابتًا في أسعار الأسهم على مدى السنوات الخمس الماضية.
على صعيد مستقبل أسعار اليورانيوم، قالت نشرة "إنفسترز كرونيكال" الأميركية، إن الحظر الذي يلوح في الأفق على إمدادات الوقود النووي من روسيا قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار اليورانيوم بدرجة كبيرة، كما تعزز التوقعات طويلة الأجل للطاقة النووية كبديل للفحم الحجري والنفط من الطلب هي الأخرى. ومن المقرر أن تتضمن حزمة العقوبات الجديدة التي من المقرر أن يفرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا حظراً على إمدادات اليورانيوم المخصب. وأصدر البرلمان الأوروبي في الآونة الأخيرة قرارًا يدعو إلى توسيع العقوبات الغربية لتشمل شركة الطاقة النووية الروسية المملوكة للدولة "روساتوم"، كما تجري في الولايات المتحدة دعوات مماثلة لحظر الوقود النووي الروسي.
تغطية واسعة
وتغطي الطاقة النووية 10 في المائة من احتياجات توليد الطاقة العالمية حالياً ومن المتوقع أن ينمو الطلب العالمي على اليورانيوم في السنوات المقبلة. ووفقًا للرابطة النووية العالمية (WNA)، هناك أكثر من 55 مفاعلًا نوويًا قيد الإنشاء في جميع أنحاء العالم، ومن المقرر أيضًا زيادة السعة في المحطات الحالية بشكل كبير. وحسب بيانات الرابطة بلغ إجمالي إنتاج اليورانيوم العالمي 56995 طنًا متريًا في عام 2021. وتملك روسيا تقريباً 8 في المائة من إجمالي الاحتياطي العالمي كما لديها نفوذ سياسي كبير على كازاخستان التي تعد ثاني أكبر دولة من حيث احتياطات اليورانيوم في العالم بعد أستراليا التي تسيطر على حصة 28 في المائة من الاحتياطات العالمية.
وتعد كازاخستان موطنا لما يقرب من نصف إمدادات اليورانيوم العالمية وتحتل المرتبة الأولى في إنتاج اليورانيوم العالمي. كما تعد شركة "كازاتوم بروم" المملوكة للدولة أكبر منتج لليورانيوم في العالم. وتأتي في المرتبة الثانية من حيث الاحتياطات. وحسب بيانات معاهد الطاقة النووية تعد كل من كازاخستان وناميبيا وكندا وأستراليا وأوزبكستان الدول الكبرى المسيطرة على اليورانيوم في العالم. ولكن هنالك احتياطات معتبرة في دول آسيا الوسطى الأخرى مثل أوزبكستان. ولا يستبعد محللون أن تصبح الدول المالكة لاحتياطات اليورانيوم خاصة في أفريقيا محور صراع بين الدول الغربية ومعسكر "بكين ـ موسكو" خلال السنوات المقبلة.