العرب والمقارنات المعيبة

04 نوفمبر 2024
من أسواق حلب القديمة، سورية، 4 فبراير 2024 (جيوفاني ميرغيتي/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الحكومات العربية استخدمت الأمن كنعمة لتبرير حكمها، متجاهلة قضايا الجوع والحقوق، ومع ثورات الربيع العربي، ردت بالقمع مما أفقدها هذه الوسيلة.
- بعض الحكومات، مثل المصرية والعراقية، قارنت مستوى المعيشة مع دول أخرى لتخويف شعوبها من الثورة، بينما في سوريا، هذه المقارنات تفتقر للمصداقية بسبب الفقر المدقع.
- تصريحات المسؤولين السوريين حول الأسعار تتجاهل الواقع الاقتصادي الصعب، وهي جزء من استراتيجية لتجنب معالجة القضايا الحقيقية مثل الأجور ومستوى المعيشة.

في الماضي، كانت حكومات العرب تمنن شعوبها بالأمن والأمان، وتسخّر، أبواق الإعلام ومشايخ السلطة، ليركزوا على نعمة الأمان وفضائل الأمن الذي توفره الحكومات الرشيدة والقيادات العنيدة للشعب، ولا يكاد يخلو خطاب مسؤول وقتذاك، من المقارنة مع دول تشهد حروباً أو تعاني من أزمات، و"قلع عين المواطن" لأن دولته وفرّت له الأمان لينام مطمئناً، بغض الطرف عن تفاصيل النوم وما قبله من جوع وكبت وقهر ومصادرة الحقوق.

بيد أنه، ومذ حاولت شعوب المنطقة، خلال ثورات الربيع العربي، استرداد بعض حقوقها، بالثروة والعدالة الاجتماعية وتداول السلطة، وردّت حكومات العرب بالحديد والنار ورأت، أو بعضها، كما في سورية الأسد، الخلاص وقتل الثورة وحلم الشعب، عبر ثلاثية التدويل والأسلمة والتسليح، منذ ذاك غابت نعمتا الأمن والأمان التي كان الحكام يقايضون الحقوق بهما ويبررون استعصاءهم بالحكم كرمى أمن الشعوب وأمانها.

ولأن حكومات العرب المقاومة لا ينقصها الإبداع، وجدت، رغم الفاقة والقهر والتهجير، ما تمنن به الشعب، فتعالت مقارنات الأسعار ومستوى المعيشة بين الدول، إلى أن غدت فزاعة تلوّح بها الحكومة المصرية، على سبيل المثال، بعد مقارنة معيشة المصريين بالسودانيين، وتهدد بها الحكومة العراقية عبر تصوير واقع المعيشة بليبيا أو اليمن. والمقارنات هاهنا، تأتي للتخويف من خروج الشعب وثورته، عبر هاتيك المقارنات وتسويق، لم تموتوا ولكن خذوا عبرة ممن مات... والحيّ أبقّى من الميت.

ولكن، أن يصل مسؤولو سورية الأسد للتخويف بمعيشة غيرهم أو المقارنة بدخل أو إنفاق أي بلد في العالم، فهذا هو أقصى حدود العيب الذي تعدى حدود الكوميديا والتضليل.

فأن يخوّف نظام الأسد الشعب بالأسوأ أو يقارن الأسعار مع دولة أخرى، ولو كان المقارن به في العصر الحجري، فذاك يتعدى العيب إلى خانة الفجور، فبلد نسبة الفقر فيه تعدت 90% ومتوسط الأجور 278 ألف ليرة، في حين متوسط إنفاق الأسرة 13.6 مليون ليرة شهرياً، من المفترض أن تقدم الحكومة ورئيسها الاعتذار وقبول المحاكمة، قبل أن تتنحى وتستقيل عن مهامها.

قصارى القول: رئيس غرفة زراعة دمشق قال اليوم، إن سعر بيض المائدة والفروج في سورية أرخص من دول الجوار، قبل أن يرمي بحمولة المبررات والأعذار من قبيل استيراد الأعلاف وزيادة تكاليف تربية القطعان، طبعاً، من دون أن يكمل زوايا المشهد ويقول لماذا تستورد سورية الأعلاف بعد أن كانت تنتج أربعة ملايين طن قمح، أو يشير لارتفاع التكاليف وبمقدمتها حوامل الطاقة، بعد أن حولها الحكم الرشيد لبلد مستورد للنفط، بعد أن زاد إنتاجها عن 380 ألف برميل وصادراتها اليومية 200 ألف برميل.

أما إن آمنا وصدقنا المسؤول المحنّك بأن سعر البيضة البالغة بسورية نحو ألفي ليرة وشرحات الدجاج التي تفوق سبعين ألفاً، هي أرخص من أسعار دول الجوار. أيتسع صدره الرحب ليقارن لنا بين دخل السوريين ودخل شعب الدول المقارن بها. أم إن شرف الوثبة، فقط أن ترضي العلا، ولا حاجة ليشير إلى أن أجور السوريين هي الأدنى على مستوى العالم، إذ وبعد زيادة العام الماضي لا يصل متوسط الأجور 20 دولاراً، وهو لقاء عمل يومي ربما، بدول الجوار أو الخليج التي يقارن أسعار البيض معها.

وكلام رئيس غرفة الزراعة في العاصمة السورية دمشق ليس نشازاً أو زلة لسان، بل هي معزوفة يكررها مسؤولو نظام الأسد كلما حاصرتهم أسئلة زيادة الأجور وتحسين مستوى المعيشة.

نهاية القول: ليست أقدار الشعوب العربية أن تزهق حيواتها بحثاً عن اللقمة وترى بتوّفرها، وإن مع بعض مهانة، مكرمة ومنحة من القيادات الحكيمة، كما ليس مكتوباً على الشعوب أن تظل فريسة المقارنة بين السيئ والأسوأ، خلال ثنائيات حديّة، من قبيل، حاجة وفاقة، كبت ومصادرة حرية أو سجن وتغييب، صمت وقبول أو سجن وتهدير... تطرف ودم أو استبداد وحكم ديكتاتوري. 

لأن المقارنة بالأفضل حق طبيعي والتطلع لحياة كريمة خالية من الاستعباد والقمع، أبسط الحقوق الإنسانية التي، يحق للشعوب الثورة مرة ومرتين، حتى يحققوها.