في عام 2004، وعلى هامش المؤتمر السنوي لاتحاد المصارف العربية بالعاصمة البريطانية لندن، سألت سنان الشبيبي محافظ البنك المركزي العراقي في ذلك الوقت: لماذا زاد الفساد في العراق عقب الاحتلال الأميركي في البلاد في العام 2003، ولماذا لا تحاربون الفساد المستشري في بلادكم والذي حول دولة نفطية كبرى لدولة مقترضة تلهث وراء المؤسسات المالية الدولية لاقتراض مليارات الدولارات لسداد رواتب موظفيها وسد عجز الموازنة العامة؟
ويبدو أن سؤالي كان صادما للرجل خاصة وأنني أتبعته بسؤال آخر هو: هل جاء بك الاحتلال الأميركي محافظا للبنك المركزي العراقي لتساعدهم في تنفيذ مخططاتهم الاستعمارية وتدمير ما تبقى من ثروات العراق واقتصاده وقطاعه المصرفي والمالي؟
ساعتها سارع الشبيبي ونفى وجود فساد في العراق، لكنه أجاب عن سؤالي الثاني، المتعلق بدوره المرسوم له في ظل الاحتلال الأميركي للبلد العربي، بعصبية لم أعرفها عن محافظ بنك مركزي من قبل، ورفض تسمية ما حدث في العراق عام 2003 بأنه احتلال أميركي، بل دولة صديقة جاءت لنشر قيم الحرية والديموقراطية والحفاظ على البلاد.
وبعد نحو 12 عاما من لقائي بالرجل في العاصمة لندن، كشف الشبيبي عن جزء من الفساد المستشري، ليس في طول العراق وعرضها فقط، بل وداخل أكثر المؤسسات حساسية وهي البنك المركزي الذي رأسه لسنوات، حيث قال في تصريحات تناقلتها وسائل إعلام محلية ومواقع تواصل اجتماعي، إن الأموال التي تسلمها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي من بيع نفط وثروات البلاد، كانت تكفي لبناء وطن جديد يتسع لـ 30 مليون نسمة، وأن المالكي ضيع كل هذه المليارات.
بل إن الشبيبي كشف عن أن مدير مراقبة المصارف بالبنك المركزي العراقي أخذ يبيع الدولار إلى المصارف الأهلية المرتبطة بالمالكي، بمبالغ أقل من السوق ما جعل العراق يوميا بسبب هذا الفساد وتهريب أموال ميزانية الحكومة إلى الخارج لصالح المالكي وأتباعه".
كلام الشبيبي يدينه أكثر مما يبرئه خاصة وأنه ذكر بنفسه في تصريحاته الأخيرة أن "الفساد أخذ يستشري داخل البنك المركزي بفعل زملاء المالكي في الحزب"، وأن "مدير دائرة غسيل الأموال بالبنك المركزي تخصص بغسل أموال العراق لصالح تجار الحزب الحاكم، وأن مدير الدائرة القانونية بالبنك يتستر عليه"، وأن "المالكي عيّن علي العلاق، محافظا للبنك المركزي لينهب كل احتياطي الدولة العراقية البالغ قيمتها 67 مليار دولار في آخر أيام هيمنته على الحكومة ليسلم السلطة إلى حيدر العبادي وبميزانية خاوية واحتياط منهوب".
الفساد في العراق قصة طويلة لا تنتهي، فنور المالكي بائع "السِبح" الشهير الذي كان يقيم بطهران سنوات طويلة تحول إلى أغنى رجل في العراق خلال فترة رئاسته مجلس الوزراء لمدة ثماني سنوات متواصلة.
ومنذ الاحتلال الأميركي للعراق في عام 2003 دخل البلاد 750 مليار دولار منها 640 مليار دولار من النفط، والباقي إيرادات أخرى عن طريق ما تبقى من برنامج النفط مقابل الغذاء، وما تم الحصول عليه من الأموال المجمّدة وغيرها، ورغم ضخامة هذه الأموال الا أن أحدا لم يعرف مصيرها، خاصة مع تدهور البنية التحتية للبلاد من كباري وصرف صحي ومحطات مياه وكهرباء ونقل وصحة وتعليم، والتوقف عن تنفيذ مشروعات جديدة، وزيادة معدل الفقر ليتجاوز 30% من عدد السكان، والزيادات المستمرة في الأسعار ومعدلات التضخم.
أحدث فصول الفساد في العراق ابرام حكومة حيدر العبادي صفقة لشراء الغاز الإيراني بسعر يفوق أربعة أضعاف السعر العالمي، حيث سيتم الشراء بـ 10 دولارات للمليون وحدة حرارية مقابل نحو 2.5 دولار قيمة السعر المتداول في الأسواق الدولية، وهي الصفقة التي سيخسر العراق بسببها 3 مليارات دولار سنوياً.