قبل سنوات، انتشر خبر في العراق على نطاق واسع، يقول إن حكومة نوري المالكي، التي حكمت البلاد سنوات طويلة عقب الاحتلال الأميركي، خصصت مليارات الدولارات من الموازنة العامة لشراء قطارات من الصين وتركيا وإنفاق ملايين أخرى كرواتب لحراس سكك الحديد.
ساعتها ظن الكثير أن هذه نكتة يتندر بها البعض على النظام الحاكم وحكومة نوري المالكي الموالية لإيران، لأنه ببساطة لا يوجد خطوط سكك حديد في العراق تسير عليها القطارات من الأصل.
لكن خبر تخصيص الأموال العامة الضخمة لشراء القطارات كان صحيحاً، وهو ما كشفته هيئة النزاهة الحكومية في العراق في وقت لاحق.
يتواصل نهب المال العام في العراق، وأحدث ما كُشف عنه هذا الأسبوع سرقة 2.5 مليار دولار من أموال الدولة
لكن ما لم يُتم الكشَف عنه حتى الآن، مصير الأموال التي سُرقَت من الخزانة العامة للدولة، وهل تمّ تهريبها إلى خارج البلاد، حيث حسابات كبار المسؤولين العراقيين في إيران ولبنان وسورية وبريطانيا وبنوك أوروبية، أم ماذا حدث بالضبط؟
حادث سرقة أموال القطارات لا يقلّ فكاهة عن حادث آخر، وهو إبرام الحكومة العراقية صفقة شراء "توربينات" من الولايات المتحدة تعمل بالغاز لتوليد الطاقة الكهربائية تبلغ قيمتها 3 مليارات دولار، في الوقت الذي لا يمتلك فيه العراق الغاز الذي يشغلها من الأصل.
وهو ما قاد الحكومة في وقت لاحق إلى توقيع اتفاق مع إيران لشراء الغاز بكلفة 3.7 مليارات دولار، أي إن صفقة كتلك كلفت الدولة 6.7 مليارات دولار، وهو مبلغ ضخم مقارنة بكلفة المحطة الحقيقية ومردودها الاقتصادي على المواطن وقطاع الطاقة، خاصة وأن إيران كانت تبيع الغاز للعراق بأربعة أضعافه في بعض السنوات.
يتواصل نهب المال العام في العراق، وأحدث ما كُشف عنه هذا الأسبوع سرقة 3.7 تريليونات دينار، أي ما يعادل 2.5 مليار دولار من أموال الدولة المودعة في بنك الرافدين الحكومي.
وقبلها الكشف عن واحدة من أكبر عمليات الاختلاس للأموال العامة داخل مصارف حكومية، منها الرشيد والمصرف الزراعي بقيمة ناهزت 700 مليون دولار.
لا يستطيع أحد بسهولة حصر المشروعات الوهمية في العراق التي خُصِّصَت الحكومة مليارات الدولارات من الموازنة العامة لتنفيذها، في الوقت الذي لم ترَ هذه المشروعات النور.
واللافت أن الأموال التي خُصِّصَت لتلك المشروعات خرجت بالفعل من موازنة الدولة، أي أُدرِجَت ضمن بند مصروفات الدولة، ولا أحد يعرف مصيرها بعد.
قدّر برلمانيون عراقيون قيمة المشاريع الوهمية التي أُعلنَت وسُحبَت مبالغها فعلياً من خزينة الدولة، بنحو 300 مليار دولار
وهذه الأموال ضخمة جداً، ففي عام 2020 قدّر برلمانيون عراقيون قيمة المشاريع الوهمية التي أُعلنَت وسُحبَت مبالغها فعلياً من خزينة الدولة، بنحو 300 مليار دولار.
وهذا المبلغ مرشح للزيادة في ظل استمرار نهب المال العام تحت سمع وبصر الحكومات المتعاقبة على حكم البلاد والأجهزة الرقابية في الدولة.
وعلى مدى سنوات كم سعد المواطن العراقي بإعلان الحكومة إقامة ما يقرب من ألفي مشروع قومي ما بين مستشفيات ومدارس ومراكز صحية وطرق وجسور ومراكز ترفيهية ومنتجعات سياحية، وضخ استثمارات ضخمة في القطاعين الزراعي والصناعي والإسكان. لكن هذه المشروعات ظلت حبراً على ورق رغم صرف أموالها من الموازنة العامة.
ليس في مقدور أحد حصر الأموال العامة التي سُرقَت في العراق منذ سقوط بغداد في يد الاحتلال الأميركي عام 2003، ولا أن يضع يده على شخصية عامة أو مجموعة جرت محاكمتها وادانتها وسجنها بتهمة النهب المنظم للمال العام.
ولا أن يعرف قيمة الرواتب التي صُرفَت لموظفين وهميين وغير موجودين من الأصل. ولا حجم الأموال المهربة للخارج من خلال حقائب يد وعبر المطارات والموانئ والحدود.
لا أحد يعرف قيمة الرواتب التي صُرفَت لموظفين وهميين. ولا حجم الأموال المهربة للخارج من خلال حقائب يد وعبر المطارات والحدود
فالكل يسرق وينهب المال العام، وهو متأكد أنه لن يُحاسَب بعد ذلك، وسيفلت من العقاب. فقد أفلت ناهبو المال العام من كبار المسؤولين ورؤساء الحكومة والوزراء السابقين على مدى 19 سنة.
ويبدو أن هذا النزف سيستمر، وهو ما أوصل دولة في حجم إنتاج وقدرات العراق النفطية إلى حافة المجاعة والفقر والبطالة والاستدانة من الخارج وعدم القدرة على سداد رواتب الموظفين في بعض الأوقات.