وجهت لجنة الاقتصاد في البرلمان العراقي، خلال الشهر الحالي، عدة دعوات إلى حكومة محمد شياع السوداني، تطالب بإعادة تفعيل قانون حماية المنتج المحلي، في ظل استمرار ارتفاع الأسعار للبضائع المستوردة نتيجة اضطراب قيمة الدينار أمام الدولار.
وقال رئيس اللجنة علي الموسوي إن الصناعة في العراق تتعرض للاندثار بشكل كبير جراء البضائع المستوردة من الخارج، على الرغم من وجود صناعيين عراقيين يمكن أن يسهموا في نهوض الواقع الصناعي الوطني.
وشدد الموسوي في حديث خصّ به "العربي الجديد" على أهمية فتح المجال أمام القطاع الخاص بالشكل اللازم من أجل تطوير الصناعة الوطنية والنهوض بها لحماية المنتج المحلي.
وأكد أن دعواتهم لتفعيل قانون حماية المنتج المحلي تأتي بعد دراسة وضع السوق وشكاوى الصناعيين من عدم قدرتهم على منافسة البضائع المستوردة التي أغرقت السوق.
وكشف عن "تنسيق وتعاون مشترك بين البرلمان ووزارة الصناعة واتحاد الصناعات، من أجل تفعيل قانون حماية المنتج المحلي ضمن الدورة البرلمانية الحالية، وإحياء عبارة (صنع في العراق) من جديد داخل السوق المحلية".
وأشار إلى أن لجنته تناقش دعم توفير قروض اللازمة للقطاع الصناعي ضمن الموازنة المقبلة، وتشريع العديد من القوانين التي تحافظ على دعم الصناعة الوطنية والنهوض بها.
قوانين سابقة
في عام 2010 صوّت مجلس النواب العراقي على قانون حماية المنتجات الوطنية رقم 11 لسنة 2010، بهدف حماية المنتجات العراقية وتوفير بيئة مناسبة لرفع قدرة الإنتاج المحلي وتهيئته للمنافسة في الأسواق المحلية والدولية، إلا أن هذا القانون لم يغير من الواقع شيئاً.
وقال الباحث في الاقتصاد الصناعي عمار نجم إن هذا القانون ومنذ تشريعه لم يعالج أياً من الممارسات الضارة التي خلفتها التجارة الدولية مع العراق، على الرغم من مرور أكثر من 12 عاماً على تشريع القانون.
وأضاف نجم، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الحكومات العراقية المتعاقبة منذ غزو العراق سنة 2003 عجزت عن حماية المنتج المحلي، وغاب دور الصناعة الوطنية بشكل كبير ليكون السوق المحلي رهينة للمنتجات الصناعية المستوردة، بما فيها الرديئة.
وأوضح أن الدولة لم تحقق أي نهضة اقتصادية، وخاصة في القطاعات الصناعية، وتسببت السياسة الحكومية باستمرار خسارة الشركات العامة وعدم تحقيق أي أرباح تساعدها على النمو والتطور، وما تزال العديد من المصانع عاجزة حتى عن تأمين رواتب موظفيها.
وأكد نجم أن نسبة الصناعة من الناتج الإجمالي العراقي كانت تبلغ 6 بالمائة لتصل إلى 13.9 بالمائة في عام 1988، ولغاية سنة 2003 كانت الصناعة تشكل 23 بالمائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي، لتنتكس خلال عام 2018 إلى نحو 0.9 بالمائة.
مصانع متوقفة
يبلغ عدد المصانع التابعة لشركات القطاع العام في العراق نحو 227 مصنعاً، تعمل منها 144 مصنعاً فقط. وكشفت وزارة الصناعة في وقت سابق عن وضع خطة لتأهيل وتشغيل المصانع المتوقفة.
ويرى الباحث الاقتصادي عمر الحلبوسي أن الصناعة العراقية لم تعد تذكر بسبب توقف أكثر من ثلثي المصانع والمعامل نتيجة الإهمال المتعمد من قبل الحكومات المتعاقبة التي جعلت من المصانع العراقية مقابر للآلات والمعدات التي تآكلت جراء الإيقاف وعدم الاستخدام والصيانة.
وأكد الحلبوسي لـ"العربي الجديد" أن دفع الحكومة رواتب عمال المصانع المتوقفة كلف العراق خسائر كبيرة مع توقف الإنتاج، فضلاً عن إدخال البلاد في نفق الاعتماد على صناعات الدول الأخرى الذي تسبب في إخراج العملة الصعبة خارج البلد.
وبيّن أن المشكلات التي تواجه الصناعة ليست فقط داخلية، لأن قرار تعطيل القطاع جاء وفق إملاءات وأجندات خارجية فُرضت على السلطات الحاكمة، ليبقى العراق سوقاً لتصريف بضائع بعض الدول لتحقيق مكاسب لها على حساب الاقتصاد العراقي المتأزم.
دعم متواضع
أكد مستشار اتحاد الصناعات العراقي كرار القيسي أن السنوات الماضية كانت مظلمة بالنسبة للقطاع الصناعي العراقي الذي يواجه صعوبات كبيرة تتعلق بضعف الدعم المقدم من قبل الدولة والبيروقراطية الإدارية المتعلقة في تسجيل شركات ومصانع القطاع الخاص.
وأوضح القيسي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الإنتاج الوطني غائب تماماً عن السوق، بسبب الفساد والبيروقراطية وسوء الإدارة فضلاً عن إجراءات وقرارات رفع سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي.
وحمّل القيسي الحكومة مسؤولية عدم وضع سياسات استراتيجية وقرارات عاجلة لمواجهة الأزمات الاقتصادية الراهنة، مشدداً على أهمية مشاركة القطاع الخاص في الصناعة الوطنية.
وأوضح الخبير الاقتصادي كاظم جواد أن النهوض بواقع الصناعة الوطنية يتطلب توفير عدد من المحددات في مقدمتها وضع شروط وقوانين اقتصادية للحد من إغراق الأسواق بالمنتجات الأجنبية وتحديداً ذات النوعية الرديئة.
وأشار جواد، لـ"العربي الجديد"، إلى أهمية جذب المستثمر المحلي والأجنبي، وتفعيل دور التكنولوجيا الحديثة للحد من عمليات التلاعب في بيانات السوق وأرشفة المدخلات السلعية عن طريق الجمارك والمنافذ الحدودية.