تواصل الحكومة العراقية سعيها لحلّ جزء من أزمة السكن عبر مبادرة أطلقتها أخيرا، وحملت عنوان "داري"، والتي تضمنت إطلاق منصة إلكترونية لتلقي طلبات الحصول على قطع أرض سكنية من قبل المواطنين.
وتقدم نحو 3 ملايين مواطن بطلب للحصول على قطع أراضٍ سكنية في جميع محافظات البلاد، خلال أقل من 4 أشهر على انطلاق الحملة، وجرت الخطوة الأولى بمنح 84 ألف سند ملكية لأرض لعراقيين حصلوا على أعلى النقاط، لا سيما وأن آلية الحصول على السندات تعتمد على التفاضل في الحاجة لقطعة الأرض.
وبحسب تعليقات من مسؤولين في الحكومة العراقية، فإن "ملايين العراقيين تقدموا بطلبات إلى المبادرة، التي تشمل قطع الأراضي وصرف قروض لمن سيحصلون على القطع تلك لبناء منازل عليها، إضافة إلى قيام وزارة الإعمار والإسكان باختيار شركات استثمارية تتولى تنفيذ مشاريع الخدمات في المواقع المختارة لتجهيزها للسكن والبناء، كما أن مواقع قطع الأراضي التي اختيرت ضمن المبادرة تشمل جميع المحافظات، عدا إقليم كردستان".
وأعلن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في 24 حزيران/ يونيو من العام الماضي، عن تخصيص 550 ألف قطعة أرض لعموم العراقيين.
وقال حينها: "سأتابع التقديمات شخصياً عبر الموقع المخصص لها"، مبيناً في تصريحٍ صحافي، أن "القطع مخصّصة لذوي الشهداء، وللعوائل الفقيرة، وللصحافيين، ولموظّفي الدولة، وستوزّع بكل أنحاء العراق".
وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أطلقت المبادرة، وأشارت الحكومة العراقية إلى أن "وزارة الإعمار والإسكان والبلديات، ومكتب رئيس الحكومة وجهات مساندة أخرى، مسؤولة عن المبادرة".
في السياق، قال المستشار الخاص لرئيس الوزراء العراقي لشؤون الإعمار والاستثمار، صباح عبد اللطيف مشتت، لـ"العربي الجديد"، إن "مبادرة (داري) قضت شوطاً مهماً من سلسلة أعمالها، وقد تمت مخاطبة الحاصلين على 186 ألف قطعة أرض سكنية حتى الآن، من أصل 550 ألف قطعة ضمن خطة المشروع المستهدف، وبقيت لدينا قرابة 380 ألف قطعة أرض، سيتم توزيعها في وقت لاحق لأنها لا تزال في طور الفرز".
وأوضح أن "المرحلة المقبلة سيجري فيها فرز الأراضي، ووضع خطة لتقديم الخدمات لها، لتكون أرضاً مخدومة بالمجاري، وشبكة من الكهرباء، والإنترنت، والطرق المعبدة".
وأكمل مشتت أن "لدى الحكومة أكثر من فكرة في سبيل تقديم الخدمات، من ضمنها استقطاب المستثمرين العراقيين، أو الأجانب، خصوصاً وأن هناك رغبة أجنبية للعمل داخل البلاد، وبتمويل من البنك المركزي أو المصرف العقاري، بعد أن يتم الاتفاق بين المستمر والحكومة على خطوات العمل، وقد يتم زج المبادرة ضمن الاتفاقية "العراقية الصينية" العاملة وفق مبدأ النفط مقابل البناء والإعمار، والتوجه الأخير ينبع من نجاح تجربة إعمار مدينة الصدر وتحويل بناء نحو 91 ألف وحدة سكنية إلى الاتفاقية".
ولفت إلى أن "مساحة قطعة الأرض الممنوحة للمواطن العراقي هي 200 متر مربع، أما مساحة البناء فيها فستكون 120 مترا، وفق التصاميم الثمانية الجاهزة لدى وزارة الإعمار والإسكان".
وأكد أن "السقف الزمني لانتهاء العمل بالمبادرة ينتهي بانتهاء توزيع قطع الأراضي الموزعة في 17 موقعا بالمدن العراقية، عدا إقليم كردستان، وجميعها تقع خارج التصميم الأساسي للمدن العراقية، ويعني ذلك احتمالية أن يتم استحداث وحدات إدارية جديدة، وهو واجب وزارة الإعمار والإسكان المسؤولة عن البلديات في البلاد".
من جهته، بيَّن المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، أن "العراق يحتاج 3 ملايين وحدة سكنية حالياً، ومع تقدّم الزيادة السكانية ستكون هناك حاجة متزايدة، خصوصاً أن التوقعات تشير إلى وصول عدد العراقيين إلى 50 مليون نسمة عام 2030، وفي عام 2050 سيصل العراق إلى 80 مليون نسمة، أي أن معدل النمو هو مليون نسمة في العام الواحد".
واعتبر أن "المبادرة هي بداية لخطوات لاحقة ستتبعها لحل أزمة السكن، وهناك عشرات الآلاف من السندات وزعت على المواطنين، ولدى الحكومة خطة لتوزيع أكثر من نصف مليون قطعة سكنية".
وأكد الهنداوي في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "العراق يشهد حركة جيدة لبناء المجمعات السكنية في بغداد والمحافظات، وترافق ذلك تسهيلاتٌ منحت من قبل البنوك والمصارف الأهلية والحكومية بمنح القروض لمعالجة جزء من أزمة السكن"، مستكملاً حديثه بأن "وزارة التخطيط تتابع مع وزارة الإعمار والإسكان، وهيئة المستشارين في مكتب رئيس الوزراء، التقدم في توفير قطع الأراضي للمواطنين. وهناك نسب إنجاز عالية".
من جهته، قال المهندس الاستشاري العامل ضمن مشروع "داري" في بغداد، حميد الدليمي، إن "مبادرة داري وغيرها من المبادرات التي تتبناها الحكومة، مهمة جداً لوضع حلول لأزمة السكن، خصوصاً لمحدودي الدخل، لكن لا بد من أن يرافقها تخطيط عالي المستوى.
وأوضح لـ"العربي الجديد"، أن "بناء المجمعات السكنية مستمر في بغداد وبقية المحافظات، وهي جيدة من حيث البناء والخدمات، لكنها تتركز فقط بيد أصحاب رؤوس الأموال، وهم الجهة الوحيدة المستفيدة من هذا التطور العمراني، لا سيما وأن أسعار الوحدات فيها غالية جداً وتتراوح ما بين 100 إلى 200 ألف دولار أميركي، وهي بعيدة عن متناول الأسر المحتاجة والفقيرة".
أما الخبير بالموارد المالية والاقتصادية باسم انطوان، فقد لفت إلى أن "العراق يعاني من أزمة تراكم سكاني كبيرة منذ ثلاثة عقود، وهناك حاجة ماسة إلى توزيع أراضٍ للعراقيين وبناء مدن إدارية جديدة، وفق تغييرات في الخطط، وأن العراق بحاجة إلى 200 ألف وحدة سكنية سنوياً، لا سيما بعد انتشار العشوائيات بسبب التقسيم غير المنتظم والرسمي لتوزيع الأراضي".
وأكد لـ"العربي الجديد"، أن "مشروع داري يحتاج إلى نمو في البنى التحتية.