العدوان يضاعف عمالة الأطفال في غزة: أياد صغيرة تحمل الرزق

12 اغسطس 2024
طفل يبيع مسليات في مدينة دير البلح وسط غزة، 11 يونيو 2024 (الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تزايد عمالة الأطفال في غزة**: تتزايد ظاهرة عمالة الأطفال في غزة بسبب العدوان الإسرائيلي والأزمات المعيشية، حيث يعمل الأطفال في مهن متنوعة لمساعدة أسرهم.

- **دوافع العمل المبكر للأطفال**: تدفع الظروف الاقتصادية الصعبة والأزمات المتفاقمة الأطفال للعمل مبكرًا، معتمدين على دخلهم لتلبية احتياجات الأسرة في ظل شح المساعدات وعدم انتظام الرواتب.

- **قصص الأطفال العاملين**: يروي الأطفال قصصهم المؤلمة مثل كرم أبو زيد وياسر غنيم وعطا حمادة، الذين يعملون في مهن شاقة لمساعدة أسرهم المتضررة من العدوان الإسرائيلي.

تتزايد ظاهرة عمالة الأطفال في غزة مع تواصل العدوان الإسرائيلي على القطاع، في محاولة منهم لإعانة أسرهم التي تعاني أزمات معيشية خانقة، بالتزامن مع الغلاء الفاحش في مختلف السلع والمتطلبات الأساسية، وغياب الدعم القادر على إسناد أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع المدمر والمحاصر.

وتشهد أسواق وشوارع محافظات قطاع غزة انتشار الأطفال في مهن مختلفة، أبرزها الباعة المتجولون، أو أصحاب البسطات الصغيرة، الخاصة ببيع المواد الغذائية، أو المنزلية، أو بيع المرطبات والمسليات والحلويات، أو مساعدين في الحرف اليدوية المتنوعة كمهنة الحذّاء أو الخباز أو الخياط، كذلك يعمل العديد من الأطفال في قطاع النقل والمواصلات، عبر المناداة على الركاب، أو جر العربات اليدوية داخل الأسواق، أو مراكز توزيع المساعدات الإنسانية.

ويندفع أطفال إلى العمل رغم حداثة سنهم، بسبب أعباء الحياة اليومية التي تواجهها أسرهم، والتي تزداد ثقلاً يوماً تلو الآخر جراء تضاعف التأثيرات الكارثية للعدوان الإسرائيلي، في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية، وغلاء الأسعار، إلى جانب شح المساعدات الإنسانية التي كان يعتمد عليها 80% من الفلسطينيين قبل بدء العدوان، فيما بات يعتمد عليها غالبيتهم، علاوة على عدم انتظام صرف الرواتب، أو صرفها بنسب متدنية، كذلك بفعل العمولة العالية التي تفرضها مكاتب الصرافة ومندوبوها على توفير السيولة، والتي تصل إلى أكثر من 20% من قيمة المبلغ المراد صرفه.

وتتعدد دوافع الأطفال للتوجه إلى العمل دون السن المعتاد، حيث يسعى بعضهم إلى توفير الدخل لأسرته النازحة بعد استشهاد رب الأسرة، أو لمساعدة أسرته التي فقدت منزلها أو مصادر دخلها بعد تدمير ما يزيد عن 70% من المباني والمنشآت والأسواق والمصالح التجارية، أو بفعل الشح الشديد في المساعدات الإنسانية، أو توقف صرف المخصصات المالية للأسر الفقيرة.

ويقول الفلسطيني كرم أبو زيد (14 عاماً) إن أسرته عاشت ظروفاً مأساوية لحظة استشهاد والده بداية الحرب، وما زالت تعيشها حتى اللحظة، بفعل حالة النزوح الصعبة، والتي بدأت من حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، ومن ثم إلى مخيم الزوايدة، ومدينة حمد جنوب قطاع غزة، وصولاً إلى مناطق المواصي التي يدعي الاحتلال الإسرائيلي أنها آمنة، بين مدينتي خان يونس ودير البلح.

ويلفت أبو زيد لـ"العربي الجديد" إلى أن أسرته خسرت والده ومصدر دخله في اللحظة ذاتها، حيث تم تدمير مبنى سكني كان قد استأجر فيه والده محلاً تجارياً، وافتتح فيه بقالة صغيرة، "كان والدي في عمله، وقد تم تدمير المبنى بدون أي سابق إنذار".

ويقول إن أسرته لا تمتلك المال لافتتاح أي مشروع تجاري، أو حتى بسطة صغيرة، ما دفعه إلى التوجه للعمل في إصلاح الأحذية، لافتاً إلى زيادة إقبال المواطنين على إصلاح أحذيتهم جراء عدم توافرها في الأسواق نتيجة إغلاق المعابر والغلاء الشديد في الكميات القليلة المتوفرة.

يضيف أبو زيد أنه على الرغم من تواضع الدخل المادي لمهنته الصغيرة، والتي لا تعتمد على رأس المال، إلا أنه يساهم بتوفير المتطلبات الأساسية التي يمكنها إعانة والدته. ويتابع "حين نحصل على طرد غذائي، أقوم بعرض بعض الأصناف غير اللازمة للبيع، لاستبدالها بمتطلبات أخرى".

ويطوف الطفل ياسر غنيم (11 عاماً) في سوق دير البلح الشعبي وسط القطاع حاملاً ثلاجة صغيرة لبيع الماء البارد على المارة، مستغلاً درجات الحرارة المرتفعة، واشتياق الفلسطينيين لشرب الماء البارد، بسبب الانقطاع الكامل للتيار الكهربائي منذ بداية العدوان وعدم قدرتهم على تشغيل الثلاجات، كذلك بسبب نزوحهم من بيوتهم، أو تدميرها بما فيها من ممتلكات.

يقول غنيم، الذي بدا منهكاً وهو يسير تحت أشعة الشمس الحارقة في طرقات السوق المتسخة بسيول المياه العادمة، إنه يعمل لمساعدة والده الذي أصيب بشظية في قدمه، أفقدته القدرة على الحركة بدون كرسي متحرك، وذلك في محاولة لتوفير متطلبات أسرته المكونة من خمسة أفراد.

ويبيّن غنيم لـ"العربي الجديد" أن والده اتفق مع صديقه الذي يمتلك لوح طاقة شمسية، وثلاجة على تبريد عدد من أكياس الماء بمقابل مادي رمزي، حيث يقوم والده ببيع بعضها على المارة أمام الخيمة، بينما يقوم هو بحملها والمناداة عليها داخل السوق القريب، والذي يذهب إليه مشياً على الأقدام.

ويتشابه واقع معظم الأطفال العاملين في مختلف المجالات، حيث اجتمعت عليهم الظروف القاسية، المترافقة مع الحرمان وصعوبة الاوضاع الاقتصادية، وعن ذلك يوضح الطفل عطا حمادة (13 عاماً)، الذي توفي والده قبل عامين، أنه يعمل على عربة دفع يدوية، يقوم من خلالها بمساعدة المستفيدين من المساعدات الإنسانية، وإيصالهم إلى المواقف أو إلى أماكن خيامهم.

ويرجع حمادة لـ"العربي الجديد" سبب توجهه للعمل رغم صغر سنه إلى محاولته مساعدة والدته على توفير المصاريف الخاصة بالأسرة، خاصة بعد اضطرارهم للنزوح عدة مرات، فيما لم تحصل الأسرة على أي دفعة مالية من مخصصات الأسر الفقيرة (شيكات الشؤون) منذ بداية العدوان، ولذا فقد توجهت والدته لصناعة الخبز وبيعه لجيرانها في الخيام.

واستبدل المئات من الأطفال حقائب الدراسة بمهن متنوعة لا تقوى عليها أجسادهم الصغيرة، في ظل تواصل العدوان الإسرائيلي واستشهاد نحو 40 ألف فلسطيني، وإصابة أكثر من 90 ألفاً بجراح متفاوتة، نحو 70% من الضحايا هم من الأطفال والنساء.

المساهمون