استمع إلى الملخص
- يواجه مشروع الممر الهندي تحديات كبيرة بسبب التصعيد الإقليمي، مما يعرقل تقدمه ويزيد من المخاطر السياسية والاقتصادية، ويضعف التوقعات الإيجابية لدوره في التجارة العالمية.
- تتنافس دول مثل السعودية والإمارات وتركيا على تعزيز مكانتها كمراكز لوجستية، بينما تسعى إسرائيل لتعزيز علاقاتها الاقتصادية والسياسية من خلال المشروع.
يهدد التصعيد في الشرق الأوسط بعرقلة المسارات البحرية والجوية التي تُعَدّ شرايين رئيسية للتجارة، فضلاً عن مشروع الممر الهندي أو الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (India-Middle East-Europe Economic Corridor) المشار إليه اختصاراً باسم "IMEC".
ويأتي التصعيد في منطقة الشرق الأوسط التي تُعَدّ واحداً من أهم الممرات الحيوية للتجارة العالمية، حيث تؤثر أي اضطرابات في هذه المنطقة بحركة التجارة والنقل الدولي. ويأتي التصعيد الأخير بين إيران وإسرائيل في وقت حساس للغاية، إذ يهدد بعرقلة المسارات البحرية والجوية التي تُعَدّ شرايين رئيسية للتجارة.
وقد ذكر الباحثان الإيطاليان أليساندرو جيلي وروبرتو إيطاليا أن تصاعد التوتر بين تل أبيب وطهران حوّل الانتباه من مضيق باب المندب وقناة السويس، إلى ممر مائي آخر هو مضيق هرمز، الذي يمرّ عبره ما يقرب من 30% من تجارة النفط العالمية المنقولة بحراً و20% من تجارة الغاز الطبيعي المسال. وقد حاولت السعودية والإمارات إيجاد طرق بديلة للتصدير، وهو الأمر الذي لا تطيقه كل من الكويت وقطر والبحرين.
ورأى جيلي وإيطاليا، في تحليل نشره معهد دراسات السياسة الدولية في ميلانو (ISPI) بتاريخ 8 أكتوبر/تشرين الأول تحت عنوان "آفاق الربط في الشرق الأوسط" أن إغلاق مضيق هرمز من قبل إيران، وهو حالياً من بين السيناريوهات الأقل احتمالاً، سيمثل صدمة الطاقة العالمية الثانية في غضون عامين ونصف، ما يعرّض الإمدادات من دول الخليج للخطر.
وأضافا أن تداعيات ذلك ستكون وخيمة على الاقتصاد العالمي، الذي تصور أنه قد طوى صفحة الركود التضخمي بشكل نهائي. وفي الوقت عينه، لا بد من إعادة النظر في مشاريع البنى التحتية التي تمر عبر منطقة الشرق الأوسط والتي تعتبر حيوية في سياق عالمي يتسم بالتبعيات الاستراتيجية المحفوفة بالمخاطر.
إطار مضطرب لمشروع الممر الهندي
ومن بين المشاريع التي قد تتأثر بشكل خاص، مشروع الممر الهندي الذي يهدف إلى تعزيز الروابط التجارية بين آسيا وأوروبا عبر الشرق الأوسط ومواجهة التوسع الصيني في البنية التحتية في المنطقة. في ظل هذا التصعيد، يواجه المشروع تحديات كبيرة قد تعرقل تقدمه وتزيد من المخاطر السياسية والاقتصادية على الشركاء الدوليين، ما يضعف التوقعات الإيجابية المتعلقة بدوره في إعادة تشكيل خريطة التجارة العالمية.
مضيق هرمز، الذي يمر عبره ما يقرب من 30% من تجارة النفط العالمية المنقولة بحراً و20% من تجارة الغاز الطبيعي المسال
وتابع الباحثان أن مشروع الممر الهندي كان مقدراً له أن يكون حجر الزاوية في تحقيق الاستقرار في المنطقة وتطبيع العلاقات السياسية في الشرق الأوسط. والحقيقة أن مشاركة دول الخليج في المشروع إلى جانب إسرائيل والأردن تشير بوضوح إلى المدلول الجيوسياسي لهذا الممر بالنسبة إلى الشرق الأوسط بأسره.
ولفتا إلى أنه كان من المفترض قبل العدوان الإسرائيلي على غزة ولاحقاً التصعيد مع حزب الله، أن يعمل مشروع الممر الهندي على تكريس وتسهيل التطبيع المحتمل للعلاقات السياسية في المنطقة، بعد التوقيع على اتفاقيات إبراهيم في عام 2020 بين الاحتلال وأربع دول عربية والتي شكلت نقطة تحول مهمة لعلاقات أكثر استقراراً في المنطقة.
ويُضاف إلى ذلك الركيزة الثانية لمبادرة I2U2، التي أُطلقت في يوليو/تموز 2022، والتي تهدف إلى دعم التعاون الاقتصادي بين الولايات المتحدة وإسرائيل والهند والإمارات، ما يعزز تدفق رأس المال الخاص إلى المنطقة.
وكان من المفترض أيضاً، وفقاً للباحثين، أن يختم الممر الهندي فصلاً جديداً في العلاقات بين الاحتلال والسعودية التي بدا أنها متجهة نحو التطبيع الشامل. والحقيقة أن اندلاع الصراع بين إسرائيل وحماس يغير الديناميات الإقليمية. فهو يعلّق مؤقتاً، بادئ ذي بدء، مسار تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية.
ولفتا إلى أن هذا الصراع يجعل من الصعوبة بمكان التفكير في بناء ممر جديد للبنى التحتية بين إسرائيل والأردن، الضروري للمشروع الأم، في وقت وُضعت فيه العلاقات بين البلدين على المحك بسبب الحرب ويعارض فيه الرأي العام الأردني والمكون الفلسطيني في البلاد بوضوح أي إمكانية للتعاون مع إسرائيل.
علامات استفهام حول مسار الممر الهندي ومشاركة عُمان
وأوضح الباحثان أن المسار الأصلي للممر الهندي كان يفترض المرور عبر مضيق هرمز، ومن ثم الوصول إلى الموانئ الإماراتية (ولا سيما ميناء جبل علي) وربما ميناء الدمام السعودي. لذا فإن الإغلاق المحتمل للمضيق من قبل إيران من شأنه (في المستقبل) أن يشل حركة المرور في الممر بالكامل، والتسبب في أزمة حرجة للربط بين أوروبا والهند.
إضافة العنصر العماني، في هذا السياق، يمكن أن يزيد من تعقيد العلاقات الاقتصادية الإقليمية المتوترة بالفعل
وشددا على أن إدراج سلطنة عُمان في الممر الهندي وتوفير نقطة دخول أيضاً في الأراضي الإماراتية خارج الخليج سيكون بالتأكيد عنصراً محورياً لتنويع وخفض المخاطر الجيوسياسية، مع وجود تعدد في نقاط الدخول للجزء الشرقي للممر في شبه الجزيرة العربية، مع وجود بديل مهم لتجنب المرور عبر مضيق هرمز في حالة الإغلاق.
واستدركا أنه رغم ذلك، فإن إضافة العنصر العماني، في هذا السياق، يمكن أن يزيد من تعقيد العلاقات الاقتصادية الإقليمية المتوترة بالفعل. وعلى وجه الخصوص، تشهد كل من السعودية والإمارات مرحلة من المنافسة الاقتصادية المتنامية لترسيخ مكانتهما كقادة ومراكز لوجستية وتصنيعية رئيسية في المنطقة.
أين مصر من مشروع الممر الهندي الاستراتيجي؟
ولفت الباحثان إلى أن أحد العناصر التي يتعين أخذها في الاعتبار بشكل مناسب في مرحلة التطوير والبناء الملموسة للمشروع يتعلق أيضًا بمشاركة مصر. والحقيقة أن القاهرة تنظر بعين الريبة إلى الممر الذي يستبعد قناة السويس من مشروع مهم للنقل على طول الطريق بين الشرق والغرب.
وترى مصر، وفقاً للباحثين، أن المشروع يمثل تهديداً للإيرادات الناتجة من قناة السويس وقطاع الخدمات اللوجستية الأوسع في البلاد، حيث تساهم القناة بنسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي. وكانت إيرادات قناة السويس قد انخفضت بالفعل بنحو 60% في عام 2024 بسبب هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، وتخشى القاهرة أن يضع الممر الهندي ماليتها العامة في اختبار قاسٍ من خلال تحويل حركة المرور التجارية نحو الشمال.
وعلى الرغم من ذلك، اعتبرا أنه يمكن اعتبار مصر مساراً بديلاً ومكملاً للطريق الذي يمر عبر الأردن وإسرائيل، مع دمج موانئ البلاد في مشروع الممر المزمع. وتنفذ مصر حالياً خطة وطنية بقيمة أربعة مليارات دولار لتطوير وتعزيز محطات الموانئ، وتستثمر في شبكة السكك الحديدية الوطنية لربط المراكز الحضرية الكبرى والموانئ والمراكز الصناعية.
وهما يتوقعان أن يؤدي تطوير محطة جديدة في شرق بورسعيد إلى تعزيز دورها مركزاً رئيسياً لإعادة الشحن في شرق البحر الأبيض المتوسط. ونظراً لاستثمارات الصين الكبيرة في البنى التحتية للموانئ والخدمات اللوجستية المصرية، فإن مشروع الممر يمكن أن يمثل فرصة مهمة للقاهرة، من خلال تلقي استثمارات من كل من الصين ودول مجموعة السبع والهند ودول الخليج. ويمكن أن يثبت أيضًا أن استثمارات مشروع الممر لا تتعارض بالضرورة مع استثمارات مبادرة الحزام والطريق الصينية (BRI).
تركيا وإسرائيل.. ومشروع الممر الهندي في المنطقة
وعرّج الباحثان أخيراً على تركيا، حيث أكد الرئيس أردوغان أنه لا يمكن أن يكون هناك مثل هذا الممر من دون تركيا. وروجت أنقرة، في هذا السياق، لبديل هو مشروع "طريق التنمية" بمشاركة العراق وقطر والإمارات. وبالتالي فإن تركيا، التي تحتفظ دائماً وحتى الآن بمواقف متوازنة غير مستقرة بين المعسكر الغربي ومعسكر النظم الاستبدادية، لا تنوي أن تجد نفسها مستبعدة من المسارات التجارية بين الشرق والغرب، أيضاً من منظور طموحاتها في أن تصبح مركزًا للطاقة والتصنيع على المستوى الدولي.
على صعيد متصل، رأى جيلي وإيطاليا أن ثمة شيئاً واحداً مؤكداً، ألا وهو أن إسرائيل تعتبر الممر الهندي أساسياً في استراتيجية الربط الخاصة بها للمنطقة. وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى المشهد القوي لرئيس الوزراء نتنياهو في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نهاية سبتمبر/أيلول 2024، حيث أظهر خريطة الممر، بما في ذلك الدول المشاركة أو التي تطمح إلى المشاركة فيه مثل مصر والسودان، والتي وصفها بـ"البركة" وخريطة أخرى تحمل عنوان "اللعنة" تشير إلى إيران والعراق وسورية ولبنان.
وختم الباحثان الإيطاليان بقولهما إن هذا المشهد يعد إشارة واضحة إلى نظرة إسرائيل لهذا المشروع باعتباره أداة أساسية لتعزيز العلاقة مع "الأصدقاء الجدد" في المنطقة وخلق جغرافيا جديدة للتحالفات الاقتصادية والسياسية في الشرق الأوسط الجديد.