العدوان الإسرائيلي على غزة يعزز تشييد سكك حديد البوسفور

08 ديسمبر 2023
تركيا تأمل في بديل تجاري لمشروع "الممر الاقتصادي" (Getty)
+ الخط -

عززت مواصلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة من أهمية محادثات صندوق أبوظبي السيادي للثروة "شركة ADQ القابضة" مع تركيا لتشييد خط سكة حديد فوق مضيق البوسفور في إسطنبول، كجزء من ممر تجاري يمكن أن يربط أوروبا بالشرق الأوسط وآسيا، في ظل ترجيحات بتواصل العمليات العسكرية في منطقة قريبة من مخطط مشروع "الممر الاقتصادي"، الذي يربط الهند بأوروبا عبر إسرائيل.
ووفقاً لمسؤولين أتراك مطلعين، فإن مشروع خط السكة الحديد سيعبر جسر السلطان يافوز سليم المعلق، وهو أحد أطول وأوسع الجسور من نوعها في العالم، والذي تم بناؤه بتكلفة 3 مليارات دولار لربط الجانبين الأوروبي والآسيوي لإسطنبول، وفقا لما نقلته وكالة "بلومبرغ".
وأوضح المسؤولون، الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم، أن تركيا تنافس، عبر موقعها الاستراتيجي الذي يمتد بين أوروبا وآسيا مع سيطرتها أيضاً على ممرات الوصول إلى البحر الأسود، لتصبح جزءاً مهماً من الممر التجاري الذي تأمل رؤيته في النهاية بين لندن وبكين، وتهدف إلى ربط دول الخليج بشبكة السكك الحديدية والطرق السريعة.
ورغم أن الإمارات جزء من مشروع "الممر الاقتصادي"، إلا أنها تسعى، في الوقت ذاته، إلى تعزيز مصالحها مع تركيا في الآونة الأخيرة، والتحسب لعدم إمكانية تنفيذ مشروع الممر المدعوم من الولايات المتحدة في ظل انعدام الاستقرار الأمني في المنطقة المحيطة بقطاع غزة، ما عبرت عنه حكومة الدولة الخليجية في بيان أكد أنها تأمل مضاعفة التجارة الثنائية مع تركيا إلى 40 مليار دولار بحلول عام 2030، وأن "القطاعات الرئيسية" للاستثمار تشمل الطاقة والخدمات اللوجستية والسياحة والزراعة.

تنافس استراتيجي
يؤكد الخبير في الاقتصاد السياسي، الأمين العام للاتحاد الجزائري للاقتصاد والاستثمار، عبد القادر سليماني، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أن العالم يعيش اليوم حالة من الاستقطاب والتنافس الاستراتيجي، ما ينعكس في سعي قوى إقليمية إلى تنفيذ مشروعات من شأنها تعزيز القيمة الجيوسياسية لها، ومنها إسرائيل، التي تسعى لتنفيذ مشروع الممر الاقتصادي، الذي يجعلها محورا للنقل بين الهند وأوروبا، وتركيا، التي تسعى لمواجهة هذا المشروع، وتعتبره خصما من رصيدها.

كما يهدد الممر الاقتصادي قيمة قناة السويس، بحسب سليماني، مشيرا إلى وجود اقتراحات بفتح قناة من ميناء من إيلات إلى حدود البحر المتوسط، شمال إسرائيل، بموازاة القناة المصرية.
كما تشمل حالة الاستقطاب والتنافس الاقتصادي والاستراتيجي تلك دولا أخرى مثل الصين، التي تسعى لتنفيذ مشروعها "طريق الحرير"، الذي يمر على أكثر من 70 دولة، لذا فإن تركيا تهدف إلى حفظ مكانتها الجيوسياسية باعتبارها دولة قريبة من جميع المتنافسين، وذلك عبر عدة مشروعات، منها خط السكة الحديد فوق مضيق البوسفور، بحسب سليماني.
ويلفت سليماني أيضا إلى أن المفاوض التركي لديه القدرة على تحصيل مصالحه القومية من مختلف الأطراف المتنافسة إقليميا ودوليا، وهو ما نجح في تحقيقه مع دول متحاربة مثل روسيا وأوكرانيا، إذ أبرم اتفاقا لخروج الشحنات الأوكرانية عبر الموانئ التركية، واتفاقا آخر مع روسيا يجعل من تركيا منصة لتوزيع الغاز على باقي دول أوروبا.

تغيّر المراكز
يؤكد الخبير في الاقتصاد السياسي أن الحرب في غزة غيرت كل المخططات والخطط والرؤى الاستراتيجية والاقتصادية، وتسببت في خلط أوراق الكثير من دول، خصوصا إسرائيل التي يتعرض اقتصادها لـ "عاصفة" كبيرة، وتدهور تصنيفها الائتماني، وتبحث رؤوس الأموال الكبيرة فيها عن مخرج.
ويرى سليماني أن اقتصاد إسرائيل لن يعود كما كان، حتى بعد وقف إطلاق النار في غزة؛ نظرا لاستمرار حالة التخوف الدائم، خاصة بالنسبة للدول التي تدعم إسرائيل، بما فيها تلك العربية، إذ لن يغامر رجال أعمالها باستثمارات كبيرة في دولة بحالة حرب مستمرة.

لذا، فإن الحرب في غزة تمثل عامل تغيير للخريطة الاقتصادية كلها والرؤية الاستراتيجية ومواقع القوى الإقليمية فيها، بحسب سليماني، مشيرا إلى أن بعضا من هذه القوى سيخرج من المركز إلى مراكز أخرى، مثل إسرائيل، بينما قد تأخذ مكانها دول أخرى، مثل تركيا.

الممر التنموي
في السياق، يشير الخبير في الاقتصاد السياسي، عامر الشوبكي، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى ارتباط خط السكة الحديد فوق مضيق البوسفور بمشروع "الممر التنموي" المتفق عليه كبديل عن قناة السويس، ويربط آسيا بأوروبا من طريق العراق إلى تركيا، عبر ميناء الفاو.
ويوضح الشوبكي أن تركيا تعارض مشروع الممر الاقتصادي الذي أعلنت عنه الولايات المتحدة ويربط الهند بالقارة الأوروبية عبر الإمارات والسعودية وإسرائيل، واقترحت الدخول كشريك في المشروع لتكون جزءا رئيسيا من حجم التجارة بين آسيا وأوروبا، دون استجابة.
ويعد "الممر التنموي" أحد المشروعات البديلة بالنسبة لتركيا، ويستخدم ميناء الفاو وسككا حديدية وشبكة نقل متكاملة عبر بغداد وشمال العراق وتركيا ومنها إلى أوروبا عبر مضيق البوسفور، ويأتي مشروع السكة الحديد فوق مضيق البوسفور في هذا الإطار.
وبعدما وجه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بتنفيذ الخط الحديدي في أقرب وقت، يتوقع الشوبكي بدء تنفيذه في بداية العام 2024، مشيرا إلى أن الإمارات تسعى، من خلال هذا المشروع، إلى زيادة تعاونها الاقتصادي مع تركيا، ورفع حجم التبادل التجاري بينهما إلى 40 مليار دولار بحلول عام 2030.
ويرى الشوبكي أن الحرب في غزة تسرع من السعي التركي لتنفيذ الخط الحديدي فوق مضيق البوسفور وتعطي فرصة لمشروع الممر التنموي، الذي هو جزء من مشروع من مبادرة الحزام والطريق الصينية، على حساب الممر الاقتصادي، المدعوم أميركيا؛ لأن الواقع الأمني في دولة الاحتلال الإسرائيلي لا يسمح بتنفيذ هكذا مشروع.

المساهمون