شهدت أسعار الطاقة طفرة جديدة على مدار العامين الأخيرين، بالتزامن مع اندلاع الحرب في أوكرانيا، الأمر الذي سبّب الكثير من المتاعب للعديد من الاقتصادات الكبرى التي تستورد مصادرها، بينما تحولت دول الخليج العربي، الغنية بالنفط، إلى "ماكينة صراف آلي" للعالم، على حد تعبير جريدة "وول ستريت جورنال".
استهلت الجريدة تقريراً طويلاً، رصدت فيه تحولات الأموال والقوى في المنطقة بعد طفرة الأسعار، بالحديث عن التغيرات في نظرة الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، للمملكة العربية السعودية، ما بين حادث مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، ووقتنا الحالي.
قالت الجريدة إن المسؤولين السعوديين شهدوا قبل خمس سنوات انسحاباً لافتاً لعدد من المديرين التنفيذيين والمسؤولين الماليين الأميركيين من مؤتمر للاستثمار في الرياض، ولكن العام الحالي، من المتوقع أن يشهد المؤتمر، الذي يطلق عليه "دافوس في الصحراء" إقبالاً كبيراً، لدرجة أنه يفرض رسوماً قدرها 15 ألف دولار على المدير التنفيذي الراغب في الحضور.
أشارت الجريدة إلى أن الأنظمة الملكية في المنطقة التي تسعى لتعزيز نفوذها الدولي، تعيش حالياً لحظة فارقة في المشهد المالي العالمي، تنعم فيها بالسيولة النقدية الضخمة الناتجة من ارتفاع أسعار الطاقة، بينما ينسحب المستثمرون الغربيون التقليديون، الذين يعانون من ارتفاع أسعار الفائدة، من صفقات الاستثمار والتمويل الخاص، بسبب ضعف الموارد المتاحة.
أصبحت صناديق الثروة السيادية في منطقة الخليج العربي مصدراً رئيساً للاستثمار في الأسهم الخاصة ورأس مال المخاطر والصناديق العقارية، فيما تواجه الشركات والصناديق تحديات كبيرة في جمع الأموال في أماكن أخرى.
وشهدت سوق عمليات الاندماج والاستحواذ الكبيرة اهتماماً متزايداً من المنطقة، حيث شملت الصفقات الأخيرة شراء صندوق أبوظبي السيادي لشركة إدارة الاستثمار "فورترس" بقيمة تزيد على مليارَي دولار، وشراء صندوق الاستثمارات العامة السعودي وحدة الطيران التابعة لشركة "ستاندرد تشارترد" العالمية بقيمة 700 مليون دولار.
وهرعت الشركات والصناديق التي يشرف عليها مستشار الأمن القومي في أبوظبي، الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، إلى شراء بنك "ستاندرد تشارترد" وبنك الاستثمار "لازارد"، وأبرموا صفقات أخيراً لشراء شركة رعاية صحية بريطانية بقيمة 1.2 مليار دولار، وللسيطرة جزئياً على شركة أغذية كولومبية عملاقة تبلغ قيمتها حوالى 6 مليارات دولار.
ونقلت "وول ستريت جورنال" عن بيتر جادرستين، مؤسس شركة "جاد أدفيزورس" الاستشارية لجمع التبرعات، قوله إن الجميع يريد الذهاب إلى المنطقة، فالأمر يشبه حمّى الذهب في الولايات المتحدة ذات يوم. وأضاف: "هناك صعوبة في الحصول على التمويل في كل مكان في الوقت الحالي".
ويقول مديرو الصناديق، الذين يزورون المنطقة، إنهم غالباً ما يقابلون منافسيهم في غرف الانتظار في مكاتب صناديق الثروة السيادية في منطقة الخليج، ويقولون إن مديري الشركات العاملة في "سيلكون فالي" ونيويورك يوجدون بشكل شبه دائم في الردهة ذات الأرضيات الرخامية البيضاء في فندق فور سيزونز أبوظبي، كما هي الحال مع الفنادق الكبرى الأخرى.
ومن المتوقع أن يكون مؤتمر الرياض الشهر المقبل، وهو مشروع يحظى باهتمام وليّ العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، ويعرف باسم "مبادرة الاستثمار المستقبلي"، نقطة جذب لصائدي الأموال من الشركات العاملة في الاقتصادات الكبرى.
وخلال مؤتمر العام الماضي، شارك الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمارات العامة ياسر الرميان في حلقة نقاش إلى جانب ستيفن شوارزمان، رئيس شركة "بلاكستون"، إحدى أكبر شركات إدارة الاستثمار في العالم، وراي داليو، مؤسس شركة "بريدجووتر أسوشيتس"، وهما شركتان استثماريتان بارزتان. وكانت شخصيات بارزة من صناعة رأس المال المخاطر حاضرة أيضاً، حيث كان سام بانكمان فريد، الرئيس التنفيذي لشركة "أف تي أكس"، يبحث بنشاط عن فرص التمويل.
وفي مؤتمر برعاية صندوق الاستثمارات العامة السعودي في وقت سابق من هذا العام، أشار بن هورويتز، الشريك في شركة "أندريسن هورويتز"، إلى المملكة العربية السعودية، باعتبارها "دولة ناشئة"، ووصف الأمير محمد بن سلمان بأنه "مؤسسها"، مسلطاً الضوء على جهوده لإنشاء ثقافة ورؤية جديدة للبلاد.
ويتجلى التأثير المتنامي للمنطقة بشكل خاص في مجال الصناديق الخاصة، التي تنطوي على التزامات استثمارية طويلة الأجل. وفي حين أن البيانات الكاملة محدودة، فإن المؤشرات الصادرة عن اثنين من صناديق الثروة السيادية الرئيسية تشير إلى حدوث طفرة كبيرة في هذا المجال.
وشهد صندوق الاستثمارات العامة السعودي زيادة التزاماته في "الأوراق المالية الاستثمارية"، بما في ذلك الصناديق الخاصة، إلى 56 مليار دولار في عام 2022، مقارنة بـ 33 مليار دولار في العام السابق. وبالمثل، أعلنت شركة "مبادلة" في أبوظبي مضاعفة التزاماتها في الأسهم إلى 18 مليار دولار في عام 2022.
وقد أبلغ مسؤولون تنفيذيون من شركات الأسهم الخاصة البارزة، مثل TPG، وKKR، ومجموعة كارلايل، المستثمرين أن الاهتمام من الخليج العربي لا يزال قوياً، حتى في الوقت الذي تشهد فيه مناطق أخرى تراجعاً. وصرّح هارفي شوارتز، الرئيس التنفيذي لشركة كارلايل، في مؤتمر عقد في شهر يونيو بأن هناك مستوىً من القلق في الولايات المتحدة، في حين أن المستثمرين في الخليج استباقيون وديناميكيون في نهجهم.
ويتجلى التأثير المتنامي للمنطقة بشكل خاص في مجال الصناديق الخاصة، التي تنطوي على التزامات استثمارية طويلة الأجل. وفي حين أن البيانات الشاملة محدودة، فإن المؤشرات الصادرة عن اثنين من صناديق الثروة السيادية الرئيسية تشير إلى حدوث طفرة كبيرة في هذا المجال. شهد صندوق الاستثمارات العامة السعودي زيادة التزامات "الأوراق المالية الاستثمارية"، بما في ذلك الصناديق الخاصة، إلى 56 مليار دولار في عام 2022، مقارنة بـ 33 مليار دولار في العام السابق. وبالمثل، أعلنت شركة مبادلة في أبوظبي مضاعفة التزامات الأسهم إلى 18 مليار دولار في عام 2022.
في الوقت نفسه، سعى الأمير محمد بن سلمان، ومسؤولون رفيعو المستوى في دولة الإمارات العربية المتحدة، بنشاط لتعزيز نفوذهم العالمي في مختلف المجالات، بما في ذلك القضايا الجيوسياسية، والتمويل، والرياضة، وضخوا أموالاً إضافية في صناديق الثروة الخاصة بهم، لتسهيل الصفقات وتعزيز توسع الصناعات المحلية.
وبحسب ما نقلت وال ستريت جورنال، قال مديرو الصناديق إن الصناديق الخليجية دفعت نظيراتها الأميركية إلى فتح مكاتب في المنطقة لكسب استثمارات بسهولة أكبر. وقالت بلاك روك، أكبر شركة إدارة أصول في العالم، إنها ستشكل فريقاً على الأرض في الرياض، وإنه سيكون مختصاً بتعزيز الاستثمارات في مشاريع البنية التحتية في الخليج.
وأنشأت شركة "ميلينيوم مانجمنت"، ومقرها نيويورك، مكتباً في دبي في عام 2020، وتبعتها شركات أخرى، بما في ذلك شركة الأسهم الخاصة "سي في سي كابيتال بارتنرز"، و"إيكسودس بوينت كابيتال مانجمنت"، وهي أكبر شركة صناديق تحوط ناشئة في العالم، برأس مال أولي قدره 8 مليارات دولار.
وكوّنت كل من شركتي Tikehau Capital وArdian الأوروبيتين فرقاً في أبوظبي، كذلك عيّنت شركة بريتيوم، مديرة الاستثمار البديل في الولايات المتحدة، أحد الخبراء المحليين في الصناعة من دبي.
وأنشأت شركة "داليو" مكتباً في أبوظبي بقيادة راجيف ميزرا، الممول المعروف لمجموعة "سوفت بنك"، الذي حصل على التزامات تزيد على 6 مليارات دولار لمشروع جديد من عدة صناديق استثمار في أبوظبي.
وقال جوزيف موريس، المدير الإداري في شركة "نيومارك غروب" الاستشارية، ومقرها الولايات المتحدة، إن هناك الآن "وعياً بضرورة بناء العلاقات، وهذا لا يحدث بين عشية وضحاها".
وقال إبراهيم عجمي، الذي يشرف على استثمارات الشركات الناشئة في صندوق مبادلة التابع لحكومة أبوظبي، والذي يستثمر في الشركات والصناديق الأجنبية، إن البيئة تمنح مبادلة القدرة على أن تكون "انتقائية" بشأن من تدعمه، مضيفاً أنه يمكنه التفاوض على شروط تسمح لمبادلة بشراء حصة في مدير الصندوق نفسه، أو السماح له بالاستثمار إلى جانب آخرين.
وقال: "ما نفعله هو التعمق أكثر، لنكون أكثر تركيزاً وتفاعلاً، مع مجموعة مختارة من المديرين".