اختُزلت الأيام الأولى من شهر رمضان في الجزائر، في طوابير طويلة للمواطنين لاقتناء مواد تموينية أساسية في مقدمتها السلع المدعومة من الحليب وزيت الطعام والسميد (الطحين). ساعات الانتظار الطويلة أمام المحال التجارية زادت سخط الجزائريين المكوية جيوبهم بغلاء المعيشة، وسط سكوت للحكومة التي اكتفت بإطلاق الوعود في إيجاد حلول لأزمة نقص المواد وغلائها، من دون تنفيذها حتى اليوم.
إذ يواصل الجزائريون الوقوف في طوابير للحصول على كيس حليب، بدءاً من السادسة صباحاً من كلّ يوم، مشكلين مشهداً لم يعد يترجم أزمة عابرة قد يمرّ بها أيّ بلد في حاجة إلى شيء ما، وفقاً للمحللين، بقدر ما يعكس حجم الفشل الذي ضرب الحكومات المتعاقبة في تسيير ملف بات يؤرق البلاد، وينهك الخزينة العمومية بثقل فاتورة استيراد ما يغطي الطلب الداخلي.
ويأتي ذلك في وقت تزداد فيه معاناة المواطنين من ارتفاع كبير في أسعار السلع الغذائية ونقص حاد في بعضها. وتعيش الجزائر، منذ ما يقارب الشهرٍ، على وقع ندرةٍ حادة في الحليب المجفف، مما أدى إلى اصطفاف جموع المواطنين أمام محال بيع المواد الغذائية يومياً في انتظار وصول شاحنة الحليب المدعّم، لعل الفرد يظفر بكيسين أو أكثر، وهو مشهد لا يزال مستمراً حتى اليوم. في المقابل، يشكو أصحاب المحال من صعوبة بالغة في تلبية حاجات الناس.
"طوابير العار"
يقول المواطن عبد الله معتوق إنه "يأتي مباشرة من المسجد بعد صلاة الفجر لحجز مكانه في الطابور من أجل شراء الماء الملون (يقصد الحليب المدعم)، وفي العادة يدوم الانتظار لأكثر من ساعة". ويضيف لـ"العربي الجديد" أنه "لا يعقل أن يعيش الجزائري مثل هذه الحالة بعد 60 سنة من الاستقلال. المواطن في الدول المتقدمة يفكر كيف يطور نفسه وبلاده ونحن كل صباح نقف في طوابير العار للظفر بالحليب".
وتدعم الدولة الجزائرية سعر الحليب حيث حدد سعر اللتر الواحد بـ 25 دينارا (23 سنتا أميركياً)، في حين يراوح سعر الحليب غير المدعم بين 50 دينارا و100 دينار، حسب النوعية.
ويُرجح المنتجون أن يكون سبب أزمة غياب الحليب في المحلات والأسواق التجارية، تقليص حصة المصانع من مسحوق الحليب الذي يمنحه الديوان الجزائري للمنتجين وفق كميات محددة سابقاً، وبأسعار مدعمة من الخزينة العمومية، وهي الوضعية التي بدأت قبل ثلاث سنوات.
ويلفت رئيس الفيدرالية الجزائرية لمنتجي الحليب، عبد الوهاب زياني، في حديث مع " العربي الجديد" إلى أن الأسباب التي كانت وراء تسجيل ندرة في مادة الحليب، تعود إلى سوء توزيع الديوان المهني للحليب للمسحوق الخاص.
ويقول إنّ "الديوان لم يحترم نص الاتفاقية الموقعة مع المنتجين، فهو لا يعتمد صيغة التنظيم فيما يتعلق بتوزيع المسحوق، إذ يوزع بكميات هائلة على مستوى الجزائر، في حين ينعدم المسحوق كلياً في المناطق التي لا تعرف الديناميكية التي ينشط بها العديد من المنتجين في القطاع الخاص".
امتداد الندرة
وتتواصل ندرة زيوت الطعام والطحين مع بداية شهر الصيام، لتعصف برفوف المساحات التجارية الكبرى والبقالات في الأحياء، ما أربك كثيرا الجزائريين الذين باتوا يترقبون مرور شحنات التوزيع بين نقاط البيع للظفر بقارورة زيت سعة لترين أو 5 لترات، بأسعار مرتفعة رغم تقنينها بقرارٍ حكومي كونها من المواد المُدعمة.
وتثير أزمة الزيت والطحين في الجزائر مزيدا من الجدل، حول خلفيات وأسباب هذه الأزمة التي بدأت مطلع 2021، ففي الوقت الذي يجد المواطنون صعوبة في الحصول على هذه المواد، تعلن السلطات أن الأزمة مفتعلة من قبل التجار، بسبب رفض التدابير المتعلقة بـ "الفوترة" والتهرب من الضريبة، فيما لم تصل لجان التحقيق البرلمانية المُشكلة مؤخرا الى حقائق ملموسة.
وبات المواطن يتحرى توزيع مادتي الزيت والطحين للاصطفاف في طوابير أمام محلات بيع المواد الغذائية والمساحات التجارية الكبرى، التي باتت تشترط بيع قارورة واحدة من الزيت سعة 5 لترات وكيس واحد من الطحين حجم 25 كيلوغراماً أو 10 كيلوغرامات.
وفي السياق يقول المواطن عبد الرشيد لزرق إن "يوميات الجزائري في رمضان باتت تختزل في طوابير، بداية بطابور الحليب المدعم ثم طابور الزيت والطحين ثم طابور الخبز وهناك طابور البطاطا في نقاط البيع التي فتحتها الحكومة، وأمر محزن ومؤسف أن نعيش كل هذا فيما يسمونه "الجزائر الجديدة" التي لم تأت بأي جديد للمواطنين".
من جانبه يؤكد رئيس الجمعية الجزائرية للتجار، الحاج الطاهر بلنوار، لـ "العربي الجديد" أن "تجار الجملة والتجزئة باتوا يجدون صعوبة في إيجاد زيوت الطعام بمختلف العلامات (3 علامات تجارية)، والمشكل متعلق بإلزامية التعامل بالفواتير التي قلصت هوامش ربح التجار، وبالتالي فضلوا عدم تسويقها".
ويضيف بلنوار أن "سعر زيوت الطعام محدد وفق قرار حكومي، وأي زيادة فهي من طرف المضاربين الذين أظن أنهم أعلنوا الحرب على الحكومة التي سنت قانونا نهاية 2021، لمكافحة المضاربة عبر إقرار عقوبات تصل إلى 30 سنة وحتى المؤبد في الظروف الاستثنائية على المضاربين".
ويتابع "أما مشكلة الدقيق فالمشكل غير واضح هل هو في ديوان الحبوب أم في المطاحن أم المصانع، لم نفهم شيئاً من التبريرات، الجزائر من أكبر المستوردين للقمح في العالم ويقف المواطن في طابور طويل للظفر ببعض الكيلوغرامات".
فشل حكومي
ما يعيشه الجزائريون قبل رمضان وخلاله من الوقوف في طوابير طويلة للظفر بقوت عائلاتهم، تحول إلى غضب في العالم الافتراضي، حيث أطلق رواد منصات التواصل الاجتماعي حملات لإقالة وزير التجارة كمال رزيق الذي "استفز" الشارع الجزائري عشية رمضان بوصفه "الطوابير" بـ "السلوك الحضري الذي يقضي على الفوضى والتهافت على شراء السلع"، وذلك بعد تعهده بتوفير كل السلع واسعة الاستهلاك خلال الشهر الفضيل بأسعار منخفضة، وهو ما لم يحصل.
ويرى الخبير الاقتصادي، سامي بوغليط أن "الحكومة أبانت عن ضعف لافت في تسيير الملفات المعيشية للمواطن، بل في كثير من الأحيان كانت تستفز المواطن بتصريحات غريبة ترجع الأزمة لجهات أجنبية وغيرها من الأمور التي لا يتقبلها العقل".
ويضيف أن "حملات التواصل الاجتماعي التي يقوم بها وزير التجارة كمال رزيق، بنشر صورٍ له في مخازن مادة زيت الطعام والحليب، تبقى ذات تأثير افتراضي ولم تغير في الواقع شيئا، فالأزمات تحل في الميدان وليس عبر فيسبوك".
ويحذر الخبير الاقتصادي، في حديث مع "العربي الجديد" من "الإفراط في كبح الواردات وهو الفخ الذي وقعت فيه الحكومة سنة 2021، فبلغة الأرقام استطاعت خفض تدفق الواردات، ولكن كان ذلك على حساب قوت وصحة الجزائريين وهو أمر يجب مراعاته في 2022، إذ يجب التفريق بين كبح الواردات وبين ترشيدها".