الصين تهز أسواق المال... النفط يتراجع والمستثمرون يهربون الدولار

16 اغسطس 2022
تراجع كبير في مؤشر هانغ سانغ في هونغ كونغ (Getty)
+ الخط -

يراقب المستثمرون في أنحاء العالم بقلق شديد تراجع مؤشرات النمو الاقتصادي الصيني في يوليو/ تموز الماضي، فقد تراجعت مجموعة مؤشرات رئيسية في بكين، من بينها مؤشر نمو تجارة القطع، ومؤشر أسعار العقارات، كما تراجع معدل التوظيف بين الشباب.

ويلاحظ أنّ مؤشرات أسواق المال العالمية في أوروبا وآسيا تراجعت بنسب متفاوتة، كما تراجعت أسعار النفط وبعض المعادن، وفي المقابل افتتحت سوق "وول ستريت"، أمس، مرتفعة بسبب مخاوف المستثمرين من الخسائرقبل أن تعود للتراجع.
وفي السنوات الأخيرة أصبح الاقتصاد الصيني المحرك الرئيسي الذي يقود النمو الاقتصادي العالمي، وباتت صناديق الاستثمار وكبار البنوك التجارية ومديرو الثروات يراقبون بحذر شديد حركة الاقتصاد الصيني، إذ إنه أصبح من أهم أعمدة الاستثمار بأسواق المال العالمية.
في هذا الشأن، تُقدر بيانات نشرة "مورنينغ ستار" الأميركية، سوق السندات الصينية بنحو 19 تريليون دولار، أي ما يعادل 15% من إجمالي سوق السندات العالمية والسوق الثاني بعد السوق الأميركي. كما يقدر حجم سوق المال الصيني بنحو 12.2 ترليون دولار، ثاني أكبر سوق في العالم. ويضاف إلى هذا الحجم الضخم لسوق المال الصيني وأدواته المالية، قيمة الأسهم الصينية المسجلة في البورصات الأميركية والبالغ عدد شركاتها 261 شركة، وتقدر قيمتها السوقية بنحو 1.3 تريليون دولار، حسب بيانات سوق وول ستريت.
لهذه الأسباب الرئيسية يتحسب المستثمرون للبيانات الأخيرة حول تراجع مؤشرات الاقتصاد الصيني. وحسب بيانات مكتب الإحصاء الصيني في بكين الصادرة يوم الأربعاء الماضي، نما الناتج الصناعي في الصين بنسبة 3.8% في يوليو/تموز مقارنة بالعام السابق 2021، وهو معدل نمو معقول لكنه غير مقبول، إذ يواجه الاقتصاد الصيني في الوقت الراهن مشكلة في قطاع الخدمات الذي تراجع في يوليو/ تموز الماضي إلى نسبة 2.7%، وهو معدل أقل من معدل النمو في شهر يونيو/ حزيران البالغ 3.1% وأقل من توقعات الخبراء بنسبة 5.0%.
وكانت الحكومة الصينية قد ركزت على قطاع الخدمات، وتأمل أن يزيد النمو الاقتصادي للبلاد، وبالتالي تقليل حجم انكشاف الاقتصاد أمام التوترات التجارية والجيوسياسية مع الولايات المتحدة.
وحسب البيانات الصينية التي أعلنتها بكين يوم الأربعاء، ارتفع معدل البطالة بين الشباب في الصين إلى نسبة 19.9% في يوليو/تموز الماضي، وهو معدل كبير. وارتفاع نسبة البطالة بين الشباب يعد مقلقاً بالنسبة للمستثمرين في أدوات المال الصينية من السندات إلى الأسهم، لأن وظائف الشباب ترفع معدل الاستهلاك المحلي، وتدعم القوة الشرائية، وبالتالي تدعم زيادة معدل النمو الاقتصادي المعتمد على الداخل بالبلاد.

ولاحظت مصارف استثمارية أن هذه المؤشرات السالبة لنمو الاقتصاد الصيني، أدت إلى خفض البنك المركزي الصيني نسبة الفائدة المصرفية بـ 10 نقاط أساس إلى 2.75% أمس الاثنين.
ويتخوف المستثمرون الأجانب من تداعيات تراجع النمو الاقتصادي الصيني على استثماراتهم في السندات السيادية الصينية التي حصدت تدفقات مالية ضخمة في عام 2020. ومن دلائل قلق المستثمرين من السندات الصينية، البيانات التي نشرتها نشرة "نيكاى أشيا" اليابانية وقالت فيها إن المستثمرين الأجانب خفضوا حجم تدفقاتهم المالية في السندات المقومة باليوان منذ فبراير/شباط لتبلغ 558.77 مليار دولار في إبريل/ نيسان. وهذا المعدل أقل بنسبة 2.8% عن حجم الاستثمارات الأجنبية في السندات الحكومية في مارس/آذار الماضي.
وفي هذا الصدد تشير بيانات معهد التمويل الدولي في واشنطن إلى هروب المستثمرين الأجانب من السندات السيادية الصينية في الربع الأول من العام الماضي. ويعود ذلك إلى تراجع العائد على سندات الحكومة الصينية أجل 10 سنوات إلى معدل أقل من العائد على السندات الأميركية لنفس الأجل. وبينما يواصل مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) رفع الفائدة المصرفية على الدولار يخفض البنك المركزي الصيني الفائدة على اليوان.
ويرى مصرف "دويتشه بنك" الألماني في هذا الصدد، أن "بنك الشعب"، البنك المركزي الصيني، عبر رفع الفائدة بنسبة 0.01%، أمس الإثنين، يرسل إشارة واضحة للأسواق المالية بأنه يعطي أولوية في الوقت الراهن لدعم النمو الاقتصادي. وعادة ما يقود تيسير السياسة النقدية إلى زيادة الاستدانة من قبل القطاع الخاص، وهو ما يترجم في التوسّع الاقتصادي وتعزيز القوة الشرائية. وكان مصرف "جي بي مورغان" الأميركي قد توقع في وقت سابق أن تخفّض الصين الفائدة المصرفية.

وبينما تثار مخاوف الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة وأوروبا ويهرب المستثمرون من السندات الأوروبية وأسهم بعض الشركات الأميركية يملأ المستثمرون الرعب من حدوث تراجع كبير في النمو الاقتصادي بالصين. في هذا الصدد، يقدر مصرف "جي بي مورغان" الأميركي في دراسة على موقعه، أن ينمو الاقتصاد الصيني بنسبة 5.0% خلال العام الجاري، وهو معدل أدنى من المعدل المستهدف لدى الحكومة الصينية البالغ 5.5%. وتعود نسبة النمو المنخفضة للاقتصاد الصيني هذا العام إلى ثلاثة عوامل رئيسية، الأول مخاطر انهيار بعض شركات الإنشاءات والقطاع العقاري الذي يعدّ من أهم مكونات الاقتصاد الصيني، والثاني سياسة "صفر كوفيد" المكلِّفة التي انتهجتها الصين وأدت إلى إغلاق منطقة شنغهاي في مايو/ أيار الماضي، وهي من مناطق النشاط الاقتصادي الرئيسية في الصين.
ورغم أن الصين تتجه لفتح المدارس في بداية سبتمبر/أيلول المقبل، فإنّ تداعيات جائحة كورونا على النمو الاقتصادي الصيني تبدو غامضة حتى الآن. أما العامل الثالث فهو تداعيات التوتر السياسي بين بكين وواشنطن وتداعياته على حجم التبادل التجاري بين البلدين.
على صعيد مخاطر القطاع العقاري، يواجه قطاع الإنشاءات في الوقت الراهن أزمة تمويلات جديدة وتراجع كبير في الطلب. ويقدر مصرف "جي بي مورغان" نسبة شركات القطاع العقاري التي تواجه مخاطر عالية، وربما تفشل في تسديد ديونها خلال العام الجاري بنحو 15.4% من إجمالي قطاع العقارات الذي يشكّل نسبة تتراوح بين 14 إلى 15% من إجمالي الناتج المحلي الصيني. ويقدر حجم الاقتصاد الصيني حالياً بنحو 18 تريليون دولار، حسب بيانات مكتب الإحصاء الوطني ببكين، لكن إحصاءات مستقلة تضعه لدى حجم 14 تريليون دولار.
ويعد قطاع الإسكان من القطاعات المهمة في الاقتصاد الصيني، فهو يحرّك النشاط التجاري في قطاعات عديدة، مثل قطاع تجارة الأثاث والأدوات المنزلية. وكانت الصين قد توسّعت في قطاع الإنشاءات في العقد الماضي ليبلغ القطاع ذروته في عام 2017. ويتوقع تحليل "جي بي مورغان" أن يواصل الطلب على قطاع المساكن في الصين التراجع خلال السنوات المقبلة، وبنسبة سنوية قد تصل إلى 47% حتى عام 2030.

على صعيد معدل التضخم، تبدو الصين في وضع مريح مقارنة بما يحدث من ارتفاع جنوني وغلاء أسعار في أميركا وأوروبا. ويقدر المكتب الوطني للإحصاء في بكين أن يبلغ معدل التضخم السنوي لهذا العام نحو 3.0%، وحتى الآن تشير البيانات الحكومية إلى أنّ معدل التضخم أقل من التقديرات الرسمية. وحسب بيانات مكتب الإحصاء الوطني الصيني بلغ مؤشر أسعار المستهلكين نسبة 2.7% في يوليو/ تموز. واستفادت الصين في خفض معدل التضخم من الاحتياطات الضخمة التي احتفظت بها من المواد الغذائية الرئيسية خاصة احتياطات الأرز والقمح. كما استفادت في لجم التضخم من حصول شركاتها على نفط ومشتقات بترولية بأسعار منخفضة من روسيا. وهذا العامل ساهم في خفض كلف الإنتاج والتوزيع بالصين. وبالتالي يلاحظ أن الصين تكاد تكون خرجت من الحرب الروسية على أوكرانيا بمكاسب اقتصادية كبيرة مقارنة بخسارة الاقتصادات الرأسمالية.

المساهمون