تجهد شركات الشحن الصينية العملاقة لتزيد نفوذها في منطقة البحر الأحمر، وصولاً إلى أوروبا، مستغلة في ذلك امتناع قرابة خمس من كبريات شركات الشحن في العالم وكلها أوروبية وإسرائيلية، عن العبور بالشريان التجاري العالمي بعد استهداف الحوثيين في اليمن المكثف للسفن المتجهة إلى إسرائيل ردأ على العدوان الإجرامي لجيش الاحتلال على قطاع غزة وفرض حصار مميت على سكانه بمنع الغذاء والدواء.
وجاء تعليق المرور في البحر الأحمر من جانب شركات "البحر المتوسط للشحن" (MSC) السويسرية التي جاءت في الترتيب الأول عالمياً، وميرسك الدنماركية التي حلت ثانياً، و"CMA CGM" الفرنسية التي استحوذت على التصنيف الثالث، و"هاباغ لويد" الألمانية التي حلت خامساً، و"زيم" الإسرائيلية الثامنة عالمياً خلال عام 2022، وفق موقع "Alphaliner" المتخصص في بيانات الملاحة الدولية. كما أعلنت شركة النفط البريطانية "بي.بي" تعليق جميع عمليات النقل مؤقتاً عبر البحر الأحمر.
وبررت الشركات الخمس تعليق رحلاتها، بأن الإبحار في البحر الأحمر أضحى غير آمن، بينما يقول الحوثيون إن هجماتهم تقتصر على السفن الإسرائيلية وكذلك المتجهة إلى دولة الاحتلال أيا كانت جنسيتها، وأن ما دون هذه السفن ستكون آمنة تماماً لدى مرورها.
أباطرة النقل البحري يطلبون الحماية
واستنفرت الهجمات الحوثية على السفن المتجهة إلى إسرائيل، ملاك الناقلات الغربية، حيث تستحوذ الشركات الخمس الممتنعة عن تسيير رحلاتها في البحر الأحمر على أكثر من نصف سعة الشحن العالمية، وطالبت رابطة "بيمكو"، التي تمثل أباطرة شركات الشحن العالمية في وقت سابق من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، بمزيد من الحماية العسكرية على الممرات البحرية في الشرق الأوسط، وذلك بالتزامن مع إعلان الولايات المتحدة الداعم الأكبر لإسرائيل محادثات مع دول أخرى حول تشكيل قوة بحرية لضمان "المرور الآمن للسفن في البحر الأحمر".
وفي مقابل امتناع هذه الشركات عن العبور تماماً في البحر الأحمر حتى إشعار آخر، كأداة للضغط على الأسواق الدولية للتحرك ضد هجمات الحوثيين، وفق محللين في الملاحة الدولية، تنشأ في الضفة المقابلة جبهة "تبدو محايدة" أو تبحث عن مصالح خاصة تدشنها خطوط شحن صينية ذات ترتيب عالمي أيضا، وتطمح في استغلال الفراغ الحاصل في المنطقة وتوسيع نفوذها ليس فقط في الممر الملاحي الحيوي، وإنما أيضا زيادة عملياتها في الأسواق الأوروبية الباحثة عن عمليات شحن مباشرة بكلفة ووقت أقل، لاسيما أن الصين باتت أكبر شريك تجاري لأوروبا بعد إزاحتها الولايات المتحدة من الصدارة منذ سنوات.
في الأثناء، أعلنت شركة "أورينت أوفرسيز" لخطوط الحاويات الصينية، والمعروفة باسم "OOCL" التي تتخذ من هونغ كونغ مقراً لها، عن وقف قبول البضائع من وإلى إسرائيل بأثر فوري وحتى إشعار آخر.
وأكدت الشركة في بيان مقتضب على موقعها الإلكتروني، مقتضب مطلع الأسبوع الجاري، أنها لم تحدد الموعد النهائي لعودة الحجوزات لدخول للموانئ الإسرائيلية.
كما أعلنت الشركة التايوانية "إيفرغرين"، أمس الاثنين، التوقف مؤقتاً عن قبول نقل البضائع الإسرائيلية، بينما لم تشر إلى وقف رحلاتها عبر البحر الأحمر.
وتضطر شركات الشحن المتمسكة بالتعامل مع إسرائيل إلى تحويل مسارات السفن خشية الاستهداف الحوثي، فبدلاً من عبور البحر الأحمر ومن ثم قناة السويس المصرية، تلتف السفن حول رأس الرجاء الصالح، وتدخل عبر مضيق جبل طارق، وصولاً إلى مياه البحر المتوسط، مما يؤدي إلى تأخير وصول السفن لمدة تتراوح بين أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع وربما شهر.
ويبدو أن إعلان شركات الشحن الخمس الكبرى وقف رحلاتها عبر البحر الأحمر، يحمل ضغطاً سياسياً وإعلامياً. ووفق البيانات الصادرة عن هيئة قناة السويس المصرية، فإن عدد السفن التي حولت مساراتها للعبور عبر طريق رأس الرجاء الصالح خلال الفترة من 19 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي وحتى صباح 17 ديسمبر/ كانون الأول الجاري بلغ 55 سفينة، بينما عبرت 2128 سفينة خلال تلك الفترة.
وفي السياق، قال الفريق أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس في مؤتمر صحافي، الأحد الماضي، أن ذلك اليوم شهد عبور 77 سفينة بإجمالي حمولات صافية قدرها 4 ملايين طن، من بينها بعض السفن التابعة لخطوط ملاحية أعلنت تحويل رحلاتها عن البحر الأحمر وبالتالي قناة السويس، حيث عبرت يوم الأحد ضمن قافلة الجنوب سفناً تابعة لشركات " MSC" السويسرية و"ميرسك" الدنماركية و"CMA CGM" الفرنسية.
وشدد رئيس الهيئة على أن قناة السويس ستظل الطريق الأسرع والأقصر، حيث تصل معدلات الوفر للرحلات المتجهة عبر قناة السويس بين قارة آسيا وأوروبا من 9 أيام إلى أسبوعين وفقا لمينائي القيام والوصول.
وربما تزيد هجمات الحوثيين المستثمرة ضد السفن الإسرائيلية والأجنبية المتعاملة مع إسرائيل من حالة الاستقطاب التي يشهدها قطاع الشحن. ولطالما بحثت السفن الصينية عن دور أكبر في ممرات الشحن العالمية، خاصة الواصلة إلى أسواقها الكبرى ومنها أوروبا.
قفزة في التجارة بين الصين وأوروبا
ووفق البيانات الصادرة في فبراير/شباط الماضي عن مكتب الإحصاء الأوروبي "يوروستات"، قفز إجمالي حجم التجارة بين الاتحاد الأوروبي والصين بنسبة 23% على أساس سنوي في 2022، ليصل إلى 856.3 مليار يورو (912.6 مليار دولار).
ونما إجمالي حجم التجارة بين الصين وألمانيا أكبر اقتصاد في اوروبا بنسبة 20.9% على أساس سنوي ليصل إلى 297.9 مليار يورو (318.8 مليار دولار)، وفقا لما ذكرته وكالة الإحصاءات الفيدرالية الألمانية "ديستاتيس". وظلت الصين أهم شريك تجاري لألمانيا على مدى سبع سنوات متتالية.
كما تشير بيانات الجمارك الصينية إلى أن التبادلات بين الصين وفرنسا تجاوزت 81.2 مليار دولار، حيث بلغت الصادرات الصينية إلى هذه الدولة نحو 45 مليار دولار.
ووفق تقرير لشركة الأبحاث " تشابنا باور" اطلعت عليه "العربي الجديد"، فإن عقود النمو الاقتصادي، مكنت الصين من وضع نفسها في قلب التجارة البحرية العالمية، لافتة إلى ان ذلك أتاح لها نفوذاً أكبر على تدفق البضائع حول العالم.
وذكر أن الصعود السريع لاقتصاد الصين على الساحة العالمية كان مدفوعاً إلى حد كبير بعقود من ارتفاع الصادرات. ومع تحرك ما يقرب من 80% من التجارة العالمية عن طريق البحر، يعد الاستفادة من شبكات الشحن البحري أمراً أساسياً في استراتيجية الصين للتنمية الاقتصادية القائمة على التصدير.
وبجانب شركة "أورينت أوفرسيز" (OOCL)، لدى الصين شركات شحن عملاقة منها "كوسكو" التي تأتي في الترتيب الرابع عالمياً وتلامس حصتها السوقية 7% من حجم الشحن البحري، وكذلك شركة " تشونغو اللوجستية" ( Zhonggu Logistics Corp)، و"أنتونغ القابضة" Antong Holdings))، و" سينو ترانس".
وبحسب شركات الاستشارات " Mordor Intelligence"، فإن من المتوقع أن تنمو الصناعة البحرية في الصين بمعدل سنوي مركب يزيد عن 3% خلال الفترة من 2023 حتى 2028.
وتستورد الصين وتصدر البضائع إلى كل دولة تقريباً على هذا الكوكب. ويزداد الطلب على السلع الصينية في جميع أنحاء العالم (إما السلع التامة الصنع أو المواد الخام). ويعد نقل البضائع البحرية أمراً بالغ الأهمية لاقتصاد الصين الموجه نحو التجارة، وقد لعب دوراً مهما في تنمية البلاد، وفق تقرير للشركة اطلعت عليه "العربي الجديد".
وأظهرت بيانات رسمية أصدرتها وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية يوم السبت الماضي، ارتفاع حجم إنتاج بناء السفن في البلاد بنسبة 12.3% على أساس سنوي إلى 38.09 مليون طن خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الحالي، ما يمثل 50.1% من إجمالي العالم.
وأشارت البيانات إلى ارتفاع الطلبات الجديدة بنسبة 63.8% على أساس سنوي إلى 64.85 مليون طن، لتصل إلى 65.9% من الإجمالي العالمي خلال الفترة المذكورة.