- تواري المطبعين عن الأنظار يكشف زيف ادعاءاتهم حول فوائد التطبيع، حيث توقفوا عن الدعوة لمد جسور السلام مع إسرائيل أو ترويج السياحة والاستثمارات المشتركة بسبب الضغوط والمقاطعة للمنتجات الإسرائيلية.
- حرب غزة أحدثت تغييرًا جذريًا في نظرة المنطقة لمشروعات التطبيع، مؤثرة حتى على الدول ذات العلاقات الطويلة مع إسرائيل مثل مصر والأردن، مما يعكس تزايد التعاطف مع القضية الفلسطينية ومقاطعة المنتجات الداعمة للاحتلال.
يتوارى الصهاينة العرب والمطبّعون الجدد عن الأنظار هذه الأيام، لا تسمع لهم صوتاً أو ركزاً ولو خافتاً وضعيفاً، أو حتى من باب الدفاع عن مواقفهم المخزية والمخجلة من القضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
ولا أعرف إن كان يخجل هؤلاء من مواقفهم السابقة ونادمين عليها أم لا، في ظل المذابح المروعة التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد أهالي غزة منذ أكثر من 7 أشهر، والتي تفوق في خستها ونذالتها وإجرامها ووحشيتها مذابح هتلر ضدهم، أو المذابح التي ارتكبها الطغاة على مر العصور بحق شعوبهم، أو شعوب البلدان المحتلة الأخرى.
لكن المؤكد أن هؤلاء المطبعين الجدد والقدامى يتوارون خجلاً في تلك الأيام الصعاب على قلوبهم والقاسية على أنفسهم، والتي عرّتهم كلية، وكشفت زيف ما يسوقونه للعامة من أكاذيب وعمليات خداع للتعايش مع التطبيع، وكأنه أمر واقع أو أنه يصب في مصلحة الشعوب العربية.
المؤكد أن هؤلاء المطبعين الجدد والقدامى يتوارون خجلاً في تلك الأيام الصعاب على قلوبهم والقاسية على أنفسهم، والتي عرّتهم كلية
فلا أحد يجرؤ ويخرج علينا داعياً إلى مد جسور السلام مجدداً مع القتلة في إسرائيل، أو يحاول غسل سمعة دولة الاحتلال القذرة، أو يدعو إلى إبرام صفقات تجارية واتفاقات استثمارية مشتركة مع شركات ورجال أعمال إسرائيليين.
أو يعلن عن ضخ مزيد من مليارات الدولارات من الأموال والثروات العربية في شرايين الاقتصاد الإسرائيلي الذي ينزف بشدة هذه الأيام بسبب تكاليف الحرب وهروب الأموال والاستثمارات والسياح الأجانب.
لا أحد من الصهاينة العرب عاد يتحدث عن مستقبل التعاون الاقتصادي والمالي مع دولة الاحتلال، ولا أحد بمقدوره الترويج لأسواق السياحة الإسرائيلية داخل المنطقة العربية وحتى الأسواق العالمية، أو يروج لوفود تقل سياحاً عرباً لتل أبيب وغيرها من المدن المحتلة، أو تدشين خط طيران بين عاصمة عربية وعاصمة الاحتلال والمدن المحتلة وفي مقدمتها القدس.
ولا أحد يمكنه الدعوة لفتح الأسواق العربية أمام المنتجات والسلع الإسرائيلية، أو تلك القادمة عبر طرف ثالث وجبل علي وموانئ الإمارات والبحرين، أو يتحدث عن استكمال إجراءات تأسيس صندوق استثمار ضخم بقيمة 10 مليارات دولار، هدفه الاستثمار في أصول وأنشطة داخل دولة الاحتلال والمستوطنات والجولان المحتل، أو عن توسيع اتفاقية الكويز، وزيادة نسبة المكون الإسرائيلي في السلع العربية المصدرة للولايات المتحدة.
وبالطبع لا تجرؤ حكومة عربية على الحديث علناً عن إبرام صفقات جديدة لاستيراد الغاز الطبيعي من دولة الاحتلال وبمليارات الدولارات، أو الدخول في تعاون مشترك للبحث والتنقيب عن الغاز والنفط في منطقة شرق البحر المتوسط.
لا تجرؤ حكومة عربية على الحديث علناً عن إبرام صفقات جديدة لاستيراد الغاز من دولة الاحتلال، أو الدخول في تعاون مشترك للبحث والتنقيب عن الغاز والنفط
حتى الحديث عن مشروعات كبرى جرى الاتفاق على تأسيسها بالفعل سابقا فإن الصهاينة العرب يتوارون خجلاً من الحديث عنها، ولو بالتلميح أو حتى السؤال عن مصير أموالهم التي ضخوها بالفعل في شرايين الاقتصاد الإسرائيلي، في ظل سباق الصناديق السيادية العالمية، وبنوك الاستثمار الكبرى، على التبرؤ من الاستثمار داخل دولة الاحتلال، والضغوط الشديدة التي يمارسها الطلاب بالولايات المتحدة على إدارات الجامعات الأميركية لسحب استثماراتها وأموالها من داخل إسرائيل.
وليس في مقدرة الصهاينة العرب ورجال الأعمال القريبين منهم والمحسوبين عليهم، الضغط على إدارات الجامعات العالمية التي يقدمون لها المساعدات المالية والمنح السخية، بفصل أي طالب يتعاطف مع القضية الفلسطينية وأهالي غزة. والدليل ما يحدث داخل جامعة كولومبيا.
ببساطة، مشروعات التطبيع مع الكيان الصهيوني دُفنت في مقبرة محصنة وباتت من الماضي، والأسواق العربية أغلقت أبوابها في وجه السلع والمنتجات الإسرائيلية، بل وأمام منتجات الشركات الداعمة للاحتلال.
ودفن معها حلم في أن تتحول إسرائيل إلى مركز الأعمال والمال والتجارة الأول في الشرق الأوسط، والسوق الأكثر جذباً للاستثمارات العربية والأجنبية، وواحة الاستثمار المفضلة ليس فقط داخل منطقة الشرق الأوسط بل العالم.
لقد أحدثت حرب غزّة تغييراً جذرياً تجاه مشروعات التطبيع في المنطقة، ولجمت جماح تلك المشروعات العلنية والمجانية والسريعة، وأجهضت خطط التقارب التجاري والاقتصادي والمالي والسياحي السريع وغير المسبوق بين حكومات عربية وحكومة نتنياهو المتطرفة.
أحدثت حرب غزّة تغييراً جذرياً تجاه مشروعات التطبيع في المنطقة، ولجمت جماح تلك المشروعات العلنية والمجانية والسريعة
بل وشاهدنا هذا التحول داخل الدول التي تقيم علاقات سياسية واقتصادية منذ سنوات طويلة مع دولة الاحتلال، كما هو الحال مع مصر والأردن، حيث حملات شعبية واسعة ضد حرب غزة، ومقاطعة واسعة لسلع ومنتجات الدول الداعمة للاحتلال، وتعاطف شديد مع القضية الفلسطينية بعد أن بذل الصهاينة العرب مليارات الدولارات لدفنها.
بل ظهر التحول أيضاً داخل الدول التي أبرمت اتفاقات سلام في السنوات الأخيرة، أو كادت أن تدخل في شريعة التطبيع وعطلتها حرب غزة الأخيرة، مثل السعودية والمغرب والسودان.