الصندوق الأسود لمصارف لبنان... توقيف رياض سلامة يفتح ملفات فساد

11 سبتمبر 2024
وقفة احتجاجية للمطالبة بالودائع المجمدة أمام مصرف لبنان المركزي (جوزيف عيد/فرانس برس)
+ الخط -

يتصدّر القطاع المصرفي في لبنان المشهد منذ أواخر عام 2019، إبّان نشوب أسوأ أزمة اقتصادية ومالية في تاريخ البلاد وعلى مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، حسب وصف البنك الدولي، إذ انهارت العملة الوطنية وعمدت البنوك إلى احتجاز ودائع الناس ولا تزال، مع تحرير "فتاتٍ" منها، مع قيودٍ وسقوفٍ شهرية.

وأضاءت مجموعة البنك الدولي في أكثر من تقرير لها على الأزمة اللبنانية، مشددة على ضرورة إعادة هيكلة القطاع المصرفي على نحو منصف، مع تأكيد ضرورة المضي قدماً في توزيع الخسائر المالية بصورة أكثر إنصافاً، للمساعدة في وضع الاقتصاد اللبناني على مسار التعافي.

وعمدت المنظومة السياسية والمصرفية، لا سيما كبار السياسيين والمصرفيين في لبنان، مع بدء "انبعاث" رائحة الأزمة إلى تحويل أموالها إلى الخارج، والتعتيم على الكارثة التي حلّت بأموال المودعين، وجنى عمرهم، قبل أن تنفجر القضية، وتضع البنوك يدها على الودائع، خصوصاً الدولارية منها، في وقتٍ حلّق فيه الدولار عالياً ودخلت السوق السوداء على الخطّ، وهوت قيمة الليرة وحلّ الغلاء الفاحش، مقابل تآكل رواتب الناس والموظفين.

وشهد الشارع اللبناني في مطلع الأزمة سلسلة اقتحامات للبنوك ومواجهات مع أصحابها وموظفيها دفعها لاتخاذ قرار الإضراب والإقفال أكثر من مرة، قبل أن يبدأ بعض المودعين بمحاولة أخذ أموالهم بالقوة، وعمد آخرون إلى سلك المسار القضائي، الذي توسّعت دائرته مع الوقت داخلياً، وخارجياً، ولا سيما أوروبياً.

رياض سلامة الصندوق الأسود

يُعتبر رياض سلامة، حاكم البنك المركزي "سابقاً"، مهندس الانهيار المالي في لبنان والصندوق الأسود للمنظومة، ومالك أسرارها، وهو يحاكم حالياً، وموقوفٌ وجاهياً، بواحدٍ من الملفات التي ارتبط اسمه بها ضمن قضايا الفساد والجرائم المالية.

وفرضت ثلاث دول؛ هي الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا، عقوبات على سلامة، وأربعة آخرين مقرّبين منه، بسبب "التصرفات الفاسدة وغير القانونية التي ساهمت في انهيار حكم القانون في لبنان"، وذلك وفق تعبير وزارة الخزانة الأميركية.
واستُهدف هؤلاء الأفراد على حدّ قول وزارة الخارجية الكندية لتورطهم في أعمال فساد كبيرة تشمل اختلاس أصول عامة لتحقيق مكاسب شخصية وتحويل الربح من الفساد إلى دول أجنبية.
وحول آخر تطورات التحقيق مع سلامة أصدر قاضي التحقيق الأول في بيروت بلال حلاوي، أول من أمس الاثنين، مذكّرة توقيف وجاهية بحق حاكم البنك المركزي السابق رياض سلامة، وذلك بعد الاستماع إليه في جلسة استمرّت لنحو ساعتين.
وعُقِدت جلسة الاستجواب صباح أول من أمس، وسط إجراءاتٍ أمنية مشدّدة أمام قصر العدل في بيروت، حيث حضر سلامة مخفور اليدين ودخل القاعة على وقع هتافات المتظاهرين الذين احتشدوا في محيط المكان مطالبين القضاء بتوقيفه وإنزال أشد العقوبات به، في ظلّ الجرائم المالية التي ارتكبها وسياساته التي أدت إلى انهيار العملة الوطنية واحتجاز ودائعهم في البنوك.
وتحمّل جمعية المصارف في لبنان الدولة ومؤسساتها مسؤولية تبديد ما يزيد عن 121 مليار دولار من أصل 124 مليار دولار كانت مودعة في المصارف عشية 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، مشيرة أيضاً إلى أن مصرف لبنان أهدر على دعم التهريب والتجار والليرة حوالي 23 مليار دولار منذ بداية الأزمة من التوظيفات الإلزامية للمصارف.
وبات القطاع المصرفي اللبناني منذ عام 2019 خارج المنظومة المالية العالمية، وبعيداً عن أداء دوره التقليدي، خصوصاً لناحية تقديم الخدمات والقروض، وامتنع منذ أغسطس/ آب 2023، مع تسلّم وسيم منصوري منصب حاكم البنك المركزي بالإنابة، عن إقراض الدولة، علماً أنّ هذا المسار الذي سلك لعقودٍ كان من أبرز أسباب الأزمة الراهنة.

الفساد وراء انهيار القطاع

في الإطار، يقول عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي عدنان رمال لـ"العربي الجديد" إنّ الفساد أثر بشكل كبير جداً على النظام المصرفي، وبانهياره انتقلنا إلى الاقتصاد أو التعامل النقدّي.

ويلفت رمال إلى أنّ "النظام المصرفي في لبنان بحالة فشل وانهيار، ومن الأسباب الأساسية التي أدت إلى ذلك، الفساد الإداري والسياسي والمصرفي والمالي، حيث إننا من جهة أمام فساد في النظام المصرفي وكذلك عدم كفاءة المصرفيين لإدارة المحفظات المالية والودائع التي كانت بعهدتهم وتم وضعها بتصرّف الحكومات المتعاقبة التي أهدرت جزءاً كبيراً من الأموال على مشاريع غير إنتاجية ومن خارج خطط إصلاحية شاملة، لعلّ أبرزها الكهرباء، القطاع الأكثر هدراً للمال العام"، مشيراً إلى أنّ "جميع المصاريف الضخمة للدولة اللبنانية كانت تُموَّل طوال السنوات الماضية من ودائع الناس".
ويضيف الاقتصادي اللبناني: "من الأسباب أيضاً تثبيت سعر صرف الليرة لأكثر من عشرين عاماً، وتسرّب الدولارات للخارج، سواء عبر الاستهلاك أو السفر، إلى جانب فوائد الدين العام، إذ إن المدفوعات السنوية للفوائد وعجز الميزانيات وصل إلى حدود ستة مليارات دولار"، لافتاً إلى أن "الفساد يؤدي إلى هروب الاستثمارات التي تأتي من الخارج أو الداخل، كما أن تصعيب عملية الحصول على تراخيص للمستثمرين، سواء من الأجانب أو العرب أو اللبنانيين، يؤدي إلى الإحجام عن الاستثمار، وتالياً عدم وجود نظام مصرفي فعّال".

عدم الكفاءة

يشير رمال إلى أنّ نتيجة عدم كفاءة المعنيين في القطاع والفساد حصل الانهيار الكامل للنظام المصرفي، وذهبت ودائع الناس من غير أن يُعرف مسارها، فهناك 88 مليار دولار ودائع، بينما الاحتياطات النقدية الموجودة هي بحدود 10.5 مليارات دولار".

تحمّل جمعية المصارف في لبنان الدولة ومؤسساتها مسؤولية تبديد ما يزيد عن 121 مليار دولار من أصل 124 مليار دولار كانت مودعة في المصارف عشية 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019


كذلك، يتوقف رمال عند طمع المصرف بفوائد الدين العالية عند تمويله الدولة اللبنانية، حتى إنّه أحجم عن تسليف القطاع الخاص وأقفل التسهيلات مقابل فتحها للدولة والاستثمار بسندات اليوروبوند وغيرها، من دون أن يوزّع أقله المخاطر والمحافظ كما تفعل القطاعات المصرفية.
من ناحية ثانية، يشير رمال إلى أن "الحرب الدائرة على الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة منذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لم تؤثر على سعر الصرف، ولا على النظام المصرفي، باعتبار أنه معطَّل أساساً ومنهار ومتوقف عن الدفع لأصحاب الحقوق وأصبح خارج المنظومة المصرفية العالمية، باستثناء البنوك المراسلة التي تستعمل للتحويلات من الخارج إلى الداخل والتجارة والاستيراد، مع دفع الودائع حسب التعاميم، عدا عن أنه أوقف منذ الأزمة كافة التسهيلات والتسليفات للقطاع الاقتصادي وللمواطنين والمستهلكين وغيرهم، وبالتالي نحن أمام نظام مصرفي غير فعّال وببقائه هكذا يستمر الاقتصاد بحالة انكماش".

المساهمون