تسعى الجزائر إلى تشديد الرقابة على طرق تسيير وإنفاق المال العام، وذلك من خلال سن قانون جديد يعيد رسم طرق منح الصفقات الحكومية والعمومية، يضمن الشفافية ويطوّق الفساد، بعدما كشفت قضايا النهب المفتوحة منذ 2019 في حق وزراء ومسؤولين سابقين، أن الصفقات العمومية أو "الحكومية"، كانت الغطاء لنهب المال العام.
وأرسلت الحكومة الجزائرية مشروع قانون جديد للصفقات العمومية إلى البرلمان، لمناقشته والمصادقة عليه قبل اختتام الدورة البرلمانية مطلع يوليو/ تموز القادم. وحسب الوثيقة التي اطلعت عليها "العربي الجديد"، فإن هذا القانون ينص على إنشاء نظام يصادق عليه البرلمان يمتاز بالسهولة والوضوح والاستقرار القانوني، وتعزيز الإنتاج المحلي والمؤسسات الصغيرة والصغيرة جدا والمؤسسات الناشئة وتعزيز الوصول إلى الطاقات المتجددة، عبر حرية الوصول إلى الطلب العمومي والمساواة في المعاملة بين المرشّحين والشفافية في الإجراءات.
وسبق لعدد من المسؤولين في الجزائر بينهم وزراء أن توبعوا وصدرت في حقهم أحكام سجنية إثر إدانتهم بتهم تتعلق بـ"مخالفة قانون الصفقات العمومية".
وفتح القضاء الجزائري منذ العام 2019 ملفات فساد، أدين فيها بالسجن النافذ رئيسا الحكومتين الأسبقان عبد المالك سلال وأحمد أويحيى وأكثر من عشرة وزراء آخرين، وعدد من رجال الأعمال.
وقدّر القضاء الجزائري في وقت سابق، خسائر الخزينة العامة جراء قضايا فساد وتلاعب بالمال العام من طرف مجموعة من المسؤولين الكبار في الدولة بحوالي 70 مليار دولار.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، أكدت رئيسة السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، سليمة مسراتي، أنها "تلقت 466 بلاغاً عن الفساد في ظرف سنة، منها 177 بلاغاً مجهول المصدر"، الأمر الذي يعكس كم الفساد المتزايد في البلاد.
ووفق مشروع القانون، فإن الدعوة للمنافسة يمكن إجراؤها وفق إجراءات الاستشارة من دون دعوة شكلية للمنافسة، في حالات استثنائية ويحل الإجراء التفاوضي المباشر وغيره، ويمكن أن تتعلق المفاوضات بأسعار وشروط تنفيذ الصفقة العمومية، بعدما كانت الصفقات العمومية بالتراضي، أي دون فتح طريق الترشح لها لاحتكار رجال الأعمال للصفقات الحكومية.
وفي إطار مكافحة الفساد ودون المساس بالعقوبات الجزائية أو التدابير القسرية، تقترح الحكومة في قانونها الجديد، إعداد مدونة للأخلاقيات والسلوك المهني من قبل الوزير المكلف بالمالية، موجهة للأعوان والموظفين العموميين المشاركين في إبرام الصفقات العمومية والحكومية، وتنفيذها ومراقبتها ويطلعون على محتواها ويتعهدون باحترامها كما يتعيّن على المتعامل المتعاقد توقيع التصريح بالنزاهة.
وتعدّ الصفقات العمومية والحكومية عقودا مكتوبة تبرم بمقابل من قبل المشتري العمومي، مع متعامل اقتصادي واحد أو أكثر، لتلبية حاجات المصلحة المتعاقدة وفق الشروط المنصوص عليها، ويمكن أن يكون المتعامل الاقتصادي شخصا أو عدّة أشخاص طبيعيين أو معنويين ملتزمين بصفقة، إما بصفة فردية أو في إطار تجمّع مؤقت للمؤسسات.
ولمواجهة الحالات الطارئة والاستثنائية، كالكوارث الطبيعية والصحية، سمحت الحكومة بتنفيذ الخدمات قبل إبرام الصفقات العمومية بموجب قرار معلل من طرف مسؤول الهيئة العمومية أو الوالي، في حالات خطر داهم يتعرض له ملك أو استثمار أو خطر يهدد النظام العام أو حالة طوارئ تتعلّق بأزمة صحية أو كوارث تكنولوجية أو طبيعية وتقتصر الخدمات التي يتم تنفيذها على ما هو ضروري لمواجهة الظروف المذكورة.
وفي تعليق على الخطوة الحكومية، قال وزير المالية الأسبق والمستشار الحكومي عبد الرحمن مبتول إن "قانون الصفقات العمومية هو الأداة التي يُعتمَد عليها في تنفيذ ميزانية الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية الإدارية، والتي تشملها نفقات الاستثمار وقسم كبير من نفقات التسيير وأي أموال طائلة وهائلة يتم صرفها عن طريق الصفقات، والتي تقدر بأكثر من 60 % من نفقات الموازنات".
وأضاف مبتول مع "العربي الجديد" أنه "لتنفيذ الصفقات العمومية على أحسن صورة، فإنها تتطلب موارد بشرية على درجة من الإحاطة والمعرفة القانونية والاقتصادية والمالية والتقنية والتسويقية، والتي تمكنها من دراسة الجدوى وإعداد دفاتر الشروط والرقابة والتقييم والإشراف وحسن التنفيذ، نظرا للمجال الواسع الذي تشمله الصفقات العمومية، لذلك من الضروري التدريب المستمر لمستخدمي الهيئات العمومية بصورة دائمة لمواكبة التغيرات والتطورات الحاصلة في مجال العقود والصفقات وطرق إدارة الميزانيات، خاصة مع النمط الجديد لميزانية الدولة ووسائل التواصل الحديثة والأمن والتكنولوجيات الجديدة".
وأوضح مبتول أنه بخصوص النقائص التي تشوب تسيير الصفقات العمومية في الجزائر، فإن "قانون الصفقات العمومية الحالي يعرف وجود أطراف كثيرة مشكلة للجنة الصفقات العمومية، مع غياب التكامل والتنسيق فيما بينها، إضافة إلى أن تأسس الشروط المتعلقة بمنح الصفقة في أقل العروض تكلفة أو سعرا، سيفتح المجال للمنافسة غير الشريفة أو عدم جدوى الصفقة".
وتابع: "المهم أن الشفافية والمساواة غائبتان في القانون الحالي، مع ضعف الرقابة والمتابعة في تنفيذ الصفقات، وكذلك عدم التحكم في تقدير تكلفة المشاريع أو تضخيمها وسوء تنفيذ المشاريع".