نجحت الدعوات المصرية لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية أو تلك الدول الداعمة لها وللحرب على قطاع غزة في زيادة الإقبال على المنتجات المحلية البديلة فيما يشتكي عدد من التجار والمستهلكين من عدم قدرة الشركات الوطنية على تلبية الطلب المتزايد على تلك المنتجات، فضلا عن استغلال البعض الفرصة لرفع الأسعار ومحاولة احتكار السوق أو طرح بدائل بجودة أقل.
وقد ساهمت المقاطعة الشعبية واسعة النطاق للبضائع الأجنبية التي تدعم إسرائيل في زيادة مبيعات منتجات الشركات المحلية بعد التحول الكبير في سلوك المستهلكين، خاصة في مجال المشروبات والأغذية والمنظفات، الأمر الذي قد يساهم في تعزيز الاقتصاد المصري.
كما يتنافس التجار وأصحاب المحال التجارية في استغلال زخم حملات المقاطعة لجذب أكبر عدد ممكن من الزبائن والحصول على حصة سوقية أكبر من منتجات الشركات المصرية البديلة بعد ارتفاع الطلب عليها.
في البداية يقول محمد عادل الموظف في إحدى شركات القطاع الخاص: منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة قررت المشاركة في حملات المقاطعة تضامنا مع أهلنا في فلسطين، والتي استجاب لها كثير من الأهل والأصدقاء، وامتنعنا عن شراء جميع منتجات الشركات الداعمة التي تقدم حسومات كبيرة للحفاظ على وجودها.
وأشار إلى أن بشاعة جرائم الاحتلال في قطاع غزة المستمرة للشهر الثالث على التوالي دفعت كثيرا من المواطنين إلى الانخراط والاستمرار في المقاطعة التي تحولت إلى أسلوب حياة ووسيلة احتجاج رمزي وفرصة لنمو كبير في مبيعات بعض المنتجات البديلة.
وأكد أنه رغم اتساع دائرة المقاطعة التي طاولت الكثير من المنتجات، خاصة الماركات أو العلامات الشهيرة من المشروبات الغازية أو المواد الغذائية أو مطاعم الوجبات السريعة والملابس وغيرها من بضائع الشركات المعروفة، إلا أن هناك شكاوى مستمرة من عدم توافر البدائل المحلية بشكل دائم وتراجع جودتها في كثير من الأحيان وفي كافة المناطق بالسوق المصري.
وأبدى عادل تخوفه من خطورة استعادة الشركات الخاضعة للمقاطعة لجمهورها بسبب عدم توافر البدائل المحلية أو قيام بعض التجار باستغلال الفرصة برفع الأسعار وجني أرباح باهظة، وطالب بضرورة اتخاذ قرارات تدعم المنتجات والصناعة المحلية وقيام الجهات الرقابية بمراجعة أسعار وجودة المنتج المصري.
ويقول فارس الرملي، وهو صاحب أحد متاجر المواد الغذائية في منطقة المنشية، وسط الإسكندرية (شمال)، لـ"العربي الجديد": نواجه تحديًا كبيرًا في ما يتعلق بنقص البضائع الوطنية وتأخر وصولها إلينا، وعلى الرغم من أن السوق يشهد طلبًا متزايدًا على هذه المنتجات، إلا أننا نجد صعوبة في تلبية احتياجات عملائنا، ويتسبب هذا النقص في فقدان الزبائن وتراجع المبيعات، وهو ما يؤثر سلبًا على أعمالنا.
ويضيف الرملي: نحن نستثمر في ترويج المنتجات الوطنية وتسويقها للمستهلكين، ولكن نقص البضائع وتأخر وصولها يعرقل جهودنا ويصعب علينا تلبية الطلب المتزايد على هذه المنتجات، ما يؤدي إلى خيبة أمل العملاء وضعف عزيمتهم تجاه مقاطعة البضائع الداعمة لإسرائيل، ونحن بحاجة ماسة لتوفير إمدادات كافية ومستمرة من المنتجات الوطنية لتلبية الطلب المتزايد.
ويوضح عيسى زاهر، وهو صاحب أحد متاجر المنظفات في ميدان الشهداء بالإسكندرية، أن الزبائن في مجاله كانوا أكثر إصرارًا وعزيمة على مقاطعة المنتجات الداعمة للصهاينة، وبخاصة مع توافر المنتج الوطني، ولكن مع زيادة الإقبال بدأت تنفد تلك المنتجات ويعاني المواطن من أجل الحصول عليها، وهو ما تسبب في حالة من الضيق والتراخي في الإصرار على المقاطعة.
وأضاف زاهر، متحدثاً لـ"العربي الجديد": نؤمن بأهمية دعم الصناعات المحلية وشراء المنتجات الوطنية، ولكن النقص الحالي في البضائع يجعلنا نواجه تحديات كبيرة، ونشعر بالإحباط لأن العملاء يتوجهون إلى المنافسين الذين يقدمون بضائع غير مرخصة وغير مضمونة، ونحن في حاجة إلى تعزيز التعاون بين الشركات والجهات الحكومية لاستثمار الوضع الحالي وضمان توفر البضائع الوطنية بشكل مستدام، وفي الوقت المناسب وبالجودة نفسها، وهو ما ينعش السوق المحلي ويقوي الاقتصاد الوطني.
ومن جانبه، يقول فرج محمد، وهو أحد تجار الجملة وموزعي البضائع على المحال التجارية بالإسكندرية، لـ"العربي الجديد": لم تتمكن الشركات المصرية من استغلال الفراغ الحادث في السوق بالشكل المناسب، وهو ما يثير تساؤلات حول أسباب هذا الفشل وتحدياته، وغياب دور الحكومة والمؤسسات المحلية في تشجيع المواطنين على دعم البضائع المصرية لتحقيق الاكتفاء الذاتي ودعم الاقتصاد.
وأضاف: يمكن القول إن تنافس المحال في مصر للحصول على حصة من إنتاج شركات البضائع المصرية ساهم في زيادة أسعار بعض المنتجات التي تجد إقبالًا كبيرًا من الزبائن وبديلة للمنتجات الداعمة لإسرائيل، وهو الأمر الذي يعكس حجم التحدي الذي تواجهه الشركات المصرية، والفرصة التي أتيحت للحكومة على طبق من ذهب، والتي تتمناها أي حكومة في العالم، ولكن يبدو أنها ستضيع هباءً، بسبب تلك التصرفات دون أن يلتفت إليها أحد.
وفي هذا السياق، يقول الباحث الاقتصادي وعضو مجلس إدارة الجمعية العلمية للصناعات الغذائية بالإسكندرية علاء حسب الله، لـ"العربي الجديد"، إن عجز الشركات المصرية عن السيطرة على السوق واستغلال إقبال المواطنين على منتجاتها كبديل للسلع الداعمة لإسرائيل يمكن تفسيره بوجود عدة أسباب أساسية، أولها يعود إلى التحديات الهيكلية والبنية التحتية التي تواجهها الشركات المحلية، مثل نقص التمويل والتكنولوجيا المحدودة وقلة البحث والتطوير.
يقول فارس الرملي، وهو صاحب أحد متاجر المواد الغذائية في منطقة المنشية، وسط الإسكندرية (شمال)، لـ"العربي الجديد": نواجه تحديًا كبيرًا في ما يتعلق بنقص البضائع الوطنية
وأضاف حسب الله أن هذه العوامل في بعض الأحيان قد تقيِّد قدرة الشركات على زيادة الإنتاجية وتحسين جودة المنتجات، ما يؤثر في قدرتها على المنافسة بفعالية في السوق.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن ثاني هذه الأسباب هو عدم القدرة على توفير إمدادات مستدامة ومستقرة من المواد الخام، وهو ما يؤدي دورًا مهمًا في قدرة الشركات على تلبية الطلب المتزايد على منتجاتها.
وأوضح حسب الله أن ثالث الأسباب هو القصور وعدم وجود وعي كافٍ في التسويق والترويج للمنتجات المحلية، إذ تحتاج الشركات المصرية إلى جهود مستمرة لتعزيز الوعي بالمنتجات المحلية وتسليط الضوء على جودتها وقيمتها المضافة، وقد يكون تحسين استراتيجيات التسويق والتواصل مع العملاء عاملًا حاسمًا لزيادة الطلب على المنتجات المحلية.
واختتم قائلًا: يجب أن نأخذ في الاعتبار أن العلاقات التجارية للشركات الكبرى والمسيطرة على السوق والتي توزع منتجات المقاطعة، لا تقتصر فقط على المستهلكين النهائيين، بل تمتد أيضًا إلى شركات التوزيع والموردين الكبار.