الشرق الأوسط الجديد

25 يناير 2024
إسرائيل ضرورية لواشنطن بصفتها القلعة المتقدمة لحماية المصالح الأميركية (أمير ليفي/ Getty)
+ الخط -

وسط الأخبار المزعجة عن قيام "موديز" بتخفيض درجة القابلية للدين لجمهورية مصر العربية من موجب إلى سالب، وزيادة التوتر في منطقة البحر الأحمر، وتبادل إطلاق النار على الحدود السورية الأردنية بفعل تهريب السلاح والمخدرات، وعدم وجود أفق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ولأن الضربات المتبادلة بين إسرائيل والمقاومة غير الحكومية ما تزال موجودة في جنوب لبنان وشمال إسرائيل، وزيادة ضراوة الحملات الإسرائيلية على مدن الضفة الغربية ومخيماتها على وجه الخصوص، واشتراك الولايات المتحدة في ضرب الحوثيين، وقتل قادة المنظمات الشعبية الإيرانية، وضرب إيران للأكراد داخل العراق، واستمرار السودان في حربها الأهلية، وضرب إسرائيل للمقاومة في سورية والعراق، وقيام تركيا بين الحين والآخر بضرب تجمعات حزب العمال الكردستاني في سورية والعراق، وعودة الوجود الروسي في الساحل السوري، والخلافات المسكوت عنها بين دولة الإمارات وبعض جيرانها في الخليج والمشرق العربي.... يثور السؤال الكبير: وماذا بعد؟

في عام 2013 حضرت ندوة في إحدى جامعات مدينة كراكوف البولندية، تحدث فيها المؤتمرون عن أن معاهدة سايكس- بيكو قد انتهت، وانتهت معها الجغرافيا التي تشكلت لتخدم مصالح الدولتين المستعمرتين وهما المملكة المتحدة وفرنسا، والتي أهملت حقوق الإثنيات في المشرق العربي.

ولذلك آن الأوان لتفادي كل تلك الأخطاء من أجل خلق شرق أوسط جديد يراعي الإثنيات والأعراق والقوميات المختلفة التي يعج بها الوطن العربي من أجل تحقيق السلام الدائم في هذه المنطقة المهمة في العالم.

ويتحدث كثيرون عن دراسات وضعت لرسم مستقبل جديد للشرق الأوسط، ومنها القديم الذي سبق أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، وهناك دراسات جاءت بعدها. وكلها تخطط للمنطقة بموجب تعريفات مختلفة.

فالشرق الأوسط حسب بعض المصادر يمتد من بنغلادش إلى لبنان شمالاً، ومن موريتانيا غرباً حتى الصومال على بحر العرب شاملة كل الوطن العربي وإسرائيل وإيران، وتركيا، وباكستان، وبنغلادش. ومنهم من يتبنى تعريفاً يبقي تركيا وإيران وإسرائيل ويلغي الدول في جنوب آسيا. ومنهم من يتكلم عن المشرق العربي بما في ذلك بلاد الشام والعراق ومصر ودول الخليج العربية.

وبغض النظر، فإن المنطقة المقصودة تحديداً هي الداخلة في التعريف الأخير بما فيها بلاد الشام (فلسطين)، والعراق، ومصر واليمن ودول الخليج الست.

وقد لفت نظري بوجه خاص ليس كتاب رئيس الوزراء ورئيس الدولة الإسرائيلي الأسبق شيمون بيريز في كتابه الموسوم "الشرق الأوسط الجديد" أو The New Middle East الصادر عام 1993، ولاحقاً كتاب ريتشارد هاس (R.N.Hass) رئيس مجلس الشؤون الدولية (Council on Foreign Relations) الأميركي بعنوان "إعادة التوازن: استراتيجية للشرق الأوسط للرئيس الجديد" ولكن الدراسة التي سرقت اهتمامي هي دراسة صادرة عن "معهد كارنيغي" "Carnegie Endowment" بعنوان الشرق الأوسط الجديد، والتي وضعها خمسة باحثين هم مارين عطاوي، نيثان براون، عمرو حمزاوي، كريم سجاد بور وأخيراً بول سالم والتي تتكون من (48) صفحة فقط، ونشرت عام 2008.

ويتحدث الباحثون فيها عن الحقائق الجديدة في الشرق الأوسط والأسلوب الذي يجب أن يتعامل العالم مع هذا الواقع الجديد.

وقد ركز المؤلفون في الفصل الأول عن أهم التغيرات في المنطقة ومن أهمها "كتلة العراق وإيران، وكتلة سورية ولبنان، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومشكلة الانتشار النووي، وفشل أجندة الحريات، والنزاعات الإثنية".

وقد خلصوا إلى تقديم مقترحات للتعامل مع الشرق الأوسط الجديد وقضاياه الأساسية، والتي تتحدد في التعامل مع إيران والأزمة النووية، ورسم منهج للعراق من أجل خروج القوات الأميركية من هناك. والسعي لحل مشكلة إسرائيل وفلسطين. وميزان القوى في المنطقة، وقضية الديمقراطية.

ومع أن الدراسة ليست عميقة بقدر ما هي أجندة، لكهنا كانت تركز على التطورات في المنطقة وتأثير ذلك على المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة. ويلاحظ أن معظم الكتاب الخمسة المشاركين في صنع البحث هم من أصول شرق أوسطية، ولكنهم يركزون على خلق سلم أولويات للمصالح الأميركية.

وقد بُنيت كل هذه الهندسة السياسية على فرضية أن الولايات المتحدة ما تزال "شرطي العالم" بصفتها القطب الوحيد في العالم آنذاك، وأنها قادرة على إعادة تنظيم المنطقة. ومع الاعتراف بأن الولايات المتحدة ما تزال القوة الأكثر تأثيراً في المنطقة، إلا أن اهتمامها بات محصوراً في نقطتين أساسيتين فقط. الأولى هي إسرائيل، والثانية هي ما تبقى من سنوات على استمرار الطلب على الوقود الأحفوري (النفط السائل والغاز، وكميات محدودة من الفحم الحجري غير الموجود في الشرق الأوسط).

وبحسب الدراسات، فإن الطلب على الوقود الأحفوري سيبقى حتى عام 2050. ولكن الطلب الكلي الثابت لا يعني أن الطلب المشتق على المنتجات المختلفة سيبقى ثابتاً. فسيكون هناك تحول من النفط السائل نحو الغاز خاصة في مجالي التقل (السيارات والناقلات)، وفي مجال توليد الكهرباء (تحول نحو الغاز).

وإسرائيل ضرورية للولايات المتحدة بصفتها القلعة المتقدمة لحماية المصالح الأميركية، ولأن إسرائيل يقف خلفها اللوبي الصهيوني الذي يموّل جزءاً مهماً من الحملات الانتخابية لأعضاء الكونغرس الأميركي. وبحسب مصادر "الأيباك"، فإن ثلاثة وثلاثين نائباً أميركياً فقط من أصل 435 لم يتلقوا دعماً انتخابياً منها.

ولهذا، ووفق المخطط الأميركي، فإن النتيجة التي يمكن استخدامها هي أنها لا تمانع في تجزئة أقطار الشرق الأوسط المهددة للنفط أو لإسرائيل. وهكذا يستثنى من هذا المخطط كل من الدول التي وقعت معاهدات مع إسرائيل أو الدول النفطية.

ووفقاً لهذه الرؤية، فإن ما نشهده الآن من صراعات وفتن يمكن رَصُّه كله في إطار حماية إسرائيل والمصالح النفطية للولايات المتحدة.

أما بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، فله ولجماعته مخططهم، والذي لا يختلف كثيراً في الأصل عن المخطط الأميركي الذي يتبناه الرئيس الحالي جو بايدن، أو مخطط الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي يحرص على إظهار أنه أكثر تأييداً لإسرائيل وأكثر صلابة في التعامل مع ما يجري في غزة أو مع الحدود اللبنانية أو في البحر الأحمر كمهددات للأمن الإسرائيلي وحرية مرور النفط والبضائع الأخرى عبر الممرات الضيقة في باب المندب، ومضيق هرمز وقناة السويس ومضيق جبل طارق، إنها- كما يقولون- الدول العميقة التي لها أجندة عابرة للرؤساء هناك وإن اختلفت لغة التعبير عنها.

فماذا يريد بنيامين نتنياهو إذن؟ إنه لا يريد دولة فلسطينية، ولكنه منفتح على تعديلات جغرافية في الإقليم تسمح لإسرائيل بمزيد من التغلغل الاقتصادي في الوطن العربي.

ولذلك، فإن فكرة الدولتين التي يقبل بها أحياناً تعني كيانين فقط ليس أحدهما فلسطين مستقلة، ويريد كذلك أن تصبح إسرائيل عراب المنطقة الاقتصادية والأمنية ليس بالاعتماد على الأمم المتحدة، بل عن طريق التفاهم مع الهند داخل الهند وفي أماكن أخرى.

ولذلك أيضاً نرى عدداً كبيراً من الهنود قد تغلغلوا في المراكز المتقدمة في الولايات المتحدة مثل كاميلا هاريس نائبة الرئيس الأميركي الحالية، ونيكي هيلي المرشحة للرئاسة القادمة، وتسعى لأن تكون نائبة للرئيس على الأقل، ورامس وامي الذي انسحب من الترشح للرئاسة وبات يطمع في منصب وزاري هام.

وهناك بالطبع رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك ذو الأصول الهندية. وبسبب هذا التحالف صرنا نسمع أصواتاً نشازاً من قبل المتطرفين الهندوس موجهة ضد عرب الخليج بالذات.

وسعى نتنياهو سابقاً لتأجير ميناء حيفا لشركة صينية، ولكن الأميركيين أجبروه على التخلي عن ذلك حتى لا تعطى الصين ورقة تفاوض مهمة تنفع إسرائيل بقيادة نتنياهو وتضر بالمصلحة الأميركية.

إسرائيل تنسق مع الولايات المتحدة والرأسمال اليهودي في العالم يخطط لتعزيز العلاقات خارج الغرب، متجهاً نحو الشرق. ولذلك، ستكثر الضغوط على الدولار. وهذا ما قالته الأسبوع الماضي وزيرة المالية الأميركية جانيت يلين في دافوس.

المساهمون