يسلط إعلان الإمارات وتركيا التصديق على اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بينهما، بنهاية مايو/أيار، الضوء على أهداف أنقرة وأبوظبي منها، في ظل اتجاه إقليمي لتصفير أزمات العلاقات السياسية واستبدالها بالتعاون الاقتصادي، ما انعكس في إبرام الاتفاقية في 3 مارس/ آذار الماضي، وسرعة التصديق عليها بعد أقل من 3 أشهر.
وتستهدف الاتفاقية إلغاء أو خفض الرسوم الجمركية على 82% من السلع والمنتجات أي ما يفوق 93% من مكونات التجارة البينية غير النفطية، ما يعزز حجم التجارة بين البلدين، الذي بلغ خلال العام الماضي 18.9 مليار دولار، محققاً زيادة بنحو 40% عن العام السابق.
وفي حين تأتي تركيا في المرتبة السادسة كأكبر شريك تجاري للإمارات في التجارة غير النفطية، تتجه الإمارات لأن تضخ مليارات الدولارات في السوق التركية باعتبارها فرصة استثمار واعدة، خاصة بعد مؤشرات الاستقرار السياسي بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
ومن المتوقع أن تسفر الاتفاقية عن خلق 25 ألف وظيفة عالية المهارة في الإمارات و100 ألف وظيفة في تركيا خلال السنوات العشر المقبلة، وفقا لما أوردته صحيفة "ذا ناشيونال" الإماراتية.
مرحلة سائلة
وفي هذا الإطار، يشير الخبير الاقتصادي حسام عايش، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن الشراكة الشاملة مع تركيا تمثل محاولة إماراتية لتوسيع دورها التجاري والاستثماري، خاصة في قطاع الطاقة، حيث إن تركيا في "مرحلة سائلة"، بمعنى أنها ترغب بمزيد من التعاون مع الدول الخليجية، باعتبارها الدول التي تملك الثروة والقدرة على الاستثمار.
ويوضح عايش أن هناك نقاط التقاء كثيرة في ما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية والتجارية بين تركيا ودول الخليج العربية، خاصة الإمارات والسعودية، سواء تعلق الأمر بالطاقة أو بالاستثمارات وبالاهتمامات الاقتصادية والتجارية المتبادلة.
ويلفت الخبير الاقتصادي، في هذا الصدد، إلى أن الإمارات تعد مركز توزيع إقليمياً وعالمياً للسلع والخدمات والمنتجات، وبالتالي تحاول تركيا أن تستفيد منها عبر تطوير العلاقات الاقتصادية معها.
ويضيف عايش أن الإمارات تحاول، في سعيها الخارجي، أن تركز على الأمن الغذائي والطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي، وتريد أن تجد أسواقا للاستثمارات، مشيرا إلى أن وضع السوق التركية الحالي ربما يكون مناسبا تماما للتوجه الإماراتي.
فاستثمارات غربية كثيرة تراجعت أو خرجت من تركيا، وبالتالي فإن البديل الإماراتي ربما يلعب دورا في إسناد الاقتصاد التركي، حسب ما يرى عايش.
مركز للطاقة
كما أن تركيا تتجه للتحول إلى مركز دولي للطاقة وتوزيعها، بينما كانت الإمارات في الصف المناوئ لتركيا في هذا المجال خلال الفترة الماضية، خاصة في ما يتعلق بطاقة الغاز المستخرجة من شرقي البحر المتوسط.
ولذا يرى عايش أن اتفاق الشراكة الأخير بين البلدين ربما يساعد على أن تكون الإمارات لاعبا في التوسط بين دول شرق المتوسط، وبالذات اليونان ومصر وتركيا وقبرص، في ما يتعلق بحقول الغاز.
ويلفت عايش إلى أن الإمارات يمكنها أيضا أن تلعب دورا، عبر الشراكة الاقتصادية مع تركيا بأبعادها السياسية غير المعلنة، في ما يتعلق بالمنطقة الاقتصادية الخاصة بين تركيا وليبيا في البحر المتوسط، بالنظر إلى أن الدولتين منخرطتان في تطورات الشأن الليبي.
وعن التبادل التجاري بين البلدين الذي وصل إلى 19 مليار دولار في العام 2022، يشير عايش إلى توقعات بأن يصل حجمه إلى 40 مليار دولار في السنوات الخمس القادمة، فضلا عما تمثله الشراكة بين البلدين من فرص عمل وفيرة للأيدي العاملة التركية.
فوائد تجارية
وبحسب الخبير الاقتصادي، فإن اتفاقية الشراكة تشمل أيضا محاولة لتخفيض الرسوم الجمركية على أكثر من 80% من السلع المتبادلة تجاريا، وبالتالي كأن سوقي البلدين أصبحا منطقة حرة للتجارة فيما بينهما.
ومن شأن ذلك أن يخدم الأهداف الإماراتية باعتبارها دولة للتجارة الحرة بالأساس، كما يمثلها ميناء جبل عالي، وبالتالي فإن الشراكة تسمح بعلاقات اقتصادية يستفيد منها الطرفان، فضلا عن إتاحة الفرصة لإقامة مشروعات إقليمية تربط بين الخليج وتركيا، ومنها مشروع السكك الحديدية من الفاو، جنوبي العراق، إلى الحدود التركية.
وهنا يلفت عايش إلى أن مشروعات كهذه تلعب دورا مهما في تطوير العلاقات الإقليمية والتجارة البينية، خاصة أن دول المنطقة تحاول استيعاب درس جائحة كورونا، التي أثبتت أن طول سلاسل التوريد العالمية كان من بين الأسباب التي أدت إلى مشكلات، بينها ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع الكلف والأسعار.
ولذا تحاول دول المنطقة، ومنها تركيا والإمارات، تقصير سلاسل الإمداد وتطوير علاقات إقليمية بناءة اقتصاديا، وأقل تأثرا بالمشكلات السياسية.