قال مصدر برلماني مصري، اليوم الأحد، إنّ قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي رفع الحد الأدنى لأجور العاملين في الدولة "هو بمثابة تدشين لحملته في الانتخابات الرئاسية المقررة نهاية العام"، مرجحاً أن "يكثف الأخير جولاته في المحافظات في الأسابيع القليلة المقبلة، تمهيداً لإعلان ترشحه رسمياً في السباق الرئاسي".
وأضاف المصدر، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، أنّ "نواب أحزاب الأغلبية في البرلمان، على غرار مستقبل وطن وحماة الوطن والمؤتمر، تلقوا تعليمات من أجهزة الأمن (المخابرات) ببدء تنظيم المؤتمرات والفعاليات الجماهيرية الداعمة للسيسي في المحافظات، لا سيما بعد قراراته الأخيرة بشأن رفع الحد الأدنى للأجور، وزيادة قيمة علاوة غلاء المعيشة الاستثنائية لموظفي الحكومة".
وتوقع المصدر "إرجاء جميع قرارات رفع الأسعار إلى ما بعد انتخابات الرئاسة، بما في ذلك تحرير سعر صرف الجنيه للمرة الرابعة منذ مارس/ آذار 2022، وزيادة أسعار الكهرباء والبنزين والسولار، في محاولة لاحتواء أي غضب شعبي من جراء أزمة الغلاء المتصاعدة، ومعاناة المواطنين من قفزات كبيرة ومتتالية في أسعار جميع السلع والخدمات الأساسية منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا".
وامتنعت لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية في مصر عن إعلان قرارها بشأن أسعار بيع البنزين والسولار في السوق المحلية خلال الربع الأول من العام المالي الجاري (يوليو/ تموز– سبتمبر/ أيلول)، والذي كان مقرراً في مطلع يوليو الماضي، ما يشير إلى توجه الحكومة تجميد أي قرار متعلق برفع الأسعار دعماً لموقف السيسي في الانتخابات.
كما وافق مجلس الوزراء، في 17 أغسطس/ آب الماضي، على قرار وزير الكهرباء تثبيت أسعار بيع الكهرباء المطبقة حالياً، ومد إرجاء تطبيق الزيادة المقررة في تعريفة بيع الطاقة الكهربائية لستة أشهر أخرى، حتى الأول من يناير/ كانون الثاني 2024.
وعزا المجلس قراره إلى تنفيذ توجيهات السيسي "بشأن مراعاة البعد الاجتماعي للمواطنين، عبر اتخاذ حزم استثنائية للحماية الاجتماعية للتيسير عليهم، في ظل الظرف الاقتصادي الذي تعيشه البلاد".
وفي هذا السياق، حذر المصدر نفسه من "تداعيات تأجيل قرارات تعويم الجنيه، ورفع أسعار الطاقة والوقود، واتخاذها جميعاً دفعة واحدة عقب انتهاء الانتخابات الرئاسية، وفوز السيسي بولايته الثالثة لمدة 6 سنوات، لما لذلك من آثار سلبية كبيرة على الاقتصاد والمواطن، فضلاً عن دفع معدلات التضخم إلى نسب غير مسبوقة في تاريخ مصر".
وسجلت معدلات التضخم في مصر أرقاماً قياسية للشهر الثالث على التوالي، وسط تحذيرات من مرورها بموجات "التضخم الحلزوني" الذي يهدد بانهيار مفاجئ بالأسواق، حيث ارتفع التضخم السنوي لأسعار المستهلكين إلى 39.7% في أغسطس الماضي، مقابل 38.2% في يوليو، و15.3% في أغسطس 2022.
ورغم اتساع فجوة العجز في الموازنة المصرية، قرر السيسي، أمس السبت، رفع الحد الأدنى لأجور العاملين في الجهاز الإداري من 3500 جنيه إلى 4 آلاف جنيه (129 دولاراً) شهرياً، وزيادة علاوة غلاء المعيشة الاستثنائية المخصصة لهم من 300 إلى 600 جنيه شهرياً، ورفع حد الإعفاء الضريبي من 36 إلى 45 ألف جنيه سنوياً، والتوسع في قاعدة المستفيدين من برنامج الدعم النقدي المشروط "تكافل وكرامة" حتى 5 ملايين أسرة، ومضاعفة المنح الاستثنائية لأصحاب المعاشات من 300 إلى 600 جنيه.
وبذلك، تراجع الحد الأدنى لأجور الموظفين الحكوميين في مصر بنحو 43 دولاراً، مقارنة بقيمته قبل التعويم الثاني للجنيه في مارس 2022، إذ كان يبلغ 2700 جنيه حين كان الدولار يساوي 15.70 جنيهاً، مقابل 30.95 جنيهاً للدولار في البنوك الرسمية الآن، ونحو 40 جنيهاً للدولار في المتوسط بتعاملات السوق الموازية.
وبلغ العجز النقدي المتوقع في موازنة مصر للعام 2023-2024 نحو 848 ملياراً و814 مليون جنيه، ما يشكل نسبة 6.96% من الناتج المحلي الإجمالي. فيما سجل الدين الحكومي العام نسبة 91.3% إلى الناتج الإجمالي.
من جهتها، توقعت "فيتش سوليوشنز" (Fitch Solutions) تأجيل البنك المركزي المصري قراره تخفيض العملة المحلية إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية أوائل 2024، رغم مواجهة مصر ضغوطاً متزايدة على مركزها الخارجي بسبب ارتفاع احتياجات التمويل الخارجي، وسط تدفقات محدودة لرأس المال.
واستخدم السيسي لهجة ناعمة في أثناء حديثه خلال افتتاح بعض المشروعات في محافظة بني سويف جنوباً، أمس السبت، قائلاً: "أقدر حجم المعاناة التي تواجهها الأسرة المصرية في مجابهة الأعباء المعيشية الناجمة عن الآثار الاقتصادية، والأزمة المركبة التي خلفتها جائحة كورونا، وضاعفتها الحرب الروسية الأوكرانية. لست ببعيد عن أحوال الناس، وأقدر ظروفهم، ولو أن هناك فرصة أفضل من ذلك (لتحسين أوضاعهم) فلن نتأخر في تنفيذها، لأن هذه الأموال ليست من جيوبنا"، على حسب تعبيره.
وأضاف السيسي: "لا تنسوا أنني إنسان مصري بسيط، عشت عمري كله مثلكم، ثم أراد الله أن أكون في هذا المكان (الرئاسة). أشكركم جميعاً على الصبر والتحمل، وأقدر موقف المصريين من التحديات والصعوبات، وأعرف جيداً أن الظروف صعبة، والناس مستحملة وساكتة (صامتة)".
ويعاني المصريون من أزمة انقطاع التيار الكهربائي عن منازلهم وأنشطتهم التجارية، يومياً، لمدة تتراوح ما بين ساعة واحدة وساعتين، منذ أكثر من 60 يوماً، بحجة شح موارد الغاز الطبيعي الذي يوفر نحو 80% من احتياجات الطاقة في محطات التوليد، على خلفية التوسع في تصديره للخارج توفيراً للعملة الصعبة، وذلك بعد إنفاق الحكومة أكثر من نصف تريليون جنيه على إقامة محطات توليد كهرباء، تعادل ضعف قدرات الاستهلاك لكافة الأنشطة بالدولة.
والتزمت الحكومة باتفاق مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر/ كانون الأول 2022، يقضي بحصول مصر على قرض قيمته 3 مليارات دولار، يسدد على أقساط ربع سنوية، بالإضافة إلى 1.3 مليار دولار من صندوق الاستدامة التابع للصندوق، وضمان حصول النظام على 5 مليارات دولار من شركائه الإقليميين والدوليين، مقابل التزامه بتحقيق سعر صرف مرن للعملة، والتخارج من ملكية الأصول العامة، وإفساح المجال أمام القطاع الخاص لإدارة الاقتصاد.
غير أن الصندوق لم يصرف سوى 347 مليون دولار قيمة القسط الأول من القرض، وتعطل صرف القسط الثاني منذ مارس/ آذار الماضي، بسبب عدم التزام الحكومة بسعر صرف مرن للعملة، وثبات سعر الجنيه في البنوك الرسمية منذ إبريل/نيسان الماضي، ما أحدث فجوة بين سعر الدولار والعملات الرئيسية في البنوك والسوق الموازية، بلغت نحو 25% من قيمة الجنيه.