السيارات تشغل الجزائر: الحكومة تتخبط ما بين فتح الاستيراد أو الإنتاج

15 أكتوبر 2022
داخل مصنع لتركيب السيارات في الجزائر (فاروق بطيش/ فرانس برس)
+ الخط -

لم يسبق أن شغلت السيارات الشارع الجزائري كما يحدث الآن، حيث انتقل الحديث عن هذا الملف من المقاهي والصالونات إلى أروقة البرلمان وخطابات السياسيين، وتحول إلى ورقة سياسية أكثر منها اقتصادية، فيما لا يزال التخبط يسيطر على الحكومة.

وتتجه الجزائر نحو طي سنة أخرى من دون استيراد أي سيارة جديدة، فيما تشهد أسواق السيارات المستعملة جنوناً في ارتفاع الأسعار، في وقت ترفض الحكومة كشف خطتها المستقبلية، سواء بفتح أبواب الاستيراد أو تبني سياسة الإنتاج، بعد فشل تجربة "مصانع التجميع" التي انتهى ملّاكها بدخول السجون في قضايا الفساد.

وبعدما تحول ملف السيارات إلى قضية رأي عام حالياً، دخل الرئيس عبد المجيد تبون على خط الأزمة، ليفاجئ الرأي العام في 09 أكتوبر/تشرين الأول بإسدائه أوامر للحكومة تقضي بالسماح للمواطنين باستيراد السيارات الخاصة، التي مرّ على تصنيعها أقل من ثلاث سنوات، بإمكانياتهم المالية الخاصة، بعد سنوات على قرار تجميد استيراد السيارات.

كذا فسح المجال للشركات الأجنبية المصنعة، لاستيراد السيارات، وبيعها في الجزائر، بالتوازي مع إقامة صناعة حقيقية للسيارات، بحسب القرار، وذلك في أقرب الآجال، وفق دفتر الشروط الخاص بوكلاء السيارات، يعرض على الرئيس عبد المجيد تبون في مجلس الوزراء المقبل.

تخبط حكومي

وأكد وزير الصناعة الجزائري أحمد زغدار لـ "العربي الجديد" أن "قرار رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون واضح، وسيدخل حيز التطبيق مطلع 2023، حيث ستعكف وزارة المالية على وضع كل التفاصيل، في ما يتعلق بالتعريفات الجمركية والرسوم الضريبية، حتى تكون العملية في صالح المواطن الجزائري".

وأضاف الوزير الجزائري أن "الجزائر تحاول بعث صناعة حقيقية، وذلك بعد اعتماد قانون جديد للاستثمار، وفي ما يتعلق بدفتر الشروط، وصلنا إلى نهاية إعداده تمهيدا لعرضه على مجلس الوزراء بعد طول انتظار".

وبالرغم من فرحة الجزائريين برفع التجميد عن استيراد السيارات، ولو جزئيا، إلا أن الرسوم الجمركية والضريبية، وانهيار الدينار، دفعتهم إلى إرجاء فرحتهم. وكان رئيس الحكومة الجزائري أيمن بن عبد الرحمن برر، في 6 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، تجميد استيراد السيارات، بارتفاع الفاتورة، حيث قال إن "فاتورة استيراد المركبات خلال سنتي 2012 و2013 بلغت على التوالي 7.6 مليارات دولار و7.3 مليارات دولار، و5.7 مليارات دولار عام 2014.

وأضاف أن "الجزائر كان بإمكانها إنجاز 10 مصانع لتركيب السيارات بهذه الأموال، كما أن الدولة تمكنت من إنجاز مصنع للسيارات بغلاف مالي قدره 100 مليون دولار فقط، وهو ما يعكس، حسبه، "حجم تضخيم الفواتير والتحويلات غير المبررة للخارج".

وبذلك، تكون الحكومة الجزائرية قد عادت إلى النقطة "الصفر" في ما يتعلق بملف استيراد السيارات الجديدة، وذلك بعد إفراجها عن دفتر الأعباء المنظم لعملية الاستيراد، تمهيداً لفتح الأبواب أمام المستوردين لمواجهة ارتفاع الطلب في ظل توقف مصانع تجميع السيارات عن العمل منذ 2019، وتقرر ضبط بوصلتها على فتح مصانع تجميع وإنتاج.

ارتفاع الطلب المحلي

وقال رئيس نقابة وكلاء السيارات متعددي العلامات، يوسف نباش، إن "الحكومة لا تدري ماذا تفعل في ملف استيراد السيارات، هي تريد الاستيراد ولا تريده، تريده لمواجهة ارتفاع الطلب المحلي ولا تريده، نظراً للوضعية الاقتصادية الصعبة وأهمية إبقاء النقد الأجنبي في البلاد، هناك تخبط يربك السوق التي تعيش ضغطاً بسبب انعدام العرض".

وأضاف المتحدث نفسه لـ"العربي الجديد" أن "الوكلاء دفعوا سنة 2020 ملفات الاعتماد تماشياً مع دفتر الأعباء الصادر في نفس السنة، إلا أن وزارة الصناعة ماطلت في الإفراج عن القائمة النهائية، قبل أن تلغي دفتر الأعباء، وتعود إلى خيار فتح مصانع، أي نعود إلى الصفر، سننتظر دفتر أعباء جديداً، وشروطاً جديدة تحتاج لوقت من أجل تطبيقها، أي على الأقل الثلث الأخير من 2023".

وفي هذا الإطار، قال النائب البرلماني علال بوثلجة، إن "المشكلة ليست في المصانع أو الاستيراد، أيهما نختار، بل المشكلة اليوم في القرار ولماذا هذا التخبط، كنواب وجهنا عدة أسئلة شفوية وكتابية للحكومة حتى تقدم توضيحات وفي كل مرة تتحدث عن تضخيم سابق في الفواتير، دون الحديث عن الحاضر والمستقبل".

وذكر المتحدث نفسه لـ"العربي الجديد" أنه "توجد رقابة صارمة في العالم وأوروبا على نوعية السيارات والبطاقات الرمادية بمعنى أنه يستحيل تزويرها، وما علينا إلا أن نراقب النوعية التي تدخل بدفتر شروط تقني، نتمنى أن تتخذ الحكومة هذه الإجراءات".

من جانبه، لفت النائب البرلماني زهير ناصري إلى أن "النواب وجهوا عشرات المساءلات للحكومة حول الملف منذ 2020، ويوجد منها ما ظل دون إجابة، الحكومة غارقة في تخبط فاضح لا تجد كيف تبرره، ونحن نريد أن نساعدها". وأضاف ناصري لـ"العربي الجديد" أن "الملف بات مرهقاً للمواطن وللحكومة ويجب اتخاذ قرارات مستعجلة لإنقاذ الأسواق، وخلق مناصب شغل، لأن الوكلاء والمصانع خلفوا وراءهم عشرات الآلاف من العمال الذين دخلوا في البطالة".

ارتدادات على الأسواق

تخبط الحكومة في قراراتها منذ مطلع سنة 2020، وما خلفه من تجميد لاستيراد السيارات، ألقى بظلاله على أسواق السيارات المستعملة، التي تمر في مرحلة غير مسبوقة، بعدما سجلت الأسعار ارتفاعاً حاداً أرجعه تجار إلى مواصلة الحكومة تجميد استيراد المركبات الجديدة والمستعملة على حد سواء.

في سوق مدينة "الأربعاء" للسيارات المستعملة في الضاحية الجنوبية للعاصمة الجزائر، خيمت حالة من السخط على المواطنين، بسبب انفلات الأسعار إلى مستويات يصفونها بـ"الخيالية"، مترقبين القرارات الحكومية مع انتعاش عائدات النفط.

يتنقل عبد القادر بن براهمية، من سيارة إلى أخرى في السوق، عله يظفر بسيارة صينية أو هندية صغيرة مستعملة، لكن آماله اصطدمت بـ"قانون البائعين" ومنطق الأرقام، ما جعله يعلق لـ"العربي الجديد" قبل خروجه من السوق قائلاً: "إما أنا مجنون، أم هم من أصابهم الجنون! لا يمكن أن يكون ما نعيشه حقيقة، سيارة كان ثمنها قبل سنة لا يتعدى 600 ألف دينار (5100 دولار)، بات سعرها اليوم مليون دينار (9200 دولار)، دون وجود أي سبب لهذه الزيادة".

وأضاف نفس المواطن لـ "العربي الجديد": "لا أفهم سر ترك الحكومة لهذا الملف دون حل، هل سنشتري السلاح النووي أو ننتجه. هي سيارات فقط، إما أن نفتح الاستيراد أو نصنع هنا، هل هذا يحتاج لسنوات من الدراسات والقرارات؟".

وقال عبد الهادي مزيان، بائعٌ للسيارات المستعملة لـ"العربي الجديد"، إن "الأسعار فعلا غير منطقية، لكنها نتيجة عدة عوامل منها تراجع العرض؛ في السابق كنا نشتري من المصانع ونستورد من فرنسا بأسعار معقولة ونضمن هامش ربح معقولاً، أما اليوم وفي ظل تراجع العرض، فبات الجميع يحدد سعراً لسياراته كما يشاء، ولا يمكنك الاعتراض؛ إما أن تشتري أو تنصرف".

المساهمون