بدي حسين أيت عدي، العامل في نُزل سياحي بقرية إمليل الجبلية شمال المغرب، سعادة كبيرة بالسياح الذين يزورون المنطقة هذه الأيام، إذ تساعد الحركة النشطة أصحاب الفنادق والمطاعم والتجار على طي صفحة عامين من الركود، بسبب جائحة فيروس كورونا، التي تسببت في تقييد حركة السفر والتنقّل في البلاد.
يؤكد أيت عدي لـ"العربي الجديد"، أن إقبال الزوّار المغاربة والمغتربين العائدين إلى المملكة في الصيف ينعش النشاط السياحي والتجاري في المنطقة، ما يعوض كثيراً سكان المنطقة التي تعاني كذلك من تداعيات الجفاف الذي ضرب المغرب العام الحالي.
تضيق القرية، التي تبعد عن مراكش بحوالي سبعين كيلومتراً، بالزوار في نهاية الأسبوع، إذ تعد بجانب منطقة أوريكا ملاذاً لسكان مراكش والأسر القادمة من المدن المغربية الأخرى، الفارين من الحرارة المرتفعة التي تجاوزت أربعين درجة في العديد من المدن.
التوجه نحو الشواطئ وضفاف الأنهار بالمناطق الجبلية
وجاء شهر يوليو/تموز والأيام الأولى من أغسطس/آب الجاري على غرار بلدان أخرى في العالم، الأكثر سخونة في المغرب في الأعوام الأخيرة، ما دفع العديد من الأسر إلى التوجه نحو الشواطئ وضفاف الأنهار بالمناطق الجبلية.
فقد امتلأت المطاعم في القرية، وكذلك الواقعة على جنبات الوادي في الطرق المؤدية إليها، على مدى أكثر من عشرة كيلومترات من منطقة آسني، بالأسر الباحثة عن نسمات منعشة تتيحها أشجار الجوز التي تغطي المنطقة.
لا يتوقف بعض الزوار عند حدود القرية، بل يقصدون "الشلال" الواقع في الطريق الذي يقود إلى مزار "سيدي شمهروش"، الذي يقصده المغاربة من أجل التبرك. وقد يقرر البعض مواصلة الطريق إلى قمة توبقال التي تصل إلى 4165 متراً في سلاسل جبال الأطلس.
مشقة الصعود إلى الشلال أو إلى المزار تدفع بعض الزوار لبلوغ مقصدهم على ظهر بغال، يؤجرها شباب ينحدرون من المنطقة، حيث أنعش الصيف آمال هؤلاء الشباب الذين اضطروا سابقاً إلى بيع بغالهم في ظل الجائحة، بعدما توقف نشاطهم ولم يعودوا قادرين على تحمّل مصاريف العناية بها، وفق المرشد السياحي عبد الله أيت ابراهيم.
وبحسب بيانات حديثة صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط الحكومية، فإن أكثر من ربع الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً، أي حوالي 1.5 مليون شاب "لا يعملون ولا يدرسون ولا يتابعون أي تكوين (تدريب مهني)".
تراجع معدل البطالة
وبحسب المندوبية، فقد تراجع معدل البطالة خلال الربع الثاني من العام الجاري، إلا أن ذلك لم يخفِ اتساع دائرتها وسط الشباب، لتتجاوز 30%، بسبب فقدان فرص عمل في الأرياف جراء الجفاف. وقد وفّر الاقتصاد الوطني في الربع الثاني من العام الحالي 133 ألف فرصة عمل، غير أن المندوبية تشير إلى أن إحداث فرص العمل تلك، ناجم عن توفير 285 ألف فرصة عمل في المدن، وفقدان 152 ألف فرصة عمل في الأرياف، التي كانت أحدثت فيها 405 آلاف في الفترة نفسها من العام الماضي.
ويؤكد حسن إد حمو، الباحث في علم الاجتماع القروي، أن هذا الصيف أنعش النشاط السياحي في إمليل، التي تعتمد بشكل كبير على السياح المغاربة والأجانب الذين يقصدونها في جميع الفصول.
يشير حمو إلى أن المنطقة، كما مناطق أخرى جبلية، مثل أوريكا أو أمزميز أو ويركان أو مولاي إبراهيم، عانت بسبب الفيروس الذي تسبب في فرض تدابير احترازية على مدى عامين، ما أفضى إلى توقف حركة السفر.
ويلفت إلى أن السواد الأعظم من الشباب الذي يعمل في الإرشاد السياحي أو الفنادق والمطاعم والمقاهي تعرّض للبطالة على مدى عامين، حيث ظلوا ينتظرون رفع التدابير الاحترازية، وفتح الحدود في الربع الأول من العام الجاري.
ويؤكد حمو أن الركود لم يطاول السياحة فقط، بل شمل العديد من الأنشطة الأخرى، مثل الأسواق الأسبوعية التي توقّفت بعدما كانت فضاء تجارياً يؤمن لعدد معتَبر من الأسر إيرادات مهمة.
ويلاحظ أن العديد من المناطق الجبلية السياحية استعادت جزءاً كبيراً من نشاطها في الصيف الحالي، بل إن بعض المناطق لا تستطيع فنادقها ونُزلها استيعاب كل الزوّار الذين يقضون فيها يومهم ويعودون للإقامة في مراكش.
لا يسعد بعودة النشاط السياحي في الصيف أصحاب المقاهي والنُّزل فقط، بل إن أسراً من المناطق الجبلية تغتنم الإقبال عليها من أجل تأجير جزء من منازلها للأسر الوافدة عليها.
ارتفاع ملحوظ لعائدات السياحة
وينتظر أن تكشف البيانات التي ستُنشر في الفترة المقبلة عن ارتفاع ملحوظ لعائدات السياحة في الصيف، علماً أن بيانات مكتب الصرف (حكومي)، تفيد بأن تلك الإيرادات بلغت 2.7 مليار دولار في النصف الأول من العام الحالي، بعدما كانت في حدود 892 مليون دولار في الفترة نفسها من العام الماضي.
وتدين المناطق الجبلية في المغرب، خلال الصيف، بانتعاش نشاطها السياحي للأسر المغربية والمغتربين العائدين إلى المملكة، الذين ينفقون سنوياً حوالي 3 مليارات دولار على السياحة الداخلية، وفق البيانات الرسمية.
وكانت الحكومة قد عبّرت قبل خمسة أعوام عن التطلّع إلى رفع تلك المساهمة إلى ما بين 4 و5 مليارات دولار في الخمسة أعوام السابقة، حيث توقعت الوصول إلى 5.7 ملايين سائح محلي في 2020، غير أن تلك الأهداف لم تتحقق.
ورغم التدابير الاحترازية التي اتخذت في العامين الماضيين، إلا أن السياحة الداخلية ساهمت في التخفيف من تداعيات توقّف الرحلات الجوية، فقد مثّلت السياحة الداخلية في 2020 حوالي 50% من ليالي المبيت بالفنادق المصنّفة، و69% في العام الماضي.