يجمع سوريون على أن العمل الوظيفي بات أقرب للاحتجاز، بسبب عدم قبول الاستقالة والتهديد بغرامة مالية وسجن، لمن ينقطع عن العمل أكثر من 16 يوماً، في حين لا يكفي الراتب الشهري لأدنى متطلبات الحياة أو أجور التنقل للوصول إلى مراكز العمل.
ويكشف الموظف بوزارة الصناعة السورية، عماد الدالي، أنه استقال هو وعدد من الموظفين بشركات القطاع الحكومي، بعد أن بات راتب العمل الحكومي (نحو 110 آلاف ليرة)، لا يكفي لنفقات النقل من منطقة دمر غربي دمشق، إلى الشركة الغذائية التي كان يعمل فيها، بمنطقة الغوطة، شرقي العاصمة السورية، بعد ارتفاع أجور النقل وشح المحروقات.
ويشير الدالي خلال اتصال مع "العربي الجديد"، إلى أن تحفظ وزارات الحكومة السورية على الاستقالات، تراجع، وباتوا يوافقون على "بعض الاستقالة" فقط، خاصة من هم بسن متقدمة، بعد التحفظ وعدم الموافقة على الاستقالة خلال الأشهر الأخيرة.
وتكشف مصادر إعلامية أن عدد الاستقالات في دمشق وريفها خلال ستة أشهر، وصل لنحو 1800 استقالة، أغلبيتهم من القطاع العام، بعد الوعود المتكررة بزيادة الأجور وعدم صدور مرسوم من رأس النظام بذلك، حتى بعد تأكيد اللجنة البرلمانية برفع الأجور.
ويقول أمين شؤون تنظيم العمل في اتحاد عمال دمشق، عمر البوشي، إن زيادة طلبات الاستقالة سببه الظروف المعيشية الضاغطة والهمّ اليومي لتأمين أدنى متطلبات الحياة، مؤكداً لصحيفة "تشرين" الحكومية أول من أمس، أن الشغل الشاغل لأغلبية الناس خاصة من ذوي الدخل المحدود هو السعي لإيجاد مصدر دخل إضافي لهم ولأسرهم عن طريق الاستقالات والبحث عن فرصة عمل إضافية تزيد دخلهم، ويضيف "الراتب لا يغطي أجور المواصلات لاسيما في المناطق والأرياف التي تتطلب ظروف سكنها ذهاب الموظف يومياً إلى مكان عمله".
ويضيف المسؤول العمالي أن الوضع المعيشي السيئ أرغم الكثيرين على التقدم باستقالاتهم لإيجاد مصادر عمل إضافية، علماً أنّ بعض الوزارات عملت على منع أو عدم الموافقة على الاستقالات.
وكانت حكومة بشار الأسد، قد تنبهت لتسرّب عمالة القطاع الحكومي، سواء للقطاع الخاص أو الهجرة إلى خارج سورية، فأصدرت في شهر أغسطس/ آب لعام 2022 تعميماً يمنع تقديم الاستقالات ويشدد العقوبة على من يترك العمل، تصل للمقاضاة والسجن ودفع غرامة مالية مع حرمانه من مستحقات نهاية الخدمة. ولم يزل التعميم ساري المفعول حتى اليوم.
وبحسب تصريح سابق، للإداري بوزارة الصناعة، خضر. ش، لـ"العربي الجديد"، فإن الاستقالات ممكن أن ينظر بها وتقبل، لمن عمره أكثر من 55 عاماً وأمضى بعمله أكثر من 30 عاماً، وعدا ذلك فإن التعليمات واضحة برفض قبول أية استقالة وملاحقة المنقطعين عن العمل.
وحول قانونية قرار منع الاستقالات وهضم حق العامل، يشير الإداري السوري إلى أن التعميم مخالف لقانون العاملين الأساسي "لا شك"، لأن الفقرة ب من المادة 133 من القانون رقم 50 لعام 2004، تتيح للعامل التقدم بالاستقالة، ولرئيسه بالعمل الحق بقبولها أو رفضها خلال شهرين بحد أقصى، ومنع الاستقالات أوعدم النظر والبت بها، وما يجري اليوم، هو مخالفة صريحة حتى للمادة 50 من الدستور السوري.
ويُرجع الاقتصادي السوري، محمد حاج بكري، زيادة الاستقالات خلال الفترة الأخيرة، إلى "خيبة آخر أمل"، بعد فشل اللجنة المشتركة في تحسين الوضع المعيشي، في حين تستمر أسعار المنتجات بالارتفاع والعملة السورية بالتهاوي.
وبحسب بكري فإن خسارة العمالة الماهرة وقوة العمل "آخر هم لحكومة الأسد الطاردة للشعب"، بعد تراجع عمالة القطاع العام من 3.5 ملايين عام 2011 إلى أقل من 1.8 مليون عامل اليوم.
ويقول الاقتصادي السوري لـ"العربي الجديد"، إن تكاليف معيشة الأسرة السورية، مع بدء النصف الثاني من العام الجاري، ارتفعت إلى أكثر من 6.5 ملايين ليرة سورية، بحسب مؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة من دمشق، لكن الأجور مثبتة واللجنة فشلت في الضغط على الحكومة لرفع الرواتب، بعد الوعود القاطعة وطلب مجلس الشعب، الفريق الاقتصادي الحكومي، لاجتماع طارئ الشهر الماضي.
ويؤكد المتحدث أنه حتى اليوم، لم تجتمع اللجنة التي تشكلت خلال "الجلسة الاستثنائية" من الحكومة ومجلس الشعب، ووعدت بلجم ارتفاع الأسعار وزيادة الاستيراد ورفع الأجور، مستننتجاً أن وضع حكومة الأسد والخزينة، لم يسمحا للجنة بالإيفاء بأدنى الوعود وأن الوضع خطر ويتدهور بسرعة.
ويضيف "لا توجد موارد خاصة بعد تعطيل التهريب والمخدرات".
وحول ما يشاع حول تعويم الليرة أو إلغاء أصفار، يقول حاج بكري، إن تلك الحلول هي هروب إلى الأمام ولا يمكن أن تتحقق بواقع اقتصاد متهالك وإنتاج متدهور، عازياً التحسن البسيط الذي حققته العملة السورية، التي تحسنت من نحو 13 إلى 12 ألف ليرة للدولار، هو تحسن بنشرات الأسعار ليس إلا، لأن الطلب على الدولار بالسوق السورية لايزال مرتفعاً، بسبب قلة العرض وزيادة الطلب من المهاجرين والتجار.