السودان يرضخ لصندوق النقد: إلغاء دعم الوقود

12 أكتوبر 2020
تفاقم ظاهرة الطوابير أمام محطات الوقود (Getty)
+ الخط -

دخلت أزمة المشتقات النفطية عامها الثاني في السودان من دون حلول جذرية من الحكومة، على الرغم من أنها رفعت الأسعار عدة مرات بحجة ترشيد الدعم والحد من التهريب.
وتزايدت في الأشهر الأخيرة ظاهرة الطوابير أمام محطات الوقود، وبدلاً من حل هذه الأزمة اتجهت الحكومة نحو تحرير الأسعار، ما سيؤدي إلى موجة جديدة من غلاء السلع والخدمات سترهق الشارع السوداني الذي يعاني من أزمات معيشية متفاقمة.
وبحسب مراقبين لـ"العربي الجديد"، فإن الخطوة التي تسعى الحكومة إلى تطبيقها، تأتي في إطار ضغوط صندوق النقد الدولي الذي يشترط إلغاء الدعم لمنح السودان قروضاً تعينه على الحد من أزمته المالية الخانقة.
وفي هذا الإطار، يرى الخبير الاقتصادي، محمد إبراهيم، أن صندوق النقد الدولي يوجه نصائح للسودان لا تختلف عن نصائحه إلى دول أخرى في المنطقة وتمثل أبرزها رفع الدعم الحكومي عن الوقود ومعاملتها كسلعة خاضعة للعرض والطلب وضمن منطق السوق العالمي.
ويضيف إبراهيم لـ"العربي الجديد" أنه على الرغم من أن صندوق النقد في "روشتته" يظهر تعاطفه مع الفقراء، إلا أن زيادة أسعار الوقود لها تأثير سلبي على كل الفئات الضعيفة، موضحاً أن الصندوق يحث الدول على اتخاذ تدابير تعويضية لهذه الفئات من دون تقديم أي توضيح حول هذه التدابير.

وكشف وزير الطاقة والتعدين، خيري عبد الرحمن، أول من أمس، عن ترتيبات جارية لتنفيذ سياسة تحرير أسعار المشتقات النفطية، حيث توقعت تسريبات وصول سعر غالون البنزين إلى ما بين 380 - 400 جنيه بدلاً عن 126 جنيهاً، إلا أن وزير الطاقة نفى تحديد الأسعار إلى الآن.
وقال وزير الطاقة إن هناك ترتيبات جارية لتنفيذ سياسة تحرير أسعار منتجي الجاز والبنزين اللذين صدر قرار تحريرهما منذ فترة طويلة وأعلنه رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، رسمياً في اللقاءات العامة وفي مقابلته التلفزيونية.
وأشار إلى أن الأمر لم يعد موضوع تسريبات وإنما كان ينتظر الترتيبات التي قامت بها وزارة الطاقة والتعدين ابتداءً من حصر وتأهيل الشركات التي ستدخل في عملية الاستيراد والبيع، وكذلك إعداد وفتح العطاءات العالمية للمنافسة الحرة والشفافة، معلناً عن اكتمال عملية التقديم والفرز بكل شفافية مثلما تم إصدار الطلبيات للشركات الفائزة.
ومن جانبه، يقول المحلل الاقتصادي، كمال كرار، لـ"العربي الجديد": "لن يصلح تحرير سعر الوقود الاقتصاد السوداني"، مضيفاً أن "رفع الأسعار وإلغاء الدعم هو السير على نهج النظام السابق، لذلك نرفض تماما رفع الدعم عن البنزين والجازولين والكهرباء، لأن ذلك سيوثر بشكل كبير ومباشر على المواطن الذى يعاني حالياً من أزمات معيشية متفاقمة".
ويؤكد كرار أن هناك حلولاً وبدائل أخرى على الحكومة الانتباه إليها كفرض ضرائب على الذهب واسترداد الأموال المنهوبة والاستفادة من موارد السودانية والثروات الضخمة التي يمتاز به عن غيره من الدول.
وقفز معدل التضخم السنوي في السودان إلى 166.83 بالمائة خلال أغسطس/ آب الماضي، مقارنة مع 143.78 في يوليو/تموز السابق له. وقال بيان حديث صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء (حكومي) إن معدل التضخم السنوي ارتفع بنسبة 23.05 بالمائة في أغسطس/ آب مقارنة بالشهر السابق عليه. وأرجع البيان أسباب الارتفاع إلى صعود جميع مكونات مجموعة الأغذية والمشروبات، خاصة أسعار الخبز والحبوب واللحوم واللبن والجبن والبيض، والنقل، بسبب ارتفاع أسعار الوقود.
وفي المقابل، يقول الخبير الاقتصادي، الفاتح عثمان، لـ"العربي الجديد"، إن رفع الدعم عن الوقود غالبا سيؤدي لتقليل الاستهلاك وهو ما يعني تقليل الاستيراد الكلي وبالتالي يساعد على استقرار سعر الصرف للجنيه السوداني.

وأضاف: أما من ناحية معيشة المواطن فالتأثير سيكون محصوراً فقط في المواصلات العامة، وغالباً سيتم تخصيص الإنتاج المحلي للمواصلات العامة وهذا يعني عدم تأثر المواطن محدود الدخل برفع الدعم عن الوقود بينما سيتم إنهاء أزمة شح الوقود بشكل شبه نهائي.
ويؤكد الفاتح أن الأثر الاقتصادي على أصحاب الدخل المحدود سيكون طفيفاً إن التزمت الحكومة الانتقالية في خطتها بإبقاء الدعم للوقود المخصص للمواصلات العامة، أما التأثير على أسعار السلع فهو غالباً معدوم لأن شح الوقود أرغم الشاحنات على الشراء من السوق السوداء، وبالتالي زيادة أسعار النقل مما ينفي الحاجة لزيادة أسعار النقل مجدّداً، بحسب قوله.
وترى أستاذة الاقتصاد بجامعة الجزيرة، إيناس إبراهيم، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن تحرير سوق المنتجات النفطية يعتبر من وجهة نظر المواطن أمراً محفوفا بالمخاطر. وقالت إنه لا بد من طمأنة المواطن بأن الخطوة في حال تمت ما هي إلا جزء من سياسة متكاملة لتنظيم القطاع وستصب في صالحه، وليست معالجات جزئية تقوم بها الحكومة.
واستهجن مواطنون الحديث عن رفع الدعم، مشيرين إلى أنهم باتوا غير مقتنعين بوجوده أصلاً، لأنهم يعانون من غلاء أسعار الكهرباء والمواصلات وغيرها من الخدمات.

المساهمون