السودان وصندوق النقد الكذوب

17 مارس 2021
قفزات متواصلة في أسعار السلع بالسودان (العربي الجديد)
+ الخط -

في الوقت الذي كان المواطن السوداني يعاني فيه من غلاء فاحش في الأسعار، واختفاء لسلع رئيسية، وقفزات في كلفة الخدمات من كهرباء ومياه ومواصلات عامة، خرج علينا صندوق النقد الدولي، قبل أيام، ليشيد بالإجراءات الاقتصادية الجريئة التي أقدمت عليها حكومة عبد الله حمدوك ومنها تعويم الجنيه السوداني وإلغاء دعم الوقود.

والملفت أن اشادة الصندوق تأتي في الوقت الذي يعلم فيه أن هذه الاجراءات الحكومية هي التي أدت إلى حدوث موجة تضخم غير مسبوقة للأسعار لم تشهدها البلاد منذ عقود، وبالطبع لم يأخذ الصندوق ذلك في الاعتبار عند اشادته الأخيرة. 
وفي الوقت الذي اختفت فيه الأدوية الضرورية لمعالجة الأمراض المزمنة من بيوت المواطن وصيدليات الخرطوم وغيرها من الأقاليم، وشح البنزين والسولار من محطات الوقود، وندرت السيولة من عدد من صرافات البنوك، خرج علينا صندوق النقد ببيان حديث يؤكد فيه أن "السلطات السودانية حققت تقدما ملموسا نحو وضع سجل أداء قوي لتنفيذ السياسات والإصلاحات ومنها خفض قيمة الجنيه السوداني مؤخرا بنسبة تقارب 600%، وهو شرط رئيسي لإعفاء للديون في نهاية المطاف".

والصندوق هنا كعادته لم يشر من قريب أو بعيد إلى الأزمات المعيشية المزمنة التي يعانيها المواطن السوداني سواء سبقت قرار تعويم الجنيه أم كانت لاحقة له.

صندوق النقد يشيد بسياسات الحكومة السودانية رغم تجاوز معدل تضخم الأسعار 330%، وهو المعدل الأعلى منذ عقود

وفي الوقت الذي ما زالت طوابير الخُبز الطويلة منتشرة في العاصمة الخرطوم وغيرها من الأقاليم منذ الإطاحة بعمر البشير وباقية على حالها رغم الحديث الرسمي عن التقدم الاقتصادي وتوفير الخدمات الضرورية، وما زال المواطن يواجه صعوبة في الحصول على الغذاء الكافي لأسرته، يطالب صندوق النقد حكومة حمدوك بتنفيذ إجراءات وخطوات أخرى أكثر جرأة منها زيادة أسعار السلع الرئيسية، وفرض مزيد من الضرائب والرسوم، وخفض الدعم الحكومي المقدم للوقود.

وفي الوقت الذي يلوح فيه صندوق النقد بمساعدة السودان في إسقاط ديونها الخارجية التي تتجاوز 60 مليار دولار، فإنه يدفع حكومته دفعا نحو التوسع في الاقتراض الخارجي، واغتراف مليارات الدولارات من المؤسسات المالية الدولية دون أن تكون لدى البلاد خطة واضحة للسداد اللهم إلا من جيب المواطن وراتب الموظف الحكومي والضرائب والرسوم المتوقع فرضها عقب ابرام اتفاق مع الصندوق. 

لا أعرف من أين يأتي صندوق النقد بهذه "البجاحة" التي تصل إلى حد الكذب البواح والفاضح حينما يشيد بسياسات حكومية بدأت تُغرق المواطن في أزمات معيشية من فقر وبطالة وعشوائيات وغلاء أسعار ونقص سلع رئيسية.
ولا أعرف من أين يأتي مسؤولو الصندوق بكل هذه الثقة حتى يطلقوا تصريحات لا علاقة لها بالواقع ويدرك الجميع أنها تصريحات لا علاقة لها بحال المواطن ومعيشته من قريب أو بعيد، وأنها تصريحات هدفها تبييض وجه الأنظمة الحاكمة.
ببساطة واقع المواطن السوداني الحالي يكذب تصريحات وإشادات صندوق النقد الدولي الأخيرة، ويكذب دعاوى الحكومة السودانية حول التقدم الاقتصادي في البلاد في فترة ما بعد الثورة، ويكذب تصريحاتها المتسرعة حول نتائج تعويم الجنيه السوداني.
وعندما يخرج مسؤولو الصندوق للحديث عن مراعاة الطبقات الفقيرة والمعدمة، فهو يجمل الصورة ليس إلا، ذلك لأن هم الصندوق الأول هو استرداد أمواله وقروضه، ولا يهمه المواطن من قريب أو بعيد، وكلامه عن ضرورة حماية الطبقات الفقيرة ما هو إلا ذر الرماد في العيون.
الصندوق يلوح للسودان بفرصة الحصول على قروض خارجية ضخمة بشرط اغراق المواطن في موجة غلاء غير مسبوقة تزيد من معاناته الحالية، خاصة إذا ما علمنا أن معدل زيادة الأسعار في السودان زاد من 43% لأكثر من 330% خلال عامين فقط، وهو معدل غير مسبوق من عقود ولا يمكن للمواطن متوسط الدخل تحمله، فما بالنا بالمواطن الفقير والمعدم؟

موقف
التحديثات الحية

صندوق النقد يضلل الجميع، وهو يعرف ذلك، يريد تضخيم بند الإيرادات العامة لأي دولة مدينة، هنا لا ينصح الحكومة بحسن إدارة الموارد وسد حنفية الفساد وتهريب الأموال إلى الخارج، بل ينصحها بزيادة الضرائب والجمارك والرسوم الحكومية بما فيها تلك المرتبطة بالمواطن من مياه وكهرباء.

يريد تضخيم رقم احتياطي البنك المركزي للدول المدينة فيقترح على الحكومات التوسع في الاقتراض الخارجي، وإعادة بناء الاحتياطي عبر تلك القروض وليس عبر الموارد الذاتية.

ما يحدث في السودان هو سيناريو سبق وأن طبقه صندوق النقد الدولي مع عشرات الدول التي استنجدت به وثبت فشله في معظم التجارب، ولذا على السودان أن تبحث عن طريق أخر.

المساهمون