السودان: مستوى قياسي للتضخم وعجز حكومي عن مواجهته

13 نوفمبر 2020
ارتفاع كبير لأسعار السلع الغذائية في أسواق السودان (أشرف شاذلي/فرانس برس)
+ الخط -

يشهد معدل التضخم في السودان زيادة قياسية وبشكل متسارع بلغ آخرها نسبة 229.85% لشهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مقارنة بـ212% لشهر سبتمبر/أيلول، بارتفاع بنسبة 17.56% 
وكانت موازنة الحكومة السودانية للعام الحالي استهدفت متوسط معدل تضخم بنسبة 28.7% والحرص على خفضه، إلا أن ما حدث هو العكس.
وفي هذا السياق، قال مدير الإدارة العامة للإحصاءات الاقتصادية في الجهاز المركزي للإحصاء بمجلس الوزراء، العالم عبد الغني، لـ"العربي الجديد"، إن ارتفاع التضخم كان نتيجة لارتفاع مجموعة الأغذية والمشروبات، والذي سجل في أكتوبر/تشرين الأول 194.53%، مقارنة بـ175.29% خلال سبتمبر/أيلول المنصرم.
ونفى، في معرض حديثه، أن يكون تحرير الوقود سببا في الارتفاع، لافتا إلى أن رصد آثار تحرير الوقود سيظهر في تقرير جهاز الإحصاء لشهر نوفمبر/تشرين الثاني الحالي.
وتشهد أسعار السلع الاستهلاكية الضرورية في الأسواق السودانية، حسب تجّار لـ"العربي الجديد"، زيادات مضطردة عقب تطبيق الحكومة سياسة تحرير الوقود والتي قفزت بأسعار نقل البضائع والسلع من مناطق الإنتاج إلى مناطق الاستهلاك، وارتفع سعر جوال السكر زنة 50 كيلو من 5.800 إلى 6.100 آلاف جنيه (الدولار = نحو 55 جنيهاً رسمياً) وزيوت الطعام عبوة 36 رطلا من 6 إلى 7 آلاف جنيه.
وقال القيادي في قوى الحرية والتغيير، الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية في السودان، عادل خلف الله، لـ"العربي الجديد"، إن ارتفاع التضخم لهذه النسبة غير المسبوقة هو نتاج لعجز الحكومة في الحفاظ على قيمة الجنيه أمام الدولار وتطبيقها لتحرير الوقود وزيادتها العالية غير المدروسة لأجور ومرتبات العاملين بالدولة بدون توفير مصادر تمويل حقيقية لها، ما أدى إلى زيادات مستمرة بنسبة لا تقل عن 20% شهريا في مؤشر التضخم الشهري.

وأشار خلف الله إلى أن الاستمرار في هذه السياسات الحكومية يؤدي مستقبلا إلى المزيد من الانفلات والارتفاع الحاد في أسعار سلع السلة التي يتم على أساسها احتساب معدل التضخم.
وشكك في صحة الأرقام التي يوردها جهاز الإحصاء للتضخم، مشيرا إلى وجود تدخل لتخفيف حدة ارتفاعها. وقال إن المؤشر الحقيقي للتضخم للشهر المنصرم تجاوز 300%، ويمكن استدراك ذلك بالتفاصيل التي أوردها بيان الجهاز المركزي للإحصاء بأن التضخم في ولاية الجزيرة بلغ في أعلى معدل له الـ 351.33%.
وفي نفس الإطار، قال الخبير الإحصائي عبد الله الرمادي، لـ"العربي الجديد"، إن الأرقام الصادرة عن التضخم في السودان يكتنفها الكثير من الغموض والاختلال إذا ما قورنت بواقع الحال في الأسواق وانفلات أسعار السلع، حتى أن المواطن صار لا يثق كثيرا في الأرقام التي تعلن من الجهات الرسمية، مشيرا إلى أن السبب في التضارب هو أن الطريقة التي يحسب بها معدلات التضخم تقوم على معادلات ونسب تمتد عبر فترات زمنية محددة.
وحسب الرمادي، قد يتغير الواقع في السوق قبل صدور تلك الأرقام، ما يؤدي إلى حدوث فرق بين الأرقام والواقع، خاصة إن كان الحديث على فترات زمنية قصيرة كمعدل التضخم من شهر لشهر، أما إن كانت المدة من عام لعام فإن ذلك يمنح فرصة لامتصاص أو ذوبان الذبذبات الصغيرة التي تحدث لظروف اقتصادية طارئة أو موسمية.
وأضاف الرمادي: "آفة الاقتصاد السوداني الآن أن القائمين على أمره ليسوا من ذوي الدراية والمهنية لتحليل وتشخيص المشاكل بصورة صحيحة، ومن ثم الخروج بمعالجات صائبة، إذ من المفترض أن توكل عمليات احتساب معدلات التضخم لكوادر ذات تأهيل عال في مجال الإحصاء، ضمانا لسلامة الأرقام وإيصالها بشكل صحيح ودقيق للدارس والمتلقي والتنفيذيين في الحكومة.

ودعا الحكومة إلى توخي الشفافية في البيانات المعروضة وحتى لا تكون أسعار السوق في اتجاه والبيانات والإحصاءات في اتجاه آخر مغاير لا يمت للواقع بصلة، ما يشكك في مصداقيتها.
وفي المقابل، رفض مسؤولون في الجهاز المركزي للإحصاء تشكيك خبراء اقتصاد في الأرقام والإحصاءات التي يصدرها الجهاز حول التضخم، مؤكدين الاستعانة بمعادلة معمول بها عالميا في حساب وقياس التضخم الشهري والسنوي.
وحسب البيانات الرسمية، ارتفع معدل التضخم السنوي في 17 ولاية، وبلغ أعلى معدل 351.33% في ولاية الجزيرة وأدنى معدل 187.70% في ولاية سنار، بينما سجلت ولاية غرب دارفور استقرارا.
وأقرت الحكومة الانتقالية في السودان رسميا تحرير أسعار الوقود بزيادة فاقت 400%، في محاولة منها للحد من تدهور الأوضاع المالية للبلاد. وبموجب القرار الذي أعلنه في وقت سابق، وزير الطاقة والتعدين خيري عبد الرحمن، ارتفع سعر ليتر البنزين من 28 جنيهاً إلى 120، بينما ارتفع سعر ليتر الغازولين من 23 جنيهاً إلى 106، على أن يباع بتلك الأسعار في 14 شركة بترول، فيما تبيع بقية الشركات بسعر 56 جنيهاً لليتر البنزين و46 لليتر الغازولين.
وحسب مراقبين، تحدثوا سابقاً لـ"العربي الجديد"، فإن خطوة الحكومة تأتي في إطار ضغوط صندوق النقد الدولي الذي يشترط إلغاء الدعم لمنح السودان قروضاً تعينه على الحد من أزمته المالية الخانقة.

المساهمون