كشفت مصادر حكومية مطلعة لـ"العربي الجديد"، عن تسبب مافيا الثروة الحيوانية في إهدار أكثر من 6 مليارات دولار على خزينة السودان بسبب المخالفات التي ضربت قطاع الصادر والتحديات التي تواجه القطاع، بالرغم من وجود لجنة مختصة معنية بضبط ومراقبة السلع الاستراتيجية بما فيها سلع الصادر والوارد.
وقالت المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، إن اللجنة تعمل في ظل ظروف قاسية حيث تحاصرها "مافيا الورّاقة"، وعلى الدولة توفير الغطاء القانوني والإداري القوي لهذه اللجنة، فيما طالبت المصادر بضرورة دعم اللجنة بخبراء وفنيين في مجال مكافحة الجريمة المنظمة وغسل الأموال وجرائم الاحتيال البنكي حتى تتمكن الدولة من فرض هيبتها على هذا القطاع المهم.
ومافيا الورّاقة تسمية تطلق على الشركات الوهمية ومجموعات من المصدرين الذين يحصلون على مستندات وهمية من الجهات الحكومية المختصة تتيح لهم تهريب الصادرات بدون رقابة واتباع الإجراءات السليمة، وبالتالي تضيع حاصلات وضرائب ضخمة على الخزينة.
وتصف جهات حكومية ما يحدث من بيع أوراق الصادر بالفساد والتحايل، وإنها بصدد مراجعة الأمر خصوصاً ما يتعلق بمراجعة سجلات المصدرين مع الجهات ذات الصلة ولن يكون هناك مجال للفساد أو المحسوبية.
وسبق أن كشفت جهات رسمية (لجنة متابعة ومراقبة السلع الاستراتيجية) عن شبكات تتاجر في عقود "مضروبة" في الصادر بمساعدة جهات رسمية، وقالت إنّ هذه الظاهرة بدأت في التراجع بعد فتح عدد من البلاغات ضد المتلاعبين بسجلات الصادر، وكشفت عن وجود أسماء أجانب وأصحاب مهن هامشية في سجلات الصادر بجانب شركات وهمية بلغت 11 شركة تعمل في صادرات الثروة الحيوانية فتحت فيها بلاغات لعدم إعادة حصائل صادرات الثروة الحيوانية في الفترة الماضية والتي تقدر عائداتها بملايين الدولارات.
وشرعت اللجنة في فحص سجلات وأوراق الصادر، توطئة للمراجعة الشاملة لضبط عملية الصادر، وقال مختصون إنه بسبب التراخي وعدم المحاسبة الرادعة انتشرت "اللوبيات" والتجار الطفيليون، مشددين على ضرورة محاسبة كلّ من يخالف القوانين.
وفي الأثناء، طالبت قطاعات واسعة من المصدرين بضرورة محاربة الممارسات السالبة والتلاعب في السجلات وبضرورة التدخل العاجل لمحاربتهم، محذرة من تمدد نشاط الورّاقة في ظل الطلب العالي على اللحوم السودانية في الخارج. وحذرت قطاعات واسعة من المصدرين من عودة النشاط الطفيلي مرة أخرى في صادرات البلاد خاصة صادرات المواشي واللحوم بعد فتح الأسواق الخارجية.
إلّا أنّ بعض المصدرين كشفوا عن تجدد ظاهرة الشركات الخفية والتلاعب بالسجلات المضروبة أو ما يعرف بمصدري الورّاقة والذين يتلاعبون بالمستندات عبر أشخاص ليست لهم علاقة بالصادر من أجل الاحتفاظ بعائدات الصادر لمصالحهم الشخصية، وأشاروا إلى أن ذلك أضر بالحصائل وساهم في تراجع النقد الأجنبي بالبلاد ورفع قيمة الدولار كما أخرج المصدر الحقيقي من الأسواق.
ورغم ذلك فإنّ وزارة الثروة الحيوانية أكدت في بيانات حديثة أنّ عائدات صادر الثروة الحيوانية من شهر يناير/ كانون الثاني حتى شهر يونيو/ حزيران من العام الحالي بلغت 308 ملايين و843 ألفاً و510 دولارات.
وقال مدير الإدارة العامة للمحاجر وصحة اللحوم بوزارة الثروة الحيوانية علي آدم إنّه تم تصدير مليون و615 ألفاً و546 رأساً من المواشي (ضأن/ ماعز/ أبقار/ إبل) خلال الفترة من يناير وحتى 17 أغسطس/ آب 2022، مقارنة بتصدير مليون و449 ألفاً و285 رأساً في الفترة نفسها من العام الماضي.
إلّا أنّ مقرر شعبة المواشي السابق خالد وافي يرى أنّ كلّ المعلومات عن القطاع من ناحية الإيرادات والعائدات غير صحيحة. ويقول وافي لـ"العربي الجديد": "للأسف الوضع الحالي مأزوم نتيجة للسياسات الفاشلة، فالوضع شبه منهار في القطاع لعدم وجود بنيات تحتية بجانب تفشي الأمراض في القطاع دون وجود خطط أو أي برامج لتحديث القطاع".
ويؤكد استمرار عمل الوراقين بسبب الخلل في سياسات الدولة، مشيراً إلى أنّ "المطلوب رؤية من اختصاصين لإنقاذ الوضع، فإذا وجدت خطة واضحة واهتمام من المسؤولين سوف تحطم إيرادات الثروة الحيوانية الأرقام القياسية، لكنّ المهم إنهاء أزمة الوراقين نهائياً".
وفي سبيل البحث عن معالجة للأسباب والمعوقات التي تعترض الثروة الحيوانية، بدأت الوزارة في تبني وتنفيذ سياسات أراضي المراعي بالسودان، باعتبار أن القطاع يمثل مصدراً أساسياً للدخل القومي وله مساهمة فعالة في سبل كسب العيش، ويمثل رافداً لخزينة الدولة.
طالبت قطاعات واسعة من المصدرين بضرورة محاربة الممارسات السالبة والتلاعب في السجلات وبضرورة التدخل العاجل لمحاربتهم
وأكد وزير الثروة الحيوانية والسمكية حافظ إبراهيم عبد النبي إبراهيم أنّ المراعي الطبيعة توفر ما يفوق 70% من تغذية القطيع، وأن وزارته ستقوم بوضع السياسات والقوانين لتنظيم العمل بالقطاع. وأشار حافظ إلى تعرض المراعي لتدهور كبير نتيجة بعض العوامل الطبيعية ومنها بفعل الإنسان، مؤكداً جهد وزارته لتقديم كل الدعم لإدارة المراعي حتى تؤدي دورها المطلوب في ترقية قطاع الثروة الحيوانية.
وتستعد الوزارة أيضاً لتنظيم وترتيب البيت الداخلي مستصحبة ضوابط جديدة وإحكامها بغية تحديد المشكل الأساسي وراء تدهور هذا القطاع الذي لم يخلُ من مشاكل فتارة بسبب الورّاقة وأخرى بسبب رفض الدول الماشية السودانية بحجة عدم التزامها بالمواصفات المطلوبة في ظل وجود تلاعب وفساد واضح في ما يتعلق بإنتاج وتصدير الماشية إلى دول العالم، حسب مراقبين.
وكشف وزير المالية والتخطيط الاقتصادي جبريل إبراهيم، في تصريحات سابقة، عن إمكانية تحقيق 6 مليارات دولار سنوياً من عائدات صادر الثروة الحيوانية بدلاً عن 600 مليون دولار.
يرى مصدر مواش يدعى بابكر عيسى أنّه إذا استطاع السودان فتح أسواق جديدة وتمكن من إدارة قطاع الثروة الحيوانية بطرق علمية وسلمية وتمت مراعاة مستوى جودة اللحوم والمواصفات في تلك الأسواق يتوقع أن يكون الدخل من الثروة الحيوانية أكثر من 6 مليارات دولار.
وقال عيسى: "هذا يتوقف على مدى التقدم والوعي بأهمية الرقي بصادراتنا وفق شروط الأسواق العالمية من حيث الجودة، فالثروة الحيوانية وبالتحديد إذا استطعنا تطوير قدرات أهلنا فهي ثروة ومورد لا ينضب ووضعنا استراتيجية لتطوير القطاع سنقفز بالعائدات".
يرى الخبير الاقتصادي آدم بابكر أنّ "المطلوب إنشاء مسالخ بمواصفات حديثة للصادر لأنّ أكثر من 80% من صادراتنا تذهب باتجاه المملكة العربية السعودية".