ظهرت في الأفق العديد من المؤشرات الإيجابية على إمكانية عودة المساعدات من المجتمع الدولي إلى السودان، إلا أن مراقبين أكدوا أن هذه الخطوة مرهونة بتنفيذ شروط محدّدة.
وقال رئيس مجلس السيادة في السودان، عبد الفتاح البرهان، مؤخراً: "هناك مؤشرات إيجابية تتصل بدعم المجتمع الدولي مجددا للخرطوم". وأضاف: "أنا أظن أن الأمور ستعود قريبا (إلى ما كانت عليه). تشكيل الحكومة المدنية بالتأكيد سيعيد الأمور إلى نصابها".
وأكد الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان ورئيس بعثة دعم الانتقال "يونيتامس"، فولكر بيرتس، رفضه تعليق المساعدات من قبل المانحين. وطالبهم بمواصلة مساعدة الفئات الضعيفة من السودانيين.
لكن وزير المالية السوداني في الحكومة المنحلة، جبريل إبراهيم، قال إنّ السودان لم يتمكن من الحصول على 650 مليون دولار من التمويل الدولي في نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، عندما توقفت المساعدات في أعقاب الانقلاب. وأضاف جبريل أنّ هذا التمويل يشمل 500 مليون دولار لدعم الميزانية من البنك الدولي، و150 مليون دولار في شكل حقوق سحب خاصة من صندوق النقد الدولي.
وفي الأثناء، دعا نائب مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة، داي بينغ، إلى استئناف تخفيف أعباء الديون والمساعدات الاقتصادية للسودان، مع عودة الانتقال السياسي في البلاد إلى مساره. وقال إنّ إجراءات الإصلاح الاقتصادي التي اتخذتها السلطات السودانية حققت بعض النتائج. ومع ذلك، لا يزال الوضع العام غير مرضٍ، حيث تجاوز معدل التضخم 300 في المائة لفترة طويلة، وما زالت المشكلات المتعلقة بالتوظيف وسبل العيش خطيرة، وزاد الاستياء العام؛ وهذا أحد الأسباب الجذرية وراء القلاقل في السودان، حسب بينغ.
وقال إنه "في ظل هذه الظروف، أدى تعليق تخفيف أعباء الديون والمساعدات الاقتصادية من جانب بعض المؤسسات المالية والدول، إلى زيادة عبء التنمية على السودان، وتفاقُم محنة الشعب السوداني".
الاقتصادي السوداني عادل عبد المنعم يرى، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن هناك إمكانية من الصين وروسيا لدعم السودان، لأنهما تقفان مع المجلس العسكري، إن أرادتا ذلك، لأن مساعدتهما لا ترتبط بدول الغرب عموماً، لا سيما أميركا.
ويقول إنّه إن عاد الدعم وفقاً لمناشدات الأمم المتحدة والمبعوثين الأميركي والصيني، فلن يعود كما في السابق، إذ خصص البنك الدولي مبلغ ملياري دولار للدعم في القطاعات المختلفة. ويرى إمكانية عودة المساعدات الإنسانية، وهو أمر لن يحلّ مشكلة الاقتصاد السوداني، ويقول: "عودة الدعم بشكله السابق مرتبط بالتحول الجذري في شكل الحكم، وعودة النظام الديمقراطي الذي لن يعود إلا بعد توطيد دعائم الديمقراطية الحقيقية بعد الانتخابات".
يضيف: "حتى نصل إلى تلك المرحلة، سيعاني الاقتصاد السوداني والمواطن من المشكلات لأن صادرات البلاد لا تكفي. وسيعاني الاقتصاد السوداني خلال العام المقبل من عجز 5 مليارات دولار". ويقول إنّ المشكلة الأخرى هي أنّ دعم الدول مرتبط بتنفيذ أجندة محددة، وتلك الدول لا تعرف حقيقة الأوضاع في السودان، لكنّها تسعى إلى تنفيذ مصالح خاصة بها.
إلى ذلك، يقول المحل الاقتصادي سيف الدين إبراهيم: "من بين الأسباب التي دعت الانقلابيين إلى تنفيذ انقلابهم، هو الاتجاه السائد في الحكومة بتطبيق مبدأ علمنة الدولة من قبل القائمين في حكومة عبد الله حمدوك السابقة، لكنّه أيضاً ليس مبرراً للقيام بتلك الخطوة".
يضيف: "هذه الخطوة تلقي بأعباء كبيرة جدا على معيشة السودانيين"، مضيفاً: الآن خسرنا 150 مليون دولار من صندوق النقد الدولي، و500 مليون دولار من البنك الدولي، ومن الصعب العودة مرة أخرى بسهولة كما يظن الناس.
ويؤكد الاقتصادي السوداني عادل خلف الله، لـ"العربي الجديد"، على مواجهة السودان صعوبات اقتصادية، وأنّ العاجل استعادة العلاقات مع المجتمع الدولي سيحد من هذه الصعوبات. ويقول: "بعد سقوط نظام عمر البشير لم يستطع السودان إعادة علاقاته المتوازنة مع الدول والمؤسسات الدولية، إلا بعد عام ونصف العام". ويعتقد خلف الله أنّ خطوة الانقلاب انطلقت من حسابات ذاتية ضيقة غلبت على مصلحة أهل السودان وشعبه.
وسبق أن رحبت الحكومة الانتقالية والقوى السياسية والمجتمعية بإعلان إعفاء ديون السودان، عقب تطبيق "روشتة" صندوق النقد الدولي التي قضت بتحرير تام لأسعار الوقود والجنيه والدولار الجمركي، ما فاقم من تداعيات الأزمة الاقتصادية التي يعيشها السودانيون.
كما قال رئيس بعثة الأمم المتّحدة المتكاملة لدعم الانتقال في السودان "يونيتامس" فولكر بيرتس، إنّ موافقة صندوق النقد الدولي على انضمام السودان إلى مبادرة البلدان المثقلة بالديون "هيبك"، ووصوله إلى نقطة اتخاذ القرار بنجاح، يعتبر خطوة مهمة تقود إلى تخفيف ديونه. تابع أنّ هذه الخطوة تفتح مجالات التعاون مع شركاء التنمية والتمويل لدعم التنمية الشاملة ومكافحة الفقر وزيادة الاستثمارات. وكان رئيس الوزراء السوداني، قد أعلن أنّ السودان سيحصل بموجب هذا القرار على إعفاء نهائي من الديون يقدر بحوالي 50 مليار دولار.