تسير المملكة العربية السعودية نحو ضمان حصة رائدة بسوق الهيدروجين الأخضر، من خلال الاستفادة من الإمكانات الطبيعية التي تتميز بها وتساعدها على إنتاج ذلك الوقود بكلفة أقل، في إطار سياسة "للتحوط الطاقوي" ضمن إطار أوسع لرؤية المملكة الاقتصادية 2030، وهو ما ترجمته أخيرا في الإعلان عن تنفيذ المرحلة الثانية من أكبر مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر في العالم.
وتشمل تلك المرحلة الإغلاق المالي لتنفيذ المصنع مع 23 مصرفا وشركة استثمارية، وإصدار رخصة التشغيل الصناعي الأولي لشركة "نيوم للهيدروجين الأخضر"، وفقا لما أوردته وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس).
التشغيل في نيوم
من المقرر أن يتم تشغيل المصنع بالكامل بالطاقة المتجددة من الشمس والرياح في منطقة نيوم المخططة كمدينة عابرة للحدود في شمال غربي السعودية، وتبلغ كلفته 5 مليارات دولار، على أن يبدأ الإنتاج في عام 2026، بحسب تقرير أورده موقع "يوتيليتيز" المتخصص في شؤون الطاقة.
ويهدف المشروع إلى إنتاج 600 طن من الهيدروجين الأخضر يوميًا بواسطة التحليل الكهربائي، فضلا عن إنتاج ما يصل إلى 1.2 مليون طن سنويًا من الأمونيا الخضراء، وعند اكتماله سيساهم في التخفيف من تأثير 5 ملايين طن من انبعاثات الكربون سنويًا في السعودية، بما يساهم في تعزيز مصداقية تعهدات المملكة المناخية، بحسب التقرير.
ويؤشر التطور الحثيث في تنفيذ المشروع إلى اهتمام السعودية بالانضمام إلى سوق الهيدروجين المتزايد، والذي يُتوقع أن يصل حجمه إلى 700 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2050، حسبما أورد تقرير نشره الموقع الرسمي لـ"أكوا باور"، وهي إحدى الشركات المشاركة في تنفيذ المصنع الضخم.
بديل اقتصادي
يؤكد الخبير في شؤون الطاقة عامر الشوبكي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن السعودية، وفق رؤية 2030، تحاول تقليص الاعتماد على اقتصاد النفط، وبالتالي تقليص الوقود الهيدروكربوني كرافد أساسي للموازنة، انطلاقا من تقدير مفاده أن اعتماد العالم على هذا النوع من الوقود بدأ في الانخفاض وفي طريقه للأفول.
ويضيف الشوبكي أن النظرة السعودية تشير إلى مستقبل واعد لإنتاج الهيدروجين الأخضر، باعتباره "مفتاح الطاقة النظيفة" بالمملكة، خاصة في المجالات ذات الاستخدام الكثيف للطاقة. ويدعم النظرة السعودية اعتقاد يسود العالم حاليا، مفاده أن الهيدروجين الأخضر سيكون هو البديل الاقتصادي لاستخدامات النفط والغاز المكثفة في الصناعات، وهو ما يعني الكثير لاقتصاد المملكة، الذي يعد المصدر الأكبر للطاقة في المنطقة.
سهولة التصدير
كما أن السعودية هي أكبر مصدر للطاقة الهيدروكربونية، وتسعى لأن تكون ذات قدم راسخة في سوق طاقة المستقبل النظيفة، سواء تلك الصادرة عن الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، وهو ما يفسر توسعها الكبير في مشروعات الطاقة الشمسية أيضا، والتي يتم إنتاج الهيدروجين الأخضر من خلالها، حسب الشوبكي.
لكن الهيدروجين الأخضر يتميز عن غيره من أنواع الوقود الأخرى بإمكانية تصديره، عبر نقله من منطقة لأخرى بطرق أسهل من باقي أنواع الطاقة المتجددة، التي لا يمكن نقلها إلا عبر شبكات الكهرباء، حسب الشوبكي، مشيرا إلى أن ذلك يمثل فرصة سعودية لإبقاء المملكة مصدرا مستقبليا للطاقة على المديين المتوسط والبعيد.
يؤكد الخبير في شؤون الطاقة عامر الشوبكي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن السعودية، وفق رؤية 2030، تحاول تقليص الاعتماد على اقتصاد النفط
وبضمان استمرار السعودية مصدرا مستقبليا رائدا للطاقة، تضمن المملكة أيضا تنويع اقتصادها بعيدا عن أحادية المورد الأحفوري، وفق الشوبكي.
إنتاج ضخم
أعلنت "نيوم للهيدروجين الأخضر"، في مايو/ أيّار 2022، تعيين ديفيد إدموندسن رئيسًا تنفيذيًا للشركة الجديدة، والذي تولى، على مدى 34 عاما، مناصب في شركة "إير بردوكتس" الأميركية، وهي شريك أيضا في تأسيس الشركة السعودية الجديدة.
ومن المقرر إنتاج نحو 4 جيغاواط من الطاقة الشمسية والرياح، لتشغيل التحليل الكهربائي الخاص لإنتاج 1.2 مليون طن من الأمونيا الخضراء سنويًا، أي ما يوازي 600 طن متري من الهيدروجين الأخضر يوميًا، وذلك بحلول عام 2026.
ومع بدء تشغيل المصنع، سيكون كامل إنتاجه من الهيدروجين الأخضر مخصصاً للتصدير العالمي، وذلك من خلال اتفاقية حصرية طويلة الأجل مع شركة إير برودكتس، تبلغ مدّتها نحو 30 عامًا.
وكانت "نيوم للهيدروجين الأخضر" قد اعتمدت مؤسسةَ "إس آند بي غلوبال" للتصنيفات الائتمانية طرفًا ثانيًا مستقلًا في تقديم الرأي الموضوعي لهيكلة التمويل الخاص بأكبر مصنع بالعالم، في إطار تأكيد الالتزام بشروط القروض الخضراء.