مؤشرات نموذج اقتصادي تتجه إليه المملكة العربية السعودية تلوح في الأفق في ظل الارتفاع المتنامي في القوة الشرائية، وتسجيل معدلات تاريخية في الإنفاق على السلع والخدمات داخل المملكة على مدى العام الماضي والربع الأول من العام الجاري.
والقوة الشرائية هي مقياس لقدرة الفرد أو المجتمع على شراء السلع والخدمات في دولة بالمقارنة مع أخرى، واحتلت السعودية، في هذا المقياس، المرتبة الرابعة بين دول مجموعة العشرين لعام 2022، ما يعني أن المستهلكين في المملكة يمكنهم شراء السلع والخدمات أكثر من نظرائهم في أغلب دول العالم، حسبما أورد موقع لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا).
وسجلت المبيعات عبر نقاط البيع في المملكة، خلال مارس/آذار الماضي، أعلى مستوى في تاريخها حيث بلغت 55.4 مليار ريال (14.8 مليار دولار)، وفقا للبيانات الصادرة عن البنك المركزي السعودي.
وتُمثل العمليات عبر نقاط البيع ما ينفقه المستهلكون عبر بطاقات الصراف وبطاقات الائتمان في مراكز التسوق الكبيرة ومحلات التجزئة والصيدليات وغيرها.
دخل الفرد والتضخم
يشير الخبير الاقتصادي، حسام عايش، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن معدل دخل الفرد السعودي يقدر بحوالي 65 ألف دولار سنويا، ما يؤشر إلى قوة شرائية مرتفعة للغاية.
ويلفت عايش، في هذا الصدد، إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للمملكة تجاوز التريليون دولار لأول مرة في نهاية عام 2022، ما ساهم في زيادة معدلات دخول المواطنين.
أما العامل الثاني في التأثير بتقييم القوة الشرائية فهو معدلات التضخم، ويعتقد عايش أنها معتدلة في السعودية، إذ تدور حول مستوى 3% تقريبا، وبالتالي فإن القوة الشرائية ظلت تتمتع بكامل إمكاناتها.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن رؤية السعودية 2030 تستهدف تحويل إنفاق السعوديين من الخارج إلى الداخل، عبر استقطاب السياح والمعتمرين والحجاج بأعداد أكبر، إضافة إلى استقطاب رجال الأعمال، وهو ما تسعى إليه دائما الدول المتقدمة اقتصاديا، عبر التركيز المستمر، في نماذجها الاقتصادية، على زيادة معدلات دخل مواطنيها، بما يؤدي إلى زيادة إنفاقهم على السلع والخدمات في السوق الداخلي.
ويحد ذلك من تأثير أي اختلالات في العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية للمملكة، حسبما يرى عايش، وبالتالي تركيز الحكومة السعودية كبير على زيادة معدلات دخل المواطنين في الداخل.
ويلفت عايش إلى أن الصين تحول نموذجها حاليا من اقتصاد قائم على التصنيع والتصدير إلى اقتصاد قائم على الخدمات، التي يتم تسويقها لأعداد كبيرة من المواطنين، ما أدى إلى تحسن مستويات معيشتهم، وهو ما تستلهمه السعودية في نموذجها الجديد.
ومن شأن ارتفاع حجم الإنفاق في الداخل أن يعزز المؤشرات الاقتصادية السعودية، بما يعني أن المملكة ستكون قادرة على إدارة إمكانات النمو والاستثمار والإنفاق وفق أدواتها الداخلية، وبأقل قدر من التأثيرات الخارجية، وهذا أمر في غاية الأهمية بالنسبة لاقتصاد المملكة في رحلة صعوده إلى العالمية، بحسب عايش.
وبتعزيز القوة الشرائية، يكون التركيز على شراء الأغذية والملابس والسلع الاستهلاكية، باعتبارها احتياجات المواطنين الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها، بحسب عايش، مشيرا إلى أن زيادة الإنفاق تلك من شأنها دفع الحكومة السعودية إلى الاهتمام بالتصنيع الغذائي، الذي يقع في صلب استراتيجية الأمن الوطني للمملكة، خاصة بعد جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.
السكان ومستوى المعيشة
يرى المستشار الاقتصادي والخبير المالي، هاشم الفحماوي، أن الاقتصاد السعودي "كشر عن أنيابه" ويسجل أفضل الأرقام حاليا، ومنها ما يتعلق بالقوة الشرائية، مشيرا إلى أن هذه الطفرة استندت إلى انتعاش أسعار النفط، الذي بدأ في عام 2017 حتى نهاية عام 2023، إذ حقق الاقتصاد السعودي نموا تدريجيا، حسبما صرح لـ"العربي الجديد".
ويشير الفحماوي إلى أن تحقيق الاقتصاد السعودي لنمو بأكثر من 9.3% خلال عام 2019 حتى 2022 كان متوقعا بعد ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات 90 دولارا للبرميل، وهو ما انعكس على الزيادة الكبيرة في القوة الشرائية لتسجل أعلى مستويات لها منذ أعوام.
ويلفت الخبير الاقتصادي إلى أن مؤشر القوة الشرائية يعتبر من المؤشرات الاقتصادية المؤثرة محليا، ويدل على قدرة الفرد على الشراء الفعلي، ولا يقاس فقط على مدينة بعينها، بل على جميع المدن في المملكة، مشيرا إلى أن العاصمة الرياض احتلت المركز الأول بين تلك المدن.
وبمقارنة عدد السكان بالقوة الشرائية، ينوه الفحماوي إلى أن مكة المكرمة تحتلُّ المركز الأول بعدد السكان، والمركز قبل الأخير في القوة الشرائية، ما يؤشر إلى وجود فجوةٍ كبيرةٍ في مستوى المعيشة بين الرياض وبعض المدن الأخرى.
ويتوقع الفحماوي أن يواصل مؤشر القوة الشرائية بالسعودية ارتفاعه حتى نهاية العام الجاري بنسبة تتجاوز 25% عن معدلات الربع الأول من عام 2021 و2022، مشيرا إلى أن هذا المؤشر سيكون مدعوما بارتفاع معدلات نمو المملكة، استنادا إلى الطفرة الكبيرة في عديد الأنشطة الاقتصادية، ومنها السياحة، التي توليها الحكومة السعودية اهتماما خاصا.