استمع إلى الملخص
- تراجعت نسبة امتلاء السدود في تونس إلى 24% بسبب نقص الأمطار، مما أثر على المحاصيل، وتعتبر تونس من الدول المثقلة بالديون، مما يحد من قدرتها على تنفيذ مشاريع كبيرة.
- بدأ المشروع في 2019 بدعم الاتحاد الأوروبي، الذي خصص 220 مليون يورو لمشاريع زراعية ومناخية، وساهم المزارعون المحليون بنسبة 10% من التكلفة.
تفصل ساقية تنساب عبرها المياه في شمال غرب تونس بين حقول جافة صفراء وأخرى خضراء يانعة، بفضل مبادرة ذاتية لمزارعة لم يحل ضعف التمويل في بلادها دون تحقيق حلمها، وهو بناء سد صغير لحفظ الماء ومقاومة التغير المناخي.
شيّدت المزارعة سعيدة الزواوي (44 عاماً)، بفضل تمويلات من منظمات دولية، سداً صغيراً تتجمع فيه مياه الينابيع القادمة من بين ثنايا الجبال المكسوة بغطاء من الغابات، وهو عبارة عن حوض من الحجارة والإسمنت، وسط واد تخرج منه ساقية تمثل شريان حياه لأكثر من أربعين مزارعاً. وتغيث مياه السد محاصيلهم في ظل تراجع تساقط الأمطار، إذ تشهد البلاد سنة سادسة من الجفاف المتواصل، في حين أن نسبة امتلاء السدود لا تتجاوز ربع طاقة الاستيعاب.
تقول سعيدة، وقد غمرت مياه الحوض خصرها بينما ترفع ما علق بالقناة من أغصان "مقاومة التغير المناخي يجب التعايش معها. نحن نعرف جيّداً المنطقة ونعرف مشاكل الماء، سنجد الحلول ولن نيأس". كانت الفكرة حلماً قديماً لسعيدة الزواوي في منطقة غار الدماء بشمال غرب تونس، وامتداداً لما بدأه جدها ووالدها بوسائل تقليدية، إذ كانا يصففان أكياس الرمل بمحاذاة الوادي ليجعلا منها حوضاً للمياه يستغلانه مع باقي المزارعين لسقي المحاصيل.
يبلغ طول السد 70 متراً وارتفاعه ثلاثة أمتار ونفّذته منظمة العمل الدولية بتمويل من الاتحاد الأوروبي. وهذا السد مثال على كيفية توظيف تمويلات المؤسسات الدولية والدول المتقدمة لمساعدة البلدان المتضررة من تغير المناخ. وستركز الدورة الـ29 لمؤتمر الأطراف للمناخ "كوب29" التي ستعقد في أذربيجان في نوفمبر/تشرين الثاني برعاية الأمم المتحدة، على وجه التحديد، على المبلغ الإجمالي الذي ستوافق الدول الغنية في العالم على دفعه سنويا لمساعدة البلدان الأكثر فقرا على التكيف مع الظروف المناخية.
أخصب المناطق الزراعية في تونس
سمحت التركيبة الجيولوجية للجبال بأن تؤدي الحجارة "دور الإسفنجة" التي تمتص مياه الأمطار والثلوج وتعصرها في نبع يجري في ساقية لمسافة نحو 10 كيلومترات وتزود السد بالمياه. لكن ومع تواتر سنوات الجفاف وانجراف التربة، نضب المنبع ولم يسعف العمر الجد والأب ليكملا المشوار. بقيت فكرة إعادة إحياء "مشروع العمر ليسقي المنطقة بأكملها، ويعود المزارعون وتستأنف الحياة"، بحسب الزواوي.
وتبيّن "بتغير المناخ أصبح هناك نقص في الماء، لذلك قلص المزارعون من مساحات الحقول وتخلصوا من الزراعات التي تتطلب الكثير من الماء". خلال سنوات السبعينيات والثمانينيات كانت الساقية توفر "مياها لري 48 هكتاراً، ولكن مع تغير المناخ تقلصت المساحة المروية إلى 12 هكتارا" بحسب المنسق الوطني لمنظمة العمل الدولية، منعم الخميسي.
ومنطقة الشمال الغربي من أخصب المناطق الزراعية في تونس؛ حيث تزود البلاد بالحبوب والغلال والخضروات، وفيها أهم السدود التي تراجع معدل امتلائها إلى نحو 24% بسبب النقص الكبير في كميات الأمطار، ما أدى إلى تلف كامل محصول الحبوب تقريباً خلال عام 2023. وقامت السلطات التونسية قبل ثورة 2011 بدراسة لفكرة إنجاز السد الصغير وخلصت إلى أنه "لا مردودية للمشروع". وتفسر الزواوي ذلك بأنّ "السلطات إمكانياتها محدودة ولا تملك الموارد المالية لتنفيذها ولديها أولويات أخرى، لا يمكن أن ننكر هذه الحقيقة".
وتصنّف تونس ضمن الدول المثقلة بالديون الخارجية (أكثر من 80% من الناتج المحلي الإجمالي) بالرغم من سداد مجمل التزاماتها من الديون الخارجية للعام الحالي، وتشهد تباطؤا في النمو الاقتصادي الذي يتوقع أن يكون دون 2% في العام الحالي.
بدأ حلم الزواوي يتحقق في عام 2019 وكان ذلك بالنسبة للمزارعة "فرصة يجب أن نكون في المستوى وديمومته والحفاظ عليه". ويوضح الخميسي "المشروع مبادرة نموذجية للتنمية المحلية المندمجة". وبلغت تكلفة المشروع 350 ألف دينار (حوالي 90 ألف يورو) وساهم المزارعون المحليون بـ10% من التكلفة، بشراء بعض المعدات والمشاركة بأيام عمل لإتمامه. والاتحاد الأوروبي أول شريك اقتصادي لتونس وخصص منذ 2023 ما يقرب من 220 مليون يورو لدعم مشاريع في قطاعات الزراعة والتغير المناخي والمياه.
مشاريع الريف المهمش
كما يساهم الاتحاد بحوالي 16 مليون يورو في إنجاز مشاريع تنموية في محافظات ريفية مهمشة، تتعلق بتنفيذ مبادرات لتخزين وتوزيع عادل ومستدام للموارد المائية في القطاع الزراعي. ويضيف الخميسي "المنظمة لا تأخذ مكان الدولة، بل ندعم جهودها في تنفيذ بعض المشاريع النموذجية فنياً ومالياً لمقاومة التغير المناخي وإحداث مواطن الشغل في المناطق المهمشة" على غرار منطقة الشمال الغربي الذي تناهز فيها نسبة لبطالة 20%. قبل إنجاز المشروع، نزح مزارعو المنطقة وغيّر بعضهم النشاط الاقتصادي، لأن مردودية الزراعة لم تعد تكفي لتلبية متطلبات مصاريف العائلة.
تنساب الماء من القناة لتصل إلى 45 مزرعة (يتراوح معدل مساحاتها بين هكتار وهكتارين) لسقي محاصيلها بعملية تناوب تدوم 24 ساعة لكل مجموعة من المزارعين. واجهت الزواوي صعوبة في إقناع المزارعين بتبني المشروع لأن "الناس فقدت الثقة في الدولة، وكل مسؤول يزور المنطقة يظن المزارعون أنه قادم من أجل أهداف انتخابية، لذلك جلست معهم وقمت بإقناعهم بأن الماء سيعود من دون مقابل".
تمر القناة بحقل ربح الفزعي (58 عاماً) الممتد على نحو هكتار غرست فيه ذرة وخضروات. وتفصح "هذا المشروع غيّر حياتنا بشكل كبير، أصبحنا ننفق على العائلة من خلال بيع منتوجنا". وتضيف "أحفادي يساعدونني في السقي اليوم". تواصل الساقية تمددها وصولا إلى حقل عبد الله القضقاضي (54 عاماً)، الأب لخمسة أولاد. ويقول "تراجعت مساحة الزرع في حقلي إلى الثلث قبل إنجاز المشروع"، لكن وصول المياه مكّنه من إعادة توسيع المساحة شيئاً فشيئاً.
(فرانس برس)