استمع إلى الملخص
- تشكل عملية الترحيل تحدياً لوجستياً كبيراً للحكومة الأميركية، حيث تتطلب تحديد هوية واعتقال واحتجاز وترحيل ملايين الأشخاص، وتقدر تكلفة ترحيل مليون شخص بحوالي 88 مليار دولار.
- تستعد شركات مثل "جي إي أو غروب" و"كورسيفك" لزيادة قدرتها على الاحتجاز بسرعة، بينما تسعى الشركات الأصغر حجماً للمشاركة في احتجاز المهاجرين.
تستعدّ السجون الخاصة والشركات الموردة لمستلزمات إيواء المحتجزين في الولايات المتحدة للاستفادة مما وصفه الرئيس المنتخب دونالد ترامب بأنه "أكبر عملية ترحيل في تاريخ أميركا"، إذ تتسارع عمليات البحث عن أكبر عدد ممكن من أسرة الاحتجاز لدى الموردين، واستكشاف المواقع للمباني الجديدة لإيواء المهاجرين، الذين أصبحوا "سلعة رائجة" فيما تعرف بـ"تجارة ترامب"، كما تمضي شركات إدارة السجون في تعيين موظفين جدد.
وتعهد ترامب، يوم الأحد الماضي، بأنه سيوقع في أول يوم له في منصبه (20 يناير/ كانون الثاني المقبل) على حزمة من الأوامر التنفيذية لإغلاق الحدود الأميركية أمام المهاجرين غير الشرعيين، مشيراً إلى أن هذه الخطوة ستوقف "غزو المهاجرين غير الشرعيين للأراضي الأميركية"، ليؤكد مضيّه قدماً في وعوده الانتخابية التي خلقت سوقاً رائجة في العديد من المجالات والأنشطة التي تطرقت إليها ومنها "تسليع المهاجرين غير الشرعيين".
قال جورج زولي مؤسس ورئيس مجلس إدارة "جي إي أو غروب" (GEO)، وهي شركة أعمال في مجال إدارة السجون الخاصة، في مؤتمر عبر الهاتف مع المستثمرين في الشركة، بعد أيام من فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية التي جرت الشهر الماضي: "هذه فرصة غير مسبوقة بالنسبة لنا".
وتشكّل عملية ترحيل على النطاق الذي وعد به ترامب عملاً لوجستياً غير مسبوق للحكومة الأميركية، يتضمن تحديد هوية ملايين الرجال والنساء والأطفال وتحديد أماكنهم واعتقالهم واحتجازهم ومحاكمتهم وترحيلهم، ما يحتاج إلى دعم كبير من شركات إدارة السجون الخاصة ويعيد الطمأنينة إليها، بعدما كان الرئيس جو بايدن المنتهية ولايته قد وقّع في 26 يناير/ كانون الثاني 2021 مرسوماً يقضي بإنهاء تعاقدات وزارة العدل مع السجون التي يديرها القطاع الخاص، كجزء للتخلص من العرقية المنظمة.
وتؤوي سجون الشركات الخاصة ما يقرب من نصف المهاجرين المحتجزين حالياً في البلاد، مقارنة بحوالي 25% قبل عقد من الزمن، وفي المجموع يوجد الآن حوالي 130 سجناً خاصاً في البلاد فيها حوالي 157 ألف سرير، وفق بيانات معهد سياسة الهجرة. وتدرّ هذه السجون أرباحاً كبيرة جعلت لوبي السجون الخاصة أحد مجاميع الضغط الأكثر تأثيراً في الولايات المتحدة على مدار السنوات الماضية. وفي حين أن الولايات المتحدة تمثل 5% فقط من سكان العالم، إلا أنها تحتجز ربع المساجين في العالم، فهناك ما يقرب من 2.3 مليون شخص في سجون أميركا، بواقع 655 نزيلاً لكل 100 ألف شخص.
وبينما لا يزال النطاق الفعلي لخطط ترامب بشأن ترحيل المهاجرين غير الشرعيين غير واضح، إلا أن هيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك رحلت حوالي 935 ألف مهاجر غير شرعي خلال ولايته الرئاسية الأولى (2017 ـ 2021)، وفقاً لتقرير صادر أخيراً عن معهد سياسة الهجرة. بينما رحّلت إدارة جو بايدن حوالي 545 ألف شخص على مدار سنواتها الأربع.
وقدر مجلس الهجرة الأميركي، وهي مجموعة مناصرة للمهاجرين، أن ترحيل مليون شخص في عام واحد سيكلّف الولايات المتحدة 88 مليار دولار، وهو رقم يشمل النفقات المرتبطة بالاعتقال والاحتجاز والمعالجة القانونية والإبعاد. ووفق التقديرات فإنه كان هناك ما يقدّر بنحو 11 مليون مهاجر غير موثق في الولايات المتحدة اعتباراً من عام 2022.
ووفق جورج زولي، رئيس مجلس إدارة "جي إي أو غروب" تؤوي السجون التي تديرها شركته حالياً حوالي 40% من المحتجزين لدى وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك "ICE"، مشيراً إلى أن الشركة تتوقع مضاعفة جميع خدماتها خلال الفترة المقبلة. وقال إن شركته لديها ما يكفي من أسرة الاحتجاز لزيادة عدد المهاجرين، الذين تحتجزهم بسرعة من 13500 سرير إلى أكثر من 31000 سرير.
في السياق، قال براين إيفانز، الرئيس التنفيذي لشركة "جي إي أو غروب"، إن الترحيل الجماعي سيدرّ على الشركة إيرادات سنوية تتجاوز 400 مليون دولار. وبحسب الشركة، يمكنها أيضاً أن تنقل مئات الآلاف من الأشخاص مع تعزيز النقل الجوي والبري.
وقال واين كالابريس، رئيس شركة "BI Incorporated" التابعة لشركة "جي إي أو غروب"، إن الشركة لديها عقد مع وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك، بشأن المراقبة الإلكترونية للمهاجرين الذين ينتظرون مواعيد المحاكمة، والذي يمكن زيادته بشكل كبير عن العدد الحالي البالغ 182500 مهاجر. وقال وفق تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية: "لقد أكدنا لوكالة إنفاذ قوانين الهجرة قدرتنا على التوسع بسرعة للمراقبة والإشراف على مئات الآلاف، أو حتى ملايين عدة، من الأفراد".
ووجهت شركة كورسيفك (Core Civic)، اللاعب الرئيسي الآخر في عالم إدارة السجون الخاصة ومراكز احتجاز المهاجرين غير الشرعيين، رسالة مماثلة للمستثمرين بعد فوز ترامب بالانتخابات. وتعتقد الشركة أنها تستطيع زيادة قدرتها على الاحتجاز بسرعة إلى 25 ألف سرير من خلال تشغيل الأسرة غير المستخدمة، بما في ذلك في منشأة كانت تستخدم سابقاً لاحتجاز عائلات المهاجرين في ولاية تكساس، وفقاً لما قاله الرئيس التنفيذي دامون هينينجر في مقابلة، وفق وول ستريت جورنال. وقال هينينجر إن إدارة بايدن اختارت إغلاق الموقع في وقت سابق من هذا العام، لكن الشركة أبقت عليه في "حالة دافئة".
وأضاف هينينجر أن "كورسيفك حدّدت أيضاً مواقع أخرى يمكن استخدامها لاحتجاز عائلات بأكملها، إذا قررت إدارة ترامب القيام بذلك. وقال إنه بالإضافة إلى الأسرة الموجودة بالفعل التي يمكن الاستعانة بها، تستكشف الشركة أيضاً إضافة مبانٍ جديدة أو مرافق مؤقتة على الأراضي التي تمتلكها بالفعل.
بدوره، قال برايان فيولينو، المحلل شركة "ويدبوش سيكيورتيز" العاملة في مجال الوساطة المالية، إن هناك شيئاً مختلفاً لكل من "كورسيفيك" و" جي إي أو غروب" هذه المرة وهو أنهما يحملان ديوناً مصرفية أقل، مما يجعلهما أقل عرضة للغضب العام. وأوضح أنه خلال الإدارة السابقة، أدت الصرخة ضد احتجاز المهاجرين إلى قيام بعض البنوك بسحب التمويل من الشركات، بينما الآن لا يحتاجون إلى هذه التمويلات لجلب مرافق جديدة لإيواء المحتجزين وترحيلهم.
ولتعزيز علاقاتها بالإدارة المقبلة، استعانت "جي إي أو غروب" مؤخراً بشركة ضغط مرتبطة بترامب تسمى "Continental Strategy LLC"، وفقاً لعمليات إفصاح. ويدير الشركة في فلوريدا المحامي الشهير كارلوس تروخيو، الذي نصح ترامب بشأن قضايا الهجرة أثناء حملته الانتخابية. كذلك توظّف الشركة كاتي وايلز، ابنة رئيسة موظفي ترامب سوزي وايلز. وساهمت كل من "كورسيفيك" و"جي إي أو غروب" من خلال قيادتهما التنفيذية أو لجان العمل السياسي في جهود إعادة انتخاب ترامب بشكل كبير، وفق الصحيفة الأميركية.
كذلك تستعد الشركات الأصغر حجماً للمشاركة في احتجاز المهاجرين لزيادة نشاطها. وفي وقت سابق من هذا الشهر، وقعت شركة "Asset Protection & Security Services"، ومقرها ولاية تكساس، اتفاقية مع مسؤولي مقاطعة ريفز لإعادة تشغيل سجن سابق بسعة 3700 سرير، والذي قد تؤجره للحكومة الفيدرالية لاحتجاز المهاجرين، وفقاً لمؤسس الشركة سكوت ماندل. وقال ماندل إنه مهتم أيضاً باحتجاز العائلات والأطفال، مشيراً إلى أن شركته تعاقدت سابقاً لإيواء أكثر من ألف قاصر غير مصحوبين بذويهم في سان أنطونيو في قاعدة لاكلاند الجوية في عام 2021، وأنهم أعادوا تشغيل المنشأة في غضون 14 يوماً فقط.
كذلك قالت جوين كارسون، رئيسة شركة "كلاسيك إير" (Classic Air Charter)، وهي شركة مقرها فلوريدا كانت المقاول الرئيسي لرحلات الترحيل للحكومة الفيدرالية: " مقاولونا من الباطن في وضع الاستعداد.. سيكون من دواعي سرور الشركة المساعدة في تنظيف بلدنا". وحصلت "كلاسيك إير" على عقد بقيمة 880 مليون دولار من عام 2017 إلى عام 2023 لرحلات الطيران العارض. وفي السنة المالية 2023، نُقل ما يقرب من 149 ألف شخص غير مواطنين عن طريق رحلات الطيران العارض، وفقاً لوكالة الهجرة والجمارك الأميركية.