السبق لبشار الأسد

10 ابريل 2023
حتى الهروب أصبح صعباً على السوريين (Getty)
+ الخط -

المعادلة بمنتهى البساطة، وليست بسيطة فحسب، طرفها الأول دخل بحده الأعلى مئة ألف ليرة، وطرف المعادلة الثاني نفقات بنحو 5.6 ملايين ليرة، فبرأيكم ما هي مخرجات هذه المعادلة؟ أعتقد أنّ كل ما سيخطر لكم على بال صحيح، إذ طالما أن الجوع كافر، فلا غرابة في أي سلوك ينهجه السوري لإسكات جوعه، أو حتى جرم يرتكبه لإطعام أولاده، فكلمة "بابا أنا جوعان" تزلزل الأب وتدفعه للخطيئة وربما الجنون.

فالعمل بدوامين أجمل الحلول ومبتغى السوريين لتحسين الدخل وتلبية ولو جزء من الاحتياجات الضرورية، لكن هذا الحل مستبعد كلياً، لأنّ العمل الواحد حلم، بعد وصول نسبة البطالة إلى 83% وبدء انسحاب حكومة الأسد من دورها الأبوي وبيع القطاع الحكومي: خزان العمالة وملجأ الساعين.

لتأتي الحلول الممكنة والمتاحة، وأولها الهروب من سورية وتركها للأسرة الحاكمة، بدليل السعي اليومي لآلاف المهاجرين من مناطق سيطرة النظام عبر العراق ولبنان، براً وبحراً، لكن الهروب مكلف إلى ما فوق قدرة جلّ السوريين، بعد وصول كلفة استخراج جواز السفر السريع إلى مليون ليرة وتكاليف الهروب آلاف الدولارات.. ما يعني أيضاً أنّ هذا الحل الممكن صعب على الجميع وأقرب للمستحيل للعوام.

وأما ما يمكن أن يخطر على البال هنا، فإنّ لدى السوريين مدخرات لا شك اكتنزوها ليومهم الأسود. بيد أنّ هذا المخرج أيضاً لا مكان له بعد اثنتي عشرة سنة من التجويع والبطالة وقطع الأرزاق، فالمتابع لمسيرة إذلال السوريين ومعاقبتهم على طلبهم الحرية والكرامة، يعلم أنّ حركة تملّك الإيرانيين والعراقيين واللبنانيين للمنازل، بدمشق وحلب وغيرهما، في تزايد، ما يعني استنتاجاً أنّ السوري يبيع منزله ليتمكّن من الصمود وأسرته على قيد الحياة، بواقع ارتفاع أسعار زاد عن 100% خلال عام، وعملة بلغت أرذل قاعها، بعد تجاوز سعر صرف الدولار 7650 ليرة سورية.

ولم يبق من حلول ممكنة سوى التكيّف مع الواقع، إن عبر تغيير النمط الغذائي، كما نرى ونسمع عن شراء الخبز بالرغيف والبيض بالبيضة والطماطم بالحبة، والاستغناء عن اللحوم بمكعبات "ماجي" أو نبش حاويات القمامة، أيضاً كما نرى ونسمع، لإيجاد ما يسد رمق الجوعى.

ولكن، أي عقابيل آنية ومستقبلية لهذا التجويع المستمر منذ نيف وعقد، هذا إن استبعدنا بالمطلق انفجار الشارع السوري وخروجه على الحاكم؟ لأنّ من لم يمت من السوريين رأى من مات، ومن لم يعتقل شاهد المعتقلين، خاصة بعد موجة الهرولة العربية باتجاه نظام الأسد، وبدء شعوره بنشوة الانتصار على الشعب وطلاب العيش الآدمي والعدالة بتوزيع الثروة.

قصارى القول: جراء سلوك الممكن واضطرار 90% من السوريين للتأقلم مع الدخل، تعرّض ويتعرض الجميع، والأطفال بالمقدمة، لواحدة من أخطر المشاكل التغذوية والصحية، بعد تحول الوجبات الأساسية وحاجة الجسم من الغذاء إلى رفاهية وترف.

فالبيانات الأممية من قبل برنامج الأغذية العالمي تقول إنّ واحداً من كل ثمانية أطفال سوريين يعاني من التقزّم، في حين تظهر الأمهات، الحوامل والمرضعات تحديداً، بمستويات قياسية من الهزال الحاد.

والحال هذا لا يقتصر على مناطق سيطرة بشار الأسد، فلطالما كان القصاص جماعياً، إذ وثقت منظمة الأمم المتحدة إصابة 34% من أطفال الشمال الغربي من سورية (مناطق المعارضة) بحالات التقزم بسبب سوء التغذية.

وكما الأمهات هناك، تعاني السوريات بالشمال المحرر من الهزال، فوكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية الأممي مارك لوكوك، وضمن تحذيره من زيادة تقزم الأطفال 5% خلال العام الماضي، أشار "مشكوراً" إلى أنّ نحو 37% من الأمهات في مناطق النزوح يعانين من سوء التغذية.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

ما يعني أنّ الهُزال والتقزّم وسوء التغذية إنجاز جديد يسجل لنظام بشار الأسد، وربما المقبل يحمل إنجازات أخرى، بعد فقدان أكثر من 12.4 مليون شخص أمنهم الغذائي في نهاية العام الماضي، بزيادة قدرها 51% مقارنة بتقديرات عام 2019، وفق بيانات أممية صدرت أخيراً بناءً على نتائج مسح الأمن الغذائي لعام 2022، والذي جرى بالتعاون مع حكومة الأسد.

نهاية القول نقطتان:

الأولى، أنّ سورية تختلف عن دول المجاعة في أفريقيا، سواء بتراكم خبراتها الصناعية والتجارية، أو بمواردها الطبيعية والغذائية، التي تكفي لإطعام خمسين مليوناً وأياً كان الحصار والظروف.

فبلد وصل إنتاجه من القمح إلى 4 ملايين ونصف مليون طن ولديه زيت زيتون بمليون طن وحمضيات بمليون طن وكان لديه أكثر من 30 مليون رأس غنم، فضلاً عن ثروات باطنية، من نفط وغاز وفوسفات، يصل فيه الفقر إلى 90% ويصاب شعبه بالهزال جراء سوء التغذية، فلا شك أن ثمة خططاً نفذت بروح وتصميم عاليين، لتكون التتمة بالنقطة الثانية التي نزفها بسؤال عن مستقبل سورية والسوريين، بعد دخول الوضع التغذوي للأطفال السوريين دائرة الخطر المهدد لحياتهم، فأي آمال على سورية الغد بمجتمع فقد نحو مليون قتيل وتهجر نصف سكانه، ومن تبقى يعاني من سوء التغذية والمرض الجسدي والنفسي؟

أثمة قاع آخر لم يرم نظام الأسد السوريين إليه، أم بعد تهديم المنشآت والاقتصاد والجيش والإنسان حقق النظام كامل الدور الوظيفي وصار لزاماً على المحيط، العربي والدولي، مكافأته واستسماحه والعودة إلى حضن سورية كما نرى اليوم؟

المساهمون