السؤال الصعب في قمة بريكس... هل تتمكن من تأسيس عملة موحدة؟

22 اغسطس 2024
الزعيمان شي وبوتين في قمة بريكس بالبرازيل، 13 نوفمبر 2019 (ميخائيل سيفتلوف/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **قمة بريكس في قازان وتوسيع العضوية**: تستعد روسيا لعقد قمة بريكس في قازان بين 22 و24 أكتوبر، مع احتمالية انضمام ماليزيا وتايلاند. تركز القمة على "عملة بريكس" لتقليل هيمنة الدولار، الذي يهيمن على 90% من معاملات الصرف الأجنبي و59% من احتياطيات النقد الأجنبي.

- **نقاط قوة وضعف بريكس**: تمثل بريكس 40% من سكان العالم وربع الناتج المحلي الإجمالي، وتسيطر على نصف إمدادات النفط بعد انضمام الإمارات والسعودية. يحد عدم تجانس الأعضاء وانخفاض التكامل التجاري من تأثيرها.

- **التحديات أمام عملة بريكس وهيمنة الدولار**: تواجه بريكس تحديات في تحقيق عملة موحدة بسبب هيمنة الدولار، التوترات بين الصين والهند، والاعتماد على السوق الأميركية. الأعضاء الجدد يحتاجون لموازنة مشاركتهم بعناية.

بينما تعد روسيا لعقد قمة بريكس في قازان بجمهورية تتارستان بين 22 و24 أكتوبر المقبل، يدور السؤال حول جدول أعمال القمة التي ربما ستشهد توسعاً أكبر، حيث تخطط كل من ماليزيا وتايلاند للانضمام للمجموعة. إلا أن السؤال المحوري يدور حالياً حول "عملة بريكس" المقترحة، وتأمل الدول الأعضاء الرئيسية أن تخلص العالم من هيمنة الدولار على النظام المالي العالمي، ولكن هل تبدو خطط المجموعة واقعية في ظل وضع الدولار الحالي؟

وفق تحليل بمجلة " فورتشن"، يوم الثلاثاء، فإنه رغم الجهود الأخيرة لتحل "عملة بريكس" المقترحة محل الدولار، فإن العملة الأميركية لا تزال تهيمن على النظام النقدي والمالي العالمي، حيث استحوذت على حصة تقارب 90% من معاملات الصرف الأجنبي العالمية في عام 2022، وفقًا لبنك التسويات الدولية. وكان نحو 59% من احتياطيات النقد الأجنبي الرسمية بالدولار في الربع الأول من هذا العام أيضًا، وفقًا لصندوق النقد الدولي. وهذا لا يمكن مقارنته بحصة الرنمينبي الصيني، الذي يمثل 2.5% فقط من احتياطيات النقد. بالنسبة لخبراء، فإن هذا يعني أن "الرنمينبي من غير المرجح أن يتحدى الدولار بشكل جدي على المسرح العالمي، وأن فكرة عملة مجموعة بريكس هي مجرد خيال في الوقت الراهن".
يقول رحمن يعقوب، وهو زميل باحث في برنامج جنوب شرق آسيا في معهد لوي الأسترالي: "بالنسبة لبعض البلدان، يمكن أن تشكل مجموعة بريكس ثقلاً موازناً ضد الهيمنة الاقتصادية الأميركية". ويمكن أن يكون الانضمام إلى الكتلة أيضًا وسيلة للتحوط سياسيًّا، حيث إن التنافس المتزايد بين واشنطن وبكين يهدد بتقسيم العالم إلى مجموعتين متعارضتين. من جانبها تقول ديبورا إلمز، رئيسة السياسة التجارية في مؤسسة هينريش في تعليقات نقلتها فورتشن: "إذا كان العالم سينقسم إلى تكتلات، فإن التفوق سيخرج منه. بالنسبة لانضمام ماليزيا إلى مجموعة بريكس، يمكن أن يكون وسيلة لتأمين صفقات تجارية أو استثمارات للدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا.
وعن هذه النقطة يقول وين تشونغ تشيه، محلل شؤون آسيا والمحيط الهادئ في جامعة كاليفورنيا، إن نية الانضمام إلى مجموعة البريكس يمكن أن تدفع الدول الغربية إلى تعزيز استثماراتها في ماليزيا، أو حتى التشجيع على التقدم بطلب للحصول على عضوية بعض التحالفات الغربية، مثل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية".


نقاط قوة وضعف "بريكس"
تملك بريكس نقاط قوة عديدة من ناحية التجارة والقوة الشرائية وهيمنتها على بعض السلع المهمة. وقبل توسع بريكس في العام الماضي، كانت الدول الخمس في مجموعة بريكس الأصلية وهي روسيا والهند والبرازيل والصين وجنوب أفريقيا تمثل بالفعل نحو 40% من سكان العالم ونحو ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وفقًا لبيانات البنك الدولي. وبعد انضمام الإمارات والسعودية، باتت تضم المجموعة الآن ما يقرب من نصف إمدادات النفط في العالم.
ووفق بيانات "ستات تيستا" الشركة المتخصصة في البيانات الاقتصادية والمالية العالمية، في 15 يوليو/تموز الماضي، تجاوزت دول بريكس دول مجموعة السبع في إجمالي الناتج المحلي العالمي من حيث تعادل القوة الشرائية في عام 2018. وبحلول عام 2024، زاد الفارق بشكل أكبر، حيث تمتلك دول بريكس الآن ما مجموعه 35% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، مقارنة بنسبة 30% التي تحتفظ بها دول مجموعة السبع.

لكن البنك المركزي الفرنسي، يرى أنه رغم هذه القوة الاقتصادية لبريكس، فإن عدم تجانس أعضائها وانخفاض التكامل التجاري بينهم يحد من قدرة المجموعة على التأثير بالتجارة العالمية والنظام النقدي الدولي. ويقول في تقرير صدر في يناير/كانون الثاني الماضي، إنه في هذه المرحلة، يعمل توسع بريكس بشكل أساسي على التأكيد على جاذبية التحالف للدول الناشئة والنامية، التي تعتبره منتدى للتعبير عن "الجنوب العالمي"، ويساعد على إنشاء الكتلة الموسعة (بريكس+) قوة رئيسية في العالم.
ووفق المركزي الفرنسي، فإن توسع الأول من يناير/كانون الثاني 2024، ليشمل ست دول جديدة هي مصر والسعودية والإمارات والأرجنتين وإثيوبيا وإيران يمثل مرحلة جديدة في ظهور الكتلة باعتبارها قوة اقتصادية وسياسية، وإن قوة بريكس التجارية وهيمنتها على سوق السلع الأولية، تمنحانها قوة تفاوضية مع واشنطن وحلفائها، خاصة النفط والغاز الطبيعي والسلع الاستراتيجية مثل المعادن الأرضية النادرة والليثيوم، ولكن من غير المتوقع أن يجعل منها قوة متماسكة مالياً ونقدياً لتصل إلى الاتفاق على عملة موحدة. ووفق البنك المركزي الفرنسي، فإن حصة الصين وحدها من المعادن النادرة تبلغ 86%، كما أن حصة بريكس من التجارة العالمية تبلغ 25%. ولكن لاحظ محللون أن معظم هذه السلع تباع بالدولار، كما أن دول بريكس، وعلى رأسها الصين، تعتمد في صادراتها على السوق الأميركية، ولديها احتياطيات بالدولار تقدر بأكثر من 3 تريليونات دولار.
ومن شأن "عملة بريكس" المقترحة، في حال تأسيسها، أن تسمح لهذه الدول بتأكيد استقلالها الاقتصادي، وتتنافس مع النظام المالي الدولي الحالي، وربما تأخذ من حصة الدولار في التسويات التجارية وسوق الصرف العالمي، ولكنها لن تتمكن من القضاء على هيمنة الدولار.
ويهيمن الدولار على النظام النقدي الحالي، إذ يمثل حوالي 90% من إجمالي تداول العملات، وحتى وقت قريب، كان ما يقرب من 100% من تجارة النفط يجري بالدولار، ولكن في عام 2023، أفادت تقارير بأن خُمس تداولات النفط جرى باستخدام عملات غير الدولار.
ومن بين العقبات الأخرى التي يشير إليها خبراء الاقتصاد، أنه رغم قوة مجموعة بريكس تجارياً وسلعياً، فإنها لم تحقق حتى الآن سوى إنجازات قليلة للغاية، إذ ليس لدى الكتلة أي اتفاقيات تجارية أو استثمارية رسمية. كما أن الصين والهند، وهما أكبر اقتصادين في المجموعة، ليستا على علاقة ودية، خاصة منذ الاشتباك الحدودي المميت بينهما في عام 2020. كما أن الهند أيضًا عضو في الرباعية التي أسستها واشنطن والتي تضم اليابان والولايات المتحدة وأستراليا، كما يشير المسؤولون الأميركيون إلى الهند باعتبارها حليفاً مهماً لواشنطن وتملك ثقلاً موازناً محتملاً لصعود الصين السياسي والاقتصادي، وبالتالي فمن الصعب سماح واشنطن لها بالانضمام لمعسكر "موسكو ـ بكين"، خاصة أن نيودلهي عينها على التقنيات الأميركية الهاربة من الصين، وعينها كذلك على الاستثمارات الأميركية.
ويشير تشيه في هذا الصدد إلى أن مجموعة بريكس تضم منافسين للولايات المتحدة مثل روسيا وإيران وكذلك الصين، مما يعني أن الهند والسعودية والإمارات، وغيرها من الدول المنضمة حديثاً، وتلك المحتملة مثل ماليزيا وتايلاند، سوف تحتاج إلى "موازنة مشاركتها في بريكس بعناية".

 

ويقول محللون، يدرك الأعضاء الجدد في مجموعة بريكس مدى صعوبة تحقيق التوازن بين الولايات المتحدة والصين؛ إذ إن السعودية والإمارات على سبيل المثال ترتبط عملتاهما بالدولار، وشهدت الإمارات، التي لديها شراكة عسكرية وثيقة مع الولايات المتحدة، مواجهة شركتها الناشئة للذكاء الاصطناعي G42 ضغوطاً من واشنطن لقطع علاقاتها التكنولوجية مع الشركات الصينية. واستسلمت الشركة الناشئة في النهاية للضغوط وقطعت علاقاتها مع شركة هواوي.

على صعيد الدولار، يرى تحليل بمعهد العلاقات الخارجية، أن نقطة الضعف الرئيسية للعملة الأميركية في الوقت الراهن هي ارتفاع حجم الديون إلى أكثر من 35 تريليون دولار، واستخدام واشنطن المكثف للدولار في العقوبات على الدول التي تعارض سياساتها، أما من حيث القوة فهو يملك أكبر الأسواق المالية في العالم، حيث تبلغ القيمة السوقية للأسهم الأميركية أكثر من 55.8 تريليون دولار. كما يعد سوق سندات الخزانة الأميركية حجر الأساس للنظام المالي العالمي. ووفق بيانات اتحاد الأوراق والأسواق المالية الأميركية الصادرة في 30 يوليو/ تموز الماضي، هناك 27 تريليون دولار من سندات الخزانة المستحقة. ويجري تداول ما يزيد عن 879 مليار دولار في المتوسط يوميًّا. وتمنح هذه السندات القوة المالية للصناعة المصرفية الأميركية ولتدفق الرساميل التي لا يمكن منافستها من قبل أي تحالف مالي أو نقدي عالمي على المديين المتوسط أو القريب.

 

المساهمون